الحمد لله
(
نواب "الجبهة الإسلامية" الأردنية كذلك، لم يكترثوا بعواطف الشارع وصدمة الشعب الأردني من جريمة الزرقاوي البشعة في أحد فنادق عمّان، فاستمزجوا رأي المراقب العام للإخوان المسلمين سالم الفلاحات، وأجابهم بأنه "لا حرج في تقديم العزاء". ولم يكتفِ النواب بزيارة سرادق العزاء في منزل الزرقاوي، بل صرح أحدهم، وهو كما يوصف من "صقور الإخوان وعلمائهم" في الأردن، بأن الزرقاوي قد نال الشهادة الحقة، وأنه سيشفع في سبعين شخصاً يوم القيامة، بل وأن كل من سقط في حفلة العرس الدامية في عمّان لم يكن شهيداً إلا في مزاعم عامة الناس!
بعض الصحف العربية عرضت لائحة طويلة تشمل "المعارك الجهادية" للشهيد الزرقاوي، ندرج بعضها لعل ذلك يحرك بعض الضمائر والعقول:
عام 2003: مقتل 22 شخصاً من بينهم ممثل الأمم المتحدة ونحو مئة جريح في هجوم انتحاري، مقتل 84 شخصاً بينهم السيد محمد باقر حكيم ومعه 125 جريحاً في هجوم بسيارة مفخخة، تفجير سيارة مفخخة في كربلاء، 19 قتلى و200 جريح.
عام 2004: مقتل أكثر من 170 شخصاً وإصابة 550 آخرين في اعتداءات متزامنة على مساجد ومراكز دينية شيعية في كربلاء وبغداد في ذكرى عاشوراء، بث شريط فيديو يظهر قطع رأس أحد الأميركيين، مقتل رئيس المجلس الانتقالي عزالدين سليم، سلسلة هجمات ضد الشرطة وأعمال عنف، والضحايا 400 شحص ما بين قتيل وجريح في بغداد والموصل والرمادي، قطع رأس مواطن كوري جنوبي وبلغاري وقتل أربعة أتراك، تفجير سيارة أمام مقر الشرطة في بغداد يوقع نحو 180 إصابة بين قتيل وجريح، قتل نحو 50 مجنداً في الجيش العراقي في كمين شمال بغداد، قتل 36 شخصاً بينهم 26 شرطياً عراقياً في سامراء، وفي اليوم التالي قتل 21 شرطياً عراقياً بدم بارد في محافظة الأنبار، هجومان يهزان النجف وكربلاء، 66 قتيلاً وقرابة 200 جريح.
عام 2005: مقتل محافظ بغداد، عملية انتحارية كبرى في الحلة تقتل 118 وتجرح 147، مجموعة الزرقاوي تختطف القائم بالأعمال المصري إيهاب شريف، ثم تتباهى فيما بعد بقتله على طريقتها الدموية الوحشية، ثلاثة اعتداءات في شمال بغداد، 99 قتيلاً و124 جريحاً. مقتل 60 شخصاً وجرح أكثر من 60 آخرين في هجومين على سوق تجاري شمال غرب بغداد، ثلاث عمليات انتحارية أمر الزرقاوي بتنفيذها داخل الأردن في الفنادق، 60 قتيلاً ومئة من الجرحى، مقتل 31 شخصاً في عملية انتحارية ضد رواد أحد المطاعم في وسط العاصمة.
