أهل السنة والجماعة
سفر بن عبد الرحمن الحوالي
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، واشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أما بعد :
فنحمد الله أن جعلنا جميعا من أهل السنة ، ففي ذلك اصطفاء لنا واختيار تكريم من الله تبارك وتعالى ، لمن كان كذلك ،ونحمده أن جمعنا لنعرف بعضا من خصائصهم ومناقبهم العظيمة ، التي ميزهم الله تبارك وتعالى بها عن سائر أهل الإسلام . . .
تعلمون أن الله تبارك وتعالى يخلق ما يشاء ويختار ، وقد اختار أمة محمد r على سائر الأمم والملل ، يقول تعالى : { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق للخيرات بإذن الله } ، ويقول تبارك وتعالى : { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفسقون } ، ويقول تبارك وتعالى : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا } .
فهذه الأمة أوتيت الكتاب واصطفيت ، وكانت خير أمة أخرجت للناس ، وهي شهيدة على الناس يوم القيامة ، حين يشهد عليها رسولها r .
والله تبارك وتعالى اختص واختار من هذه الأمة المصطفاة المختارة ، طائفة بعينها ، هي في هذه الأمة ، كأمة الإسلام بين أهل الأديان وسائر الملل ، وهذه الفئة والطائفة ، هي ما نسميه أهل السنة والجماعة ، ولهذه التسمية مدلولها ففيها وبها يتميز المنهج والخاصية العظمى لأهل السنة والجماعة .
أهل السنة والجماعة - كما يتضح من اسمهم - أول ما يميزهم واعظم خاصية لهم هي انهم يتمسكون بكتاب الله تبارك وتعالى وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قولا وعملا واعتقادا ظاهرا وباطنا ، فلا يأخذون دينهم وإيمانهم واعتقادهم من غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، كائنا من كان ذلك المصدر ، ولا يقدمون بين يدي الله ورسوله ، ولا يرفعون أصوتهم فوق صوت رسول الله r ولا يرضون أن يرفع أحدا صوته فوق صوت رسول الله r بأن يحدث في هذا الدين أمرا مخالفا لهديه ، مجانبا لسنته .
وبضدها تتميز الأشياء :
فإذا قارنا بين هذا المنهج العظيم وبين غيره من المناهج ، فان ذلك الفرق يبدو جليا واضحا ، ولسنا في صدد تبيان تلك المناهج بالتفصيل ، ولكن لو نظرنا نظرة إجمالية ، لوجدنا أن المناهج هي في الأصل ثلاثة :
المنهج الأول : هو ذلك المنهج الذي ينحى المنحى العقلي ، الذي يدعي بزعمه العقل ، وتحكيم العقل والمنطقية والنظريات العقلية .
والمنهج المضاد : هو ذلك المنهج الذي يستقي ويستمد ، من الكشف أو من الذوق أو من الوجد وما شابه ذلك - أي المعايير غير العقلية - معيار العاطفة ، أو معيار الظن .
وبإيجاز نقول أن الأول هو منحى أهل الكلام عموما من معتزلة وأشعرية ومن جرى مجراهم ، هذا المنحنى يجعل الدين والإيمان والعقيدة فكرة عقلية ، فالإيمان عندهم فكرة عقلية .
والمنهج المضاد ، هو منهج أهل التصوف والتفهم بغير المشروع ، وهؤلاء يجعلون الإيمان والعقيدة تجربة روحية.
ولهذا يصعب حصر الطريقتين ، لان العقول تختلف وتتباين ، و التجارب الروحية الذاتية اكثر اختلافا واكثر تباينا .
وميز الله تبارك وتعالى أهل السنة والجماعة بالرجوع إلى الكتاب والسنة ، فعرفوا للعقل قيمته ومنزلته ، وعرفوا للحقائق والأذواق الإيمانية الحقة ، قيمتها ومنزلتها ، والحكم في ذلك كله هو النص من الوحي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، كما قال الله تبارك وتعالى لنبيه محمد r : { قل إنما أنذركم بالوحي }.
ولا يوجد عند أهل السنة والجماعة تصور معارضة أو تضاد بين العقل الصحيح السليم ، وبين الوحي ، ولا بين الذوق الإيماني الصحيح وبين الوحي ، فضلا عن أن يقول كما قال أولئك : " عند التعرض يقدم العقل ، أو يقدم الكشف ، أو يقدم أي شيء غير كتاب الله وسنة رسوله r .
بل إن من أصول أهل السنة والجماعة : أن أقوال أئمة أهل السنة والجماعة ابتداء من الصحابة الكرام ومرورا بالتابعين ثم بالأئمة الأربعة والسلف الصالح أجمعين ، أقوال هؤلاء - على الرغم من قدرهم وفضلهم - لا يمكن بأية حالة من الأحوال أن يعارض بها نص من الكتاب والسنة على الإطلاق ، وانما هي في منزلة بعد منزلة النص عن رسول الله r فلا يمكن أن يقدموا قول أحد ، كائن من كان على قول رسول الله r وان كان صحابيا ذا فضل ، أو إماما مجتهدا ، فضلا عن أن يقدموا على كلامه أحد المبتدعة أو الضالين أو أصحاب الكلام وأصحاب الأذواق والموازين والكشوفات الباطلة .
وبهذا تميز منهج أهل السنة والجماعة
وينقلنا إلي الميزة الأخرى :
فمنهجهم قائم على العلم:
فهم في كل أمر ، وفي كل حكم يطلبون الدليل من الكتاب والسنة ، ولهذا نجد أن علماء السنة - الذين كتبوا والذين لم يدونوا - نجد انهم جميعا من أهل السنة والجماعة ، وأهل السنة والجماعة اكثر طوائف الأمة حرصا على السنة وتدوينا لها ، وحفظا ، وان وجد من غيرهم من يهتم بها فهو لخدمة هوى في نفسه ، أو ليخلط حقا بباطل ، ولا يخلوا من ذلك .
أما أهل السنة والجماعة فيهتمون بكتاب الله عز وجل حفظا وتلاوة ، ويهتمون بسنة النبي r حفظا وفهما ، وكذلك تصحيحا وتضعيفا ، فالحديث الضعيف ، فضلا عن الموضوع لا يعتد به ولا يعمل به ، فضلا عن الكشوفات ، أو الآراء أو المنامات التي يعتمد عليها غيرهم .
تعليق