المملكة العربية السعودية
وزارة التعليم العالي
جامعة أم القرى
كلية التربية
قسم علم النفس
.
أبعاد المجال العاطفي كما ورد ذكرها في القرآن والسنة
والدراسات النفسية المعاصرة
من إعداد / ضيف الله محمد حسين مهدي
الطالب بقسم علم النفس ـ كلية التربية
الدراسات العليا ـ دبلوما التوجيه والإرشاد
إشراف الأستاذ الدكتور / محمد حمزة السليماني
تنويه :
بودي أقول للقارئ الكريم أن هذا البحث قد كتبته عام 1414هـ ، عندما كنت أدرس بدبلوم التوجيه والإرشاد ، بقسم علم النفس ، بكلية التربية ، جامعة أم القرى بمكة المكرمة ، وكان البحث مكتوبا بخط اليد هو وبحوث أخرى لأن الدكتور كان يطلب منا ذلك ، وظليت محتفظا بجميع البحوث حتى اليوم وهي بخط اليد وسأنشرها هنا ، بعد أن أطبعها كما طبعت هذا البحث ، ولم أغير أي شيء وأبقيتها كما هي ، رغم أنني قد اكتسبت الكثير من المعلومات والخبرات ، وظهرت العديد من الكتب إلاّ أنني فضلت أن يبقى البحث كما كتبته في حينه ، لأنه يريني صورتي وشخصيتي في تلك السنوات الجميلة 0
لكل من ردد قول الشاعر :
لا يقبل الله من معشوقة عملا
يوما وعاشقها غضبان مهجور
ليست بمأجورة في قتل عاشقها
لكن عاشقها في ذاك مأجور
.
تمهيد :
للعاطفة أثر كبير في تفكير الإنسان وصياغة آرائه ، فهو يتكلم بمنطق عاطفته ، ولا يرى الأشياء إلاّ من خلالها ، فالمحب لا ينظر إلى من أحبه نظرة فاحصة مدققة مبعثها التعقل والتفكير السليم ، بل يطغى الحب على عقله فيخضع لعاطفته ، ولا يقول إلاّ ما يوافق هواها 00 فالبخيل يبرر سلوكه الذي يستهجنه المجتمع ، ويقنع نفسه بأنه على صواب 0 والعاطفة والانفعال أصلهما واحد لأنهما يمثلان الناحية الوجدانية من حياة الإنسان 0
إذن العاطفة هي مزيج من عدة انفعالات ، وتمتاز بأنها أبقى أثرا ، وأطول أمدا من الانفعال الذي يكون وقتيا ، ويزول بزوال المؤثر 0 بل ومن العواطف ما يلازم الإنسان حتى نهاية عمره كالعاطفة الدينية 0 وهناك عوامل خارجية تساعد على تكوين العاطفة ، ومنها البيئة والتعليم 0
وجاء في القرآن الكريم وصف دقيق لكثير من الانفعالات التي يشعر بها الإنسان ، مثل : الخوف ، والغضب ، والحب ، والفرح ، والكره ، والغيرة ، والحسد ، والندم ، والحياء ، والخزي 0 واقتضت حكمة الله تعالى أن يزود الإنسان وكذلك الحيوان بانفعالات تعينهما أيضا على الحياة والبقاء 0
وهناك علاقة كبيرة بين الدوافع والانفعالات ، فالدوافع تكون عادة مصحوبة بحالة وجدانية انفعالية ، فحينما يشتد الدافع ويعاق عن الإشباع فترة من الزمن تحدث في الجسم حالة من التوتر ، وتصاحب ذلك عادة حالة وجدانية مكدرة ، وإشباع الدافع يكون مصحوبا بحالة وجدانية سارة ، ثم إن الانفعال يقوم بتوجيه السلوك مثل الدافع 0
فانفعال الخوف يدفع الإنسان إلى العدوان ، وانفعال الحب يدفعه إلى التقرب من موضوع حبه 0
وسوف أتناول هنا في هذا البحث ما جاء في القرآن الكريم عن هذه الانفعالات في أربعة فصول
الفصل الأول ـ وسأتحدث عن الخوف وأنواعه ، والسيطرة عليه 0 وكذلك سأتحدث فيه عن الغضب ، والسيطرة عليه 0
الفصل الثاني ـ وسأتحدث فيه عن الحب ، وحب الذات ، وحب الله ، وحب النبي عليه الصلاة والسلام ، وحب الناس ، وحب الجنس ، والحب الأبوي 0
الفصل الثالث ـ وسأتحدث فيه عن الفرح ، والكره ، وكذلك سأتحدث فيه عن الغيرة ، والحسد ، والندم 0
الفصل الرابع ـ فسأتحدث فيه عن أنواع أخرى من الانفعالات وأضرارها وفوائدها 0
والله أسأل أن أوفق فيه وأن ينتفع به من قرأه 0
الــخـوف
إن انفعال الخوف من الانفعالات الـهامة في حياة الإنسان لأنه :-
1ـ يعينه على اتقاء الأخطار التي تـهدده مما يساعده على الحياة والبقاء 0 والقرآن الكريم ذكر في بعض آياته الأمن من الخوف مقرونا بإشباع دافع الجوع ، مما يشير إلى أهمية كل من دافع الجوع وانفعال الخوف في حياة الإنسان
0
2ـ يدفع الإنسان المؤمن إلى اتقاء عذاب الله سبحانه في الحياة الآخرة 0
فالخوف من عقاب الله يدفع المؤمن إلى تجنب الوقوع في المعاصي ، والى التمسك والتقوى والانتظام في عبادة الله وعمل كل ما يرضيه 0والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام 0 قال تعالى : (( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون ))0 سورة الأنفال : 2 0
