اليوم اليونان كدولة ، قد تبعث على الاستغراب
فقد ضخت للعالم قبل الآلف السنين تلك الفلسفة التي يرى البعض ان اليونان هي مهد الحضارة الغربية ، لكن اين اليونان من واقع تلك الدول في هذا الوقت ؟
ولا اعني فقط الترنحات الاقتصادية التي تمر بها اليونان ، بل سياستها الانغلاقية و دورها التاريخي خلال ثمانمائة سنة مضت ، لا يدل على اثر فلاسفتها الأوائل فيها ، حتى مع و بعد قيام الثورتين الأوربيتين ( الفرنسية و الصناعية ) ، لم يكن لليونان أي دور مهم او اثر
و مع ذلك تجد التعاطف من الدول المتقدمه مع اليونان مع انها دولة عبء عليهم بمعنى الكلمة و لكن من باب الاعتراف بفضلها التاريخي كمنبع و هذا فيه نوع من العنصرية او التحيز الثقافي ، فاليونانيون القدامى مفكرون علميون لكن بدون أي وجود لمعنى التجربة و المعالجة الآلية ، اليونان اليوم هي النتيجة لمعنى المفكر بدون التجربة و المعالجة .
تقريبا قبل عام 1200 للميلاد لم يكن للفكر اليوناني أي سمه علمية في أوروبا بل يتم تداولها من باب السخرية و التندر .
ابن سينا و ابن رشد و جهود المغاربة اليهود و المسيحين و المسلمين، هؤلاء هم منطقة البعث الحقيقي للفكر اليوناني الذي تم تسريبه إلى أوروبا بعد أن تمت معالجته ( بالعقلية العربية ) التي أضافت التجريب عليه ، و مع ذلك تجد التحيز ينسب الفضل إلى يونان القديمة فقط .
إذا لماذا لا ينظر العقل الى المعرفة او حتى العلوم على أنها وعاء ضخم أنتجته البشرية عبر الاف السنين وصبت فيه كل نتاجها من العلوم او المعارف .؟
لذلك لن تجد العقل الحيادي و الشمولي الذي ينظر العلم و المعرفة كوعاء ساهمت بتضخمه و زيادته البشرية بجميع أنواعهم على مر التاريخ حتى سود افريقيا أسهموا في ذلك الوعاء المعرفي الإنساني
فقد ساهمت معرفتهم على الأقل عن طريق الرحالات الاستكشافية او دراسات الأنثروبولوجيا على تلك الشعوب بقصد الاستعمار ،فقد اثروا المعرفة بطريقة معينة ربما لم تكن مقصودة من جهتهم .
اليوم حال العرب كحال اليونان ، و إذا أردنا تغيير هذا الحال ففي اعتقادي أن هناك ثلاث مراحل أولية لتغيير أنساق التفكير لدى الإنسان العربي ..
عبر الاقتصاد ، و عبر الصناعة و عبر التعليم
و لا سبيل الى الأولى الا بواسطة الثانية و لا سبيل الى الثانية الا بواسطة الثالثة
فصعود العقل العربي
يحتاج الى نهضة صناعية من الصنف الثقيل التنافسي
فهي التي ستغير بشكل جذري في نُسق التفكير
لأنها ستحل محل جزء من تلك التراكيب التي تسعى الى التأليف بين مجموعه الظواهر التي يعيشها الفرد
و ستجعل التنظيم جزء من ذلك التركيب ، عندها سيتغير الاهتمام بالوقت و الاهتمام بالدقه و المنافسة و القوة و السيطرة و....
أما إضافة قيم ثقافية جديدة بشكل مقصود او تعديلها سيكون بواسطة التعليم ،.
فالمفكرين العرب الذين ظهروا بعد الحرب العالمية الثانية ، في اعتقادي انهم مرحله لا يجب أن لا تتكرر ، و يجب أن لا تسيطر بمنهجيتها على الجيل الذي بعده ، اي نعم يُستفاد منهم أما يكونوا مدارس يكرسون ليونان جديدة لا يكون لها اثر إلا على الورق او تطبيق زمني عشوائي لا يلبث ان يضمحل بعد عقد واحد من الزمن ، فهذا يبعث على الإحباط ، لأنهم نواتج مجربة من قبل أثبتت فشلها سواء كان الدافع قومي عروبي او اشتراكي ثوري او رأس مالي او حتى أصحاب الفكر الجهادي الشمولي ـ اعتقد أنه لا بد أن يستقل الجيل الجديد عن منهجية جيل المفكرين العرب الذين خرجوا بعد الحرب العالمية الثانية .
تعليق