جزيرة المخلوقات الحالمة
في زمن من الأزمان الماضية التي مرت بين حدود الواقع
والخيال في تلك الحقبة المفقودة كانت هناك جزيرة حالمة
الجمال في وسط البحار، مساكنها تزين الهضاب ومزارعها
تمتد على مدى السهول المتمواجة كالقباب.
يأتيها رزقها من كل وادي غدير ومن كل جدول ماءه خرير
في كل حين وبما يفيض عن حاجتها.
لكن اغنيائها لما اترفوا طغوا فافسدوا فيها فخاف أهلها الطيبون
أن يعمهم الهلاك الذي قد يجلبه لهم هؤلاء بسفاهتهم، فجعلوا
ينصحونهم، لكن لا حياة لمن تنادي, خاصة وانت مسالم
تتجنب أن تعادي.
أحد حكماء الجزيرة لم ييأس فجمع كثيرا من شبابها تحت ظلال
أشجار جوز الهند المتشابكة بجانب شاطئ البحر الهادئ. وبدأ
يقص لهم عن مملكة النمل قائلا:
كانت هناك مملكة للنمل بنيت تحت الأرض تعيش في سلام
تحت ظل ملكة حكيمة. كل كان يؤدي واجبه في جلب الطعام
وتخزينه وتوزيعه ومن اوكل اليه مهمة الحراسة أيضا كان
يؤدي مهمته بإخلاص وتفاني...
ومن يبني الممرات والطرق والغرف كان يفعله بإتقان فضلا
عن أعمال أخرى مثل خدمة الملكة التي تحرص على ديمومة
المملكة أو نسلها لذلك كانت تنوع من نسلها الذي كان من بينهم
نمل طائر ذو جناح تامره الملكة بأن يترك ويغادر المملكة نهائيا
إلى مكان آخر بعيد عن تلك المملكة المعمرة حتى تحافظ على
نوعها إذا ما حدث مكروه لمملكتها.
وبينما الحال يسوده الأمان بدأ الجفاف يضرب المنطقة
المحيطة بتلك المملكة، فقل الطعام وكان من واجب بعض النمل
أن يبحث عن الطعام لتغذية الملكة العملاقة وكل السكان.
فكان الطعام يمكن جلبه حتى من ممالك أخرى بالقوة وكغنيمة بعد
إستعمال القوة اي نزعه انتزاعا هذا هو الذي كان سائدا في ممالك النمل.
وبينما الحال كذلك خرجت بعض النمل من تلك المملكة المسالمة لجلب
الطعام لكن حظها العثر قادها إلى مكان فيه مملكة لنمل شرس فدخلت
تلك النمل لتلك المملكه بحثا عن الطعام فدارت معركة شرسة تم القضاء
على النمل المعتدي ما عدا واحدة خرجت هاربة.
وبدلا من أن تذهب إلى مكان آخر للتمويه سلكت عائدة طريق مملكتها
وهذا الخطأ القاتل استقله النمل الشرس ليتتبع النملة الهاربة حتى يتمكن
من معرفة موطنها.
دخلت النملة الفارة المملكة لتعلم سكانها بما حل لها ولزميلاتها لكن لم
يسعفها الوقت فقد هجهم النمل الشرس عليهم ودارت معركة غير متكافئة
ابيد على أثرها جميع سكان تلك المملكة التي كانت عامرة لسنوات طوال.
وقال الحكيم القاص: افهمتم أبنائي ماذا ارمي من وراء هذه الرواية؟
صمت الجميع في أدب معهود منهم.
فعقب قائلا:
نخشى من استكشافات هؤلاء الذين يديرون جزيرتنا أن يجلبوا إليها
مخلوقات شرسة فيكون مصيرنا كمصير مملكة النمل البائدة تلك.
رفعت جلسة الحكماء لكن هرولة المترفين من سكان تلك الجزيرة
تمادو في اهلاك الحرث والنسل ومضايقة أهلها الضعفاء فظهر الفساد
في البر والبحر فتلوث مائها وهوائها وارضها ثم بدأوا يبحثون عن
مكان آخر يصلح للإنتقال إليه. سخروا أموالهم الهائلة التي كانوا
يجمعونها ظلما وبغير وجه حق في صنع سفن متطورة تمكنهم من
شق عباب البحر ومواجهة الأمواج المتلاطمة وحمل مؤونة تكفي
من تقلهم لعدة شهور إلى حين العثور على ارض مناسبة لهم.
نصحوهم حكماء تلك الجزيرة بقولهم: إن هذه الجزيرة تسع الجميع
وقد عاش فيها الاجداد بسلام من قبل، ولم يكن هناك ما يجبرهم على
الرحيل منها إلى مكان آخر لا أحد يضمن بوجوده أو صلاحيته للمعيشة.
وقالوا لهم اوقفوا عبثكم بمكان لا تشكون بصلاحيته للمعيشة بدلاً من
البحث عن وهم لا تملكون حتى أبسط الوسائل للتحقق من صدقيته.
رفض المترفون وواصلوا باستنذاف موارد تلك الجزيرة الحالمة من
أجل أوهام يبحثون عنها بتخريب ما هو تحت أيديهم.
بدأ اغلب سكان الجزيرة يتمنون أن لا يتمكنوا هؤلاء المترفون من
إيجاد أرض جديدة لأنهم سيخربون جزيرتهم التي لا يعرفون لها بديلا
ومن ثم سوف يدمرونها بالكامل إلى درجة أنها لن تصلح للعيش فيها
ويتركونهم فيها يواجهون مصيرهم المجهول.
لكن الأخبار والاشاعات يتناقلها الناس حول وجود جزر ومخلوقات
أخرى في مكان آخر وراء تلك البحار المظلمة وأنه هناك من رأى
أجسام طائرة تشبه الطيور وتصدر أصوات وهي تمر بعض الأحيان
فوق سماء البحار التي تحيط بتلك الجزيرة.
تم إرسال سفن استكشافية لما وراء تلك البحار وبعضها يحمل رسائل
اعتبرها أغلب سكان تلك الجزيرة مضللة. فقد حوت بعضها كلمات مثل:
نحن سكان الجزيرة الهادئة شعب مسالم يتمتع بموسيقى راقية وانسجام
مع مخلوقات الطبيعة الساحرة وحب الخير لكل المخلوقات أينما كانت
ونود أن يكون بيننا وبينها إن وجدت تواصل يقوي اواسرنا جميعا.
هكذا يرسلون ساسة الجزيرة وعظمائها الرسائل لسكان ما وراء البحار
إن وجدوا وفي نفس الوقت يواصلون تدمير جزيرتهم التي
لا يملكون سواها.
لكن لم تعد إليهم تلك السفن حتى يعرفوا شيئا مما يريدونه.
انهم يبحثون عن الحياة في مكان آخر لا يعرفون عنه شيئ بينما هم يضحون
بحياة مؤكدة هم يمارسونها وإن احسنوا واستثمروا كل تلك الأموال والموارد
الهائلة التي انفقوها في استكشاف المجهول لجعلوا من جزيرتهم تلك جنة
وارفة يدوم فيها الربيع ويسعد بالعيش فوقها الجميع.
.......
راجي
تعليق