وهكذا، وكما قال المفكر د.شاكر النابلسي في تحليله لجلائل الأعمال التي ارتكبها هذا الإرهابي، "لم يكن الزرقاوي عدواً لأميركا وبريطانيا بقدر ما كان عدواً شرساً ومجرماً للشعب العراقي وحريته. الزرقاوي لم يكن مقاوماً بقدر ما كان مجرماً إرهابياً، فما هي علاقة قتل الشيعة في العراق بهذه الأعداد الهائلة اليومية بمقاومة الاحتلال؟ وما هي علاقة قتل الطلبة والمدرسين والأكاديميين العراقيين بمقاومة الاحتلال؟ وما هي علاقة نسف الأماكن المقدسة ومساجد الشيعة بمقاومة الاحتلال؟ وما هي علاقة تحويل أعراس العطر إلى أعراس دم، ونسف الفنادق في الأردن بمقاومة الاحتلال"؟
ويتساءل الواحد منا من أين تنطلق حركة "حماس" وجماعة "الإخوان المسلمين" الأردنيين؟ ما مصلحة القضية الفلسطينية مثلاً، والشعب الأردني، في إغضاب الشارع العراقي واستعداء الشيعة في دول عديدة، ووضع الفلسطينيين والأردنيين في وضع لا يحسدان عليه بلا داع؟ بأي لغة ستتفاهم حركة "حماس" الآن مع شيعة لبنان و"حزب الله" وتلفزيون "المنار"، وكل الجهاز الإعلامي التابع للحزب، والمكرس لخدمة القضية الفلسطينية بل و"حماس" بالذات؟
ثم إن الولايات المتحدة تضع "حماس" على قائمة الجماعات الإرهابية، وتحذر كل الجهات من التبرع لها أو مساعدتها بأي شكل. وكانت "حماس" ولا تزال، ومعها بقية أجهزة الإعلام العربية، تشتكي مرّ الشكوى من هذا الموقف الأميركي "المنحاز". وها هي "حماس" تعلن على الملأ تعاطفها الكبير مع أبرز الإرهابيين العاملين في الشرق الأوسط، ومطارد في أكثر من بلد؟! فأي سذاجة إعلامية هذه وأي غباء سياسي؟
لقد اعتبرت "حماس" الزرقاوي رمزاً من رموز المقاومة، ولا شك أن إعجابهم السري وتقديسهم غير المعلن للزرقاوي أكبر بكثير من هذه الكلمات، و"حماس" هي التي نالت أغلبية الأصوات الفلسطينية. فانظر بنفسك أيها القارئ كم تفرط هذه الحركة بما أؤتمنت عليه من مصالح عندما تندفع في تبني جرائم شخص أغرق العراق بالدماء، وخطط لأبشع الجرائم ونفذها في الأردن، وساهم مساهمة فعالة في تشويه سمعة العرب والإسلام والمسلمين بل و"العمل الإسلامي" برمته.
ثم إن "الإخوان المسلمين" في مصر والأردن وفلسطين وسوريا ودول الخليج، يزعمون أنهم "رواد الوسطية والاعتدال"، وأنهم "ضد التطرف الديني والتكفير والطائفية". فكيف نفهم الآن هذا الغرام المفاجئ بالإرهاب والتعاطف مع الزرقاوي، واعتباره من الشهداء الأطهار الذين يشفعون لسبعين مسلم يوم الدين!
وإذا كان "الإخوان" قد سحبوا مرتبة الشهادة من ضحايا الزرقاوي "السُنة"، في عمّان، فلا شك أنهم لا يعترفون ربما حتى بإسلام ضحاياه في العراق!
ويعيد موقف حركة "حماس" الفلسطينية سؤالاً أعمق حول أخلاقية الحركة السياسية الفلسطينية. فبعد فضيحة عام 1990 بحق الكويت، وما جره موقف "منظمة التحرير" وياسر عرفات وغيرهم على القضية ومصالح الفلسطينيين من كوارث، وما أثار من أسئلة حول مدى "إنسانية" الحركة الفلسطينية، ونضجها السياسي، وحول حقيقة موقفها المتوقع في معارضة كل عملية احتلال واغتصاب وظلم، ها هي "حماس"، ترتكب بعد 16 سنة، نفس الخطيئة باسم الإسلام وباسم معاداة الولايات المتحدة!
هذه المعاداة التي تجعل حركة مثل "حماس" وحزباً "إخوانياً" ممتد التاريخ في الأردن، يندفعان في تزكية مجرم ملطخ اليدين بالآثام، وغارق في دماء آلاف الأبرياء، واعتباره شهيداً ومجاهداً وبطلاً ورمزاً للمقاومة، لمجرد أنه قاد عصاباته ضد الأميركان في العراق، كما كان يزعم! وبهذا أصبح رمزاً للمقاومة، مهما كان برنامجه!