وانفعال الخوف حالة من الاضطراب الحاد الذي يشمل الفرد كله ،وقد وصف القرآن الكريم هذا الاضطراب بالزلزال الشديد الذي يهز الإنسان هزا شديدا ، فيفقده القدرة على التفكير والسيطرة على النفس 0 وإذا كان الخوف شديدا ومفاجئا فإن الإنسان تنتابه حالة من الذهول لا يستطيع معها الحركة أو التفكير بعضا من الوقت 0 وقد أشار القرآن الكريم لذلك في سورة الأنبياء الآية (40) حيث قال تعالى :
(( بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون ))
وذكر بن كثير في تفسيره للقرآن العظيم في المجلد الثالث تفسير سورة الأنبياء الآية ( 40 ) تفسيرا للآية السابقة وهو " بل تأتيهم بغتة ، أي تأتيهم النار بغتة ، أي فجأة ، فتبهتهم أي تذعرهم فيستسلمون لها حائرين لا يدرون ما يصنعون ، فلا يستطيعون ردها ، أي ليس لهم حيلة في ذلك ولا هم ينظرون ، أي ولا يؤخر عنهم ذلك ساعة واحدة 0
ويتركز اهتمام الإنسان بنفسه حينما يحدق به الخطر الشديد ويتملكه الخوف ، فيحاول النجاة منه بنفسه هو وينصرف اهتمامه عن أي شيء آخر 0 قال الله تعالى :
(( فإذا جاءت الصاخة () يوم يفر المرء من أخيه () وأمه وأبيه () وصاحبته وبنيه () لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه )) سورة عبس الآية 33ـ37 0
ويستجيب الإنسان لمواقف الخطر التي تهدده وتثير فيه انفعال الخوف بالابتعاد عنها والهرب منها 0
والخوف حالة انفعال يصاب بها جميع الأفراد حتى الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ، وقد ورد في القرآن الكريم خوف موسى عليه الصلاة والسلام من فرعون وهربه منه ، قال تعالى : (( ففررت منكم لمّا خفتكم )) سورة الشعراء الآية 21 0
ووصف القرآن الكريم أيضا خوف موسى عليه الصلاة والسلام حينما رأى عصاه تنقلب إلى ثعبان فولى هاربا ، قال تعالى : (( وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جآن ولى مدبرا ولم يعقب ، يا موسى لا تخف إنّي لا يخاف لديّ المرسلون )) 0
وذكر القرآن الكريم خوف الصحابة في المعركة فقال تعالى : (( إذ جآؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا () هنالك أبتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا )) سورة الأحزاب 0( نجاتي 1989 ) 0
والخوف يظهر للإنسان مبكرا منذ أشهره الأولى ، ويثار الخوف من أشياء مادية ومن بيئته المحيطة به ، ومن أهم مثيرات الخوف لديه الأصوات العالية المفاجئة ، ويتطور الخوف تبعا لمراحل التكوين ، فالطفل الناشئ لا يخاف الأصوات الشديدة المفاجئة التي كان يخافها يوم كان وليدا ، ولكنه الآن يخاف الأماكن الغريبة الشاذة أو المهجورة ، ويخاف الرجل العجوز ، ويخاف أيضا بعض الحيوانات 0
ويتجلى الخوف في فترة الطفولة المبكرة كما كان من قبل على هيئة فزع عام يشمل الجسم والوجه وأساريره ثم إلى هرب وصراخ ، وأخيرا إلى اختفاء ، ويتطور صراخ الخوف وصياحه إلى كلام متقطع وبنبرة حادة ينبئ عن الخوف في معانيه وأسلوبه الإستغاثي 0
أمّا في فترة الطفولة المتأخرة فإن خوف الطفل يختلف عن مثيراته ومظاهره عن الطفل الحديث فهو يتعلم كيف يضبط أعصابه أمام مخاوف الوليد ، ولكنه في نفس الوقت يتعلم من البيئة مخاوف جديدة ، كالخوف من المجرمين ، أو اللصوص ، أو القتلة ، وخوف الحيوانات المفترسة ، ويتعلم الخوف من القصص التي يسمعها ، أو يقرؤها أو يراها في السينما أو الأفلام وللكهولة أيضا مخاوفها حيث يعاني بعض الأفراد مشكلة نفسية أساسها إدراكه بأنه قد أصبح إنسانا ضعيفا هالكا ، وأنه يسير بخطى سريعة نحو ختام الدنيا الحبيبة ، وأن هذا الشعور أمر لا بد منه ، وهو حقيقة ثابتة ، ولكن الطريقة التي ينفعل بها الكهل مع هذا الإدراك عظيمة الأثر في إسعاده أو شقائه ، فإذا تقبل الكهل بهدوء حتمية الضعف ومظاهره واتبع النصائع الطبية والصحية والنفسية عاش سعيدا في حياة مثمرة راضية مع ذات نفسه ومع أسرته ، ومجتمعه ، أمّا إذا حاول عدم الاعتراف بوضعه التكويني الراهن ، وأهمل رعاية نفسه صحيا ونفسيا ، مدعيا أنه لا يزال قوي البنية نشيط الفاعلية ، فإنه ينتصر ظاهريا ، ولكنه لا يلبث أن ينهار متهالكا ( الهاشمي ، 1403هـ )
تعليق