لا أريد الخوض في الفكر الليبرالي العلماني فقد خاض فيه غيري كثيراً
و لكنني أود أن ألفت الانتباه إلى ضرورة التفريق بين الدعوة إلى الإصلاح في المجتمع لجبر خلل ما حصل و لتحقيق الراحة و الطمأنينة التقدم والازدهار له و بين الدعوة لإجراء تغيير جذري في المجتمع و التي غالباً ما يكون دافعها الشهوات و النزوات الشخصية و يتم تغليفها بشعارات براقة و مغرية مثل الحرية و التحضر و التقدم و الحداثة و الاستقلالية و غيرها.
فالأولى محمودة و الثانية خطيرة يجب الحذر منها و عدم الاغترار بهذه الشعارات و خير دليل على صحة المنهج هو النتائج الموجودة في الواقع الملموس فالتجربة خير برهان

فهناك تجارب ومناهج كثيرة تم تطبيقها على أرض الواقع و العاقل و المنصف من ينظر إلى جميع هذه التجارب و يقيمها بحيادية و موضوعية و يدخل إلى الأعماق و لا يغتر بالقشور فيأخذ بأحسنها و أصوبها و المناسب لبيئته
و ادعوا المعجبين بالدول العربية التي انتهجت نظم مستوردة من الغرب أو الشرق و تخلت عن هويتها الإسلامية- سوى اسمها -أن يغوصوا في أعماق تلك المجتمعات ليروا ما تسببت به هذه المناهج من ضياع في الهوية و تخلف و مشاكل اجتماعية و نفسية و اضطرابات فكرية و تناقضات و ظلم و ....
حتى يعتبروا بدل أن ينخدعوا كما خدعت شعوب تلك البلدان من قبل بهذه الشعارات الرنانة و هم الآن يكتوون بنارها و في ورطة و لا يدرون كيف الخلاص من تبعات ما فعلوه .
و لكي يشكروا الله على هذه النعم التي جاءت بفضل تحكيم شرع الله .
و لكي يشعروا بالعزة و الكرامة و الراحة و الطمأنينة في ظل شريعة الله الوارفة
و ليستمروا في عملية البناء هذه التي أوصلت السعودية إلى تلك المكانة المتقدمة حيث أصبحت تتقدم على اقرانها بعقود بعد أن كانت متخلفة عنهم بعقود .
و ليحافظوا على هذه القلعة المتبقية من قلاع الإسلام
فعملية الهدم سهلة و لا تأخذ وقتاً كبيراً و لكن عملية بناء المجتمع تحتاج لزمن طويل و المجتمعات ليست مجالاً للتجارب
فهل تريدون من المملكة تحمل تبعات سلوك الآخرين المنحرف عن هدي الله عز و جل و سنة نبيه صلى الله عليه و سلم ؟ و بعد ذلك هم يتغنون بالانتصارات .
و أكبر دليل على ذلك هذه السلبيات التي ظهرت في المجتمع السعودي في السنوات الأخيرة و التي لم تكن موجودة سابقاً بسبب انحراف البعض عن هدي النبوة
علماً بأنني مع الإصلاح و الحوار و تصحيح الأخطاء و الانفتاح المنضبط و ضد التقوقع و الانغلاق و ضيق الأفق و التعصب الأعمى و إقصاء الآخر
و لإظهار الحقيقة و صحة المنهج سوف اذكر بعض النتائج الإيجابية التي حققتها المملكة العربية السعودية التي انتهجت الكتاب و السنة :
- لقد حافظت المملكة على هويتها الإسلامية و العربية طيلة الفترة الماضية و صمدت ضد رياح التغيير العاتية بالرغم من الضغوط الهائلة التي مورست عليها من اجل فتح باب الإفساد للمجتمع السعودي فحكومة المملكة تبذل قصارى جهدها من أجل الحفاظ على المجتمع من الفساد
و كذلك حافظت على كيان الأمة العربية والإسلامية من الذوبان بثباتها و بإنشاء و دعم المنظمات العربية والإسلامية المختلفة و لو لم يكن للمملكة سوى هذه المكرمة لكفتها .