هل تجيز الشريعة الإسلامية ارتكاب أي جريمة ضد الأبرياء من مسلمين وغير مسلمين باسم المحاربة والجهاد والمقاومة؟ وإذا كانت غاية الجهاد تبرر الوسيلة وتجُبُّ آثام القتل والتفجير والإرهاب، فلماذا تغضب "حماس" وتستنكر سياسة إسرائيل العسكرية؟ وإذا كانت شكوى الفلسطينيين الدائمة هي تدخل العرب في شؤونهم والهيمنة لسنوات طويلة على قضيتهم، فبأي حق أفتوا في مصير الكويت عام 1990 ويفتون منذ عام 2003 في شؤون ومصير العراق؟
هل يأتي يوم يجيز فيه قادة "حماس" نسف آبار ومصافي النفط وقتل عشرات الآلاف من العراقيين إذا تضمن ذلك مقتل مئة من جند الصليبيين الأميركان، ومن يدري ربما يجيزون حتى استخدام الأسلحة الجرثومية والإشعاعية، فحماس فيما يبدو لا سقف لديها للأعمال "الجهادية"، ولا تتحكم بمواقفها أي قواعد إنسانية!
)
خليل علي حيدر نقلا عن صحيفة الاتحاد الاماراتية
(
نواب "الجبهة الإسلامية" الأردنية كذلك، لم يكترثوا بعواطف الشارع وصدمة الشعب الأردني من جريمة الزرقاوي البشعة في أحد فنادق عمّان، فاستمزجوا رأي المراقب العام للإخوان المسلمين سالم الفلاحات، وأجابهم بأنه "لا حرج في تقديم العزاء". ولم يكتفِ النواب بزيارة سرادق العزاء في منزل الزرقاوي، بل صرح أحدهم، وهو كما يوصف من "صقور الإخوان وعلمائهم" في الأردن، بأن الزرقاوي قد نال الشهادة الحقة، وأنه سيشفع في سبعين شخصاً يوم القيامة، بل وأن كل من سقط في حفلة العرس الدامية في عمّان لم يكن شهيداً إلا في مزاعم عامة الناس!
بعض الصحف العربية عرضت لائحة طويلة تشمل "المعارك الجهادية" للشهيد الزرقاوي، ندرج بعضها لعل ذلك يحرك بعض الضمائر والعقول:
عام 2003: مقتل 22 شخصاً من بينهم ممثل الأمم المتحدة ونحو مئة جريح في هجوم انتحاري، مقتل 84 شخصاً بينهم السيد محمد باقر حكيم ومعه 125 جريحاً في هجوم بسيارة مفخخة، تفجير سيارة مفخخة في كربلاء، 19 قتلى و200 جريح.
عام 2004: مقتل أكثر من 170 شخصاً وإصابة 550 آخرين في اعتداءات متزامنة على مساجد ومراكز دينية شيعية في كربلاء وبغداد في ذكرى عاشوراء، بث شريط فيديو يظهر قطع رأس أحد الأميركيين، مقتل رئيس المجلس الانتقالي عزالدين سليم، سلسلة هجمات ضد الشرطة وأعمال عنف، والضحايا 400 شحص ما بين قتيل وجريح في بغداد والموصل والرمادي، قطع رأس مواطن كوري جنوبي وبلغاري وقتل أربعة أتراك، تفجير سيارة أمام مقر الشرطة في بغداد يوقع نحو 180 إصابة بين قتيل وجريح، قتل نحو 50 مجنداً في الجيش العراقي في كمين شمال بغداد، قتل 36 شخصاً بينهم 26 شرطياً عراقياً في سامراء، وفي اليوم التالي قتل 21 شرطياً عراقياً بدم بارد في محافظة الأنبار، هجومان يهزان النجف وكربلاء، 66 قتيلاً وقرابة 200 جريح.
