حملت حقيبتي واتجهت لسيارتي ..
هي العودة للدراسة . شعرت كطفل فرح بالمدرسة يخرج أدواته بين اللحين والآخر ،قلم جديد،كراسة جديدة، يقلبها بشوق لمدرسته.
ركنت سيارتي أسابق نفسي لمكان المحاضرة .
دخلت للقاعة الخاوية واتخذت مكانا جلست فيه أكتب تاريخ يومي وعنوانه.
_ لن يحضروا قبل الساعة العاشرة.
هل هذا ما سمعته أم أنا أتخيل ؟
تلفت حولي وجلت بنظري في تلك القاعة لا شيء ..جدران خشبية تشتكي ظلم السنين، وهيكل عظمي أُسند في احدى الزوايا .تعودت ان أتحدث مع نفسي ولكن كلام مع الأرواح هذا شيء جديد.
وتهادى الصوت مرة أخرى وأنا في دهشتي :
_ أنت وحدك؟..لماذا لم ترافقي صديقة تؤنسك؟
سلطت نظري على ذلك الهيكل
_ هل تتحدث معي ؟
_وهل هناك أحد آآآآآخر غيرنا هنا ؟
تركت ما بيدي وقمت أقترب منه
_ولكنك تتحدث بدون رأس .
_لا تقتربي أكثر ..لا تثيري في نفسي الحنين للدفء .
ابتعدت عنه
لا لقد تماديت في تخيلاتي .
_ انت تتحدث ام أنا أتخيل ؟
_ أتحدث ………انظري الي ..لقد رموني هنا ..
وبدا الصوت كمن سيبدأ بالبكاء .
اقتربت منه ثانية ومددت يدي أمسح على أضلعه وكأني أحسست بخفقان في جوفه وسمعت لهاث أنفاسه .
_لا تحزن .. هي حال الدنيا ..كل بني آآآآآدم لهذا المصير.
وغص صوته بالألم وهو يقول :
_ لو أنهم فقط أعادوني لصندوقي ..لقد درسوا تكويني ،أضاعوا رأسي ..ثم تركوني هنا أعاني الوحدة ..ياسمين ..خذيني معك!!
رسمت الدهشة وجهي ..
_ كيف عرفت اسمي ؟
_ كل شيء مكتوب على جبينك .أنت لا تعلمين.
خذيني معك ..قد تحتاجين لي يوما .
_ أحتاجك ؟!! أجل أحتاجك لمعرفة عدد أضلعي .
رد بالحزن نفسه:
_لا تسخري مني ..
بدأت الدارسات بالحضور الى القاعة .فرجعت لمكاني وأنا أرمقه بعطف ورجاء ألا ينطق فلن أستطيع الرد عليه .وكأنه شعر بي فالتزم الصمت .
ثارت في المحاضرة مواضيع عدة أنستني ذلك القابع في الزاوية وشُغلت بكتابة ملاحظاتي حتى شارف وقت المحاضرة على الانتهاء وبدأ الجميع بالانسحاب وكنت ألملم أوراقي ..وأضعها في حقيبتي عندما عاد صوته يرجوني :
_ هل ستأخذيني معك؟
_ طبعا لا ..
لقد أجبته بعنف فبدأ يهتز وأثار في نفسي الفزع.
_ انت قاسية القلب .انتم لا تبحثون إلا عن مصالحكم .
نهرته:
_ اصمت ..لقد بدأت أظن أني جننت وأنا أتحدث إليك ..مع السلامة .
أدرت له ظهري . لأفاجأ بإحداهن تقف على الباب وعلامات الدهشة والاستغراب على وجهها ولعلها تتساءل مع من كنت أتحدث .
حملت حقيبتي وخرجت وتناسيت حديثي معه حتى جاء يوم المحاضرة التالية ودخلت متخذة مكاني وانا انتظر ان يتحدث ..ولكنه ظل صامتا لم ينطق هذه المرة .
_ لقد كانت تهيؤات .
انتهينا من المحاضرة وقبل ان نخرج طلب الاستاذ رأينا بمكان المحاضرة وان كنا نحب ان نغيره.
فاندفعت بتهور :
_ هو مكان جيد يا استاذ لولا هذا الهيكل في الزاوية؟
التفت الاستاذ خلفه ونظر إليه وخلت حديثا دار بينهما ..فهل أخبره أنه ..مرمي هنا منذ فترة وأني لم أهتم لآآآآلامه ولن آآآآخذه معي .
_هذا الهيكل !!!رفع الاستاذ حاجبيه متعجبا كيف لم يلحظه من قبل ..وخاطبنا :
_ستكتبن فيه قصة ..فهذا يخدم المقرر..
ومن تجيد الكتابة ..ستبدأ أولى خطواتها في فهم هذا المقرر …القصة والمسرح.
حاولت انا وبعض الدارسات ان نثنيه عن رأيه ولكن كانت كلماته لا تحتمل رأيا آآآآخر .
_ بل تكتبن عنه ..
انتظرت الجميع حتى خرجوا ..
_ هيكل أذكر لي قصة جرت لك ..أي قصة ..
لم يجبني ولم ينطق .
مددت يدي وضعتها بين أضلعه اليابسة لعله يشعر بدفء او أي شيء ..آآخر .
لم أسمع صوته ولا خفقان في جوفه..
_ هل تعلم قلبك القسوة..هيكل ..
عليك اللعنة من يحتاجك….
التفت خارجة ..لأرى ذلك الوجه مرة أخرى عند الباب وهذه المرة كانت تنظر لي بخوف ..
_ لعنك الله لقد أثبت الجنون علي .
خرجت أفكر بقصة عنه ..ماذا عساي ان أكتب عن هيكل أجوف ..بقايا انسان .
وفي المحاضرة قدمت أوراقي بيضاء لا قصة فيها ..ولملمت نفسي هاربة من القاعة……وذلك الوجه يهمس بجنوني لبقية الوجوه .
________ صدى الصمت ـــــــ
لقد آآآثرت ان ادخل بهدوء...وبقصةأحملها معي ....فأرجو أن اكون ضيفة...خفيفة عليكم.
للجميع تحياتي .
تعليق