- لقد حافظت المملكة على أراضيها و وحدتها الوطنية طيلة الفترة الماضية رغم النسيج القبلي للمملكة و اختلاف المشارب الدينية .
- لقد قامت المملكة برعاية الحرمين الشريفين على أكمل وجه و هذا يشهد به القاصي و الداني.
- لقد دعمت المملكة قضية العرب و المسلمين المركزية فلسطين الحبيبة ، ماديا و سياسيا و معنويا ما لم تدعمه أي دولة أخرى وليس هناك – على ما أعلم - بلداً عربياً أو إسلاميا إلا وللمملكة عليه يد خير .
- لقد استضافت المملكة الشخصيات المقهورة و المظلومة في بلدانها و فتحت لهم أبواب العطاء و الإبداع حتى يشعروا بكينونتهم و تستفيد منهم الأمة و نقلتهم من الظل و التهميش إلى الأضواء فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟
- لم تدخر المملكة جهدا في سبيل حل أزمات العالم العربي و الإسلامي و لكنها في كثير من الأحيان - على ما أعلم- تفضل العمل بصمت بعيدا عن الإعلام و تفعل أكثر مما تقول.
- لقد خرجت المملكة خلال الفترة الماضية من شر محدق أريد بها من قبل الأعداء- و هي هدف استراتيجي لهم - بفضل من الله ثم بحكمة و حنكة بالغة من قبل قيادتها رغم توفر جميع المبررات .
- إن المملكة من أكثر البلدان حرصا على كرامة مواطنيها في الخارج فهي لم تسلم أي مواطن للأمريكان و بذلت جهود جبارة في سبيل استعادة مواطنيها من غوانتنمو وهي ترعى شؤون مواطنيها في الخارج بكل اهتمام.
- لقد قامت المملكة بمعالجة الفتن و العنف المسلح بكل حكمة و اقتدار فاقت الدول التي تدعي التقدم و الديمقراطية فلم تمس المواطنين و المقيمين الأبرياء بأذى خلاف ما حصل في البلدان العربية التي تعرضت لمثل هذا .
- لقد استطاعت المملكة الموازنة بين الحفاظ على الهوية و الاندماج في المجتمع الدولي و الأخذ بالحداثة فهي تجربة حريُ بها أن تحتذي و تدرس بعناية من قبل الآخرين .
- إنك تشعر بالأمن و الأمان عندما ترى رجل الأمن أو العسكري السعودي.
- هناك إرادة تطوير و إصلاح حقيقية في شتى المجالات .
- إن المملكة العربية السعودية استطاعت أن تحقق قفزة تنموية مدتها سبعة عقود خلال ثلاثة عقود حسب تقديري مقارنة بدول عربية كانت متقدمة عليها .
وفي الختام أرى أن هذا الفكر التغريبي المستورد و البعيد عن قيمنا و ثقافتنا و الذي يهدف إلى التغيير من الجذور بتحييد الدين عن جميع مظاهر الحياة و حصره في المسجد فقط أخطر من فكر ما يسمى بالإرهاب
لأن الفكر الإرهابي المتطرف آثاره السلبية واضحة و تظهر بسرعة و لذلك يكون منبوذا من معظم الناس
بينما الفكر المستورد المتحلل و تحت أي مسمى كان فآثاره السلبية تظهر بالتدريج و لكنها تكون مدمرة للمجتمع على المدى البعيد
و هو يوافق الشهوات و النزوات و مغلف بشعارات مغرية و مدعوم من الآخر بقوة لذلك ينتشر بسرعة بين الناس
فالعاقل و السعيد و الموفق من اتعظ بغيره و يبتعد عن الحفرة التي سقط فيها غيره و لا يجرب ما جربه الآخرون و فشلوا فيه و تخلوا عنه بعد اكتشافهم زيفه .