أي صديقي : سلاما طيبا يدنيه الحب ، ويؤخره الإجلال .. وبعد :
أكتب إليك كتابي هذا ، وقد بلغت من لدني حبا .. فلا حرمني ربي حبك ..
إذ لاأزال أمتح من بئر حبك دلوي ، فماأجد في كل مرة إلا ريا شافيا ، وماء راويا...
وإني آنست اسمك ، في خلة ورقي فحسن مرآه من بصري ، فما وجدتني إلا أقتحم الورقة وأشد بالقلم أضع لك بين يديك السلام صافيا طاهرا ..
وكذلك يفعل الحب إذا ما ساق القلوب إلى محبوبيها اختلاسا من العقل وخطفا من ورائه ..
وبعد : فإني ولد جدة وناشؤها حينا ، ثم الطائف حينا .. حتى إذا شددنا الرحال شرقا وولينا وجه القبلة أدبارنا على مضض منا واجتواء ، فرضا بقضاء الله وقدره ..
فلم أعد أدراجي من بعد ، ولم أزر مهبط رأسي (جدة) ولا مهبط قلبي (مكة) إلا لماما ..
وما أحسبني أبين لك عن شعوري إذاك بخير من كلام الحبيب صلى الله عليه وسلم .. إذ قال : ((والله إنك لأحب الأرض إلي ، وإنك لأحب أرض الله إلى الله )) ولولا أن قدر لي الخروج منك ماخرجت .. والحمد لله على كل حال ..
ثم إني إلى وجدي بالكعبة ، أجدني مشوقا إلى جارتها المدينة ، وساكنها عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم
وما أحسبني غير ذاك الذي يخاطبه شعر الشاعر ، إذ قال :
أمن غرامك للبطحاء والحرم ** بت الليالي لم تهجع ولم تنم
أمن حنين إلى رضوى وجارتها ** كادت تقوضك الذكرى من الألم
فيا كعبة ، ويا جبل رضوى : متى عساني ألقاكما ؟ ..
ويا أهلي هنا ك : قلبي معي غير أن الروح عندكم
فالجسم في غربة والروح في وطن
فليعجب الناس مني أن لي بدنا
لا روح فيه ولي روح بلا بدن
صديقي العزيز : إن كان لي من طلبة أثقل عليك بها فأن تسلم لي عليهما ، ثم تقرئ الرسول وصاحبيه مني السلام
وتلثم لي تلك الأراضي المباركة ..
وإن كان لك فانشر صحفي هذه في مشارق (الغربية) ومغاربها !!
فإني هائم بها ، ذ اهب العقل في حبها .. قد آثرت غناء ( فيروز) من دونه
من الغناء ، إذ قالت :
ولي فؤاد إذا طال العذاب به ** هام اشتياقا إلى رؤيا معذبه
ألا فإني هائم في أراضيها .. ألـــه في ما حباها الله من ثياب الإجلال
وسدول البركه ..
وإني أدعو الله تعالى أن يتوفاني يوم إذ يتوفاني مبصرا كعبتها ، لاثما
حجرها ، محبا أهلها .. حتى ما يكون آخر عهدي بها سوى بقيعها .. وحسبي أن أكون جوارا للحبيب ، وأصحابه ..
فإلى أن يكون ذلك ، فأنا الـــــــــــــــــساهر المؤرق مضجــــــعـه
لحب الذي من دهــــــــره لم يــــــــــــــــــره
الــــباكي غير مرة ينــــــــــــــــــــدب حــــــــــــظه
والســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام
تعليق