عام 2005: مقتل محافظ بغداد، عملية انتحارية كبرى في الحلة تقتل 118 وتجرح 147، مجموعة الزرقاوي تختطف القائم بالأعمال المصري إيهاب شريف، ثم تتباهى فيما بعد بقتله على طريقتها الدموية الوحشية، ثلاثة اعتداءات في شمال بغداد، 99 قتيلاً و124 جريحاً. مقتل 60 شخصاً وجرح أكثر من 60 آخرين في هجومين على سوق تجاري شمال غرب بغداد، ثلاث عمليات انتحارية أمر الزرقاوي بتنفيذها داخل الأردن في الفنادق، 60 قتيلاً ومئة من الجرحى، مقتل 31 شخصاً في عملية انتحارية ضد رواد أحد المطاعم في وسط العاصمة.
وهكذا، وكما قال المفكر د.شاكر النابلسي في تحليله لجلائل الأعمال التي ارتكبها هذا الإرهابي، "لم يكن الزرقاوي عدواً لأميركا وبريطانيا بقدر ما كان عدواً شرساً ومجرماً للشعب العراقي وحريته. الزرقاوي لم يكن مقاوماً بقدر ما كان مجرماً إرهابياً، فما هي علاقة قتل الشيعة في العراق بهذه الأعداد الهائلة اليومية بمقاومة الاحتلال؟ وما هي علاقة قتل الطلبة والمدرسين والأكاديميين العراقيين بمقاومة الاحتلال؟ وما هي علاقة نسف الأماكن المقدسة ومساجد الشيعة بمقاومة الاحتلال؟ وما هي علاقة تحويل أعراس العطر إلى أعراس دم، ونسف الفنادق في الأردن بمقاومة الاحتلال"؟
ويتساءل الواحد منا من أين تنطلق حركة "حماس" وجماعة "الإخوان المسلمين" الأردنيين؟ ما مصلحة القضية الفلسطينية مثلاً، والشعب الأردني، في إغضاب الشارع العراقي واستعداء الشيعة في دول عديدة، ووضع الفلسطينيين والأردنيين في وضع لا يحسدان عليه بلا داع؟ بأي لغة ستتفاهم حركة "حماس" الآن مع شيعة لبنان و"حزب الله" وتلفزيون "المنار"، وكل الجهاز الإعلامي التابع للحزب، والمكرس لخدمة القضية الفلسطينية بل و"حماس" بالذات؟
ثم إن الولايات المتحدة تضع "حماس" على قائمة الجماعات الإرهابية، وتحذر كل الجهات من التبرع لها أو مساعدتها بأي شكل. وكانت "حماس" ولا تزال، ومعها بقية أجهزة الإعلام العربية، تشتكي مرّ الشكوى من هذا الموقف الأميركي "المنحاز". وها هي "حماس" تعلن على الملأ تعاطفها الكبير مع أبرز الإرهابيين العاملين في الشرق الأوسط، ومطارد في أكثر من بلد؟! فأي سذاجة إعلامية هذه وأي غباء سياسي؟
لقد اعتبرت "حماس" الزرقاوي رمزاً من رموز المقاومة، ولا شك أن إعجابهم السري وتقديسهم غير المعلن للزرقاوي أكبر بكثير من هذه الكلمات، و"حماس" هي التي نالت أغلبية الأصوات الفلسطينية. فانظر بنفسك أيها القارئ كم تفرط هذه الحركة بما أؤتمنت عليه من مصالح عندما تندفع في تبني جرائم شخص أغرق العراق بالدماء، وخطط لأبشع الجرائم ونفذها في الأردن، وساهم مساهمة فعالة في تشويه سمعة العرب والإسلام والمسلمين بل و"العمل الإسلامي" برمته.
ثم إن "الإخوان المسلمين" في مصر والأردن وفلسطين وسوريا ودول الخليج، يزعمون أنهم "رواد الوسطية والاعتدال"، وأنهم "ضد التطرف الديني والتكفير والطائفية". فكيف نفهم الآن هذا الغرام المفاجئ بالإرهاب والتعاطف مع الزرقاوي، واعتباره من الشهداء الأطهار الذين يشفعون لسبعين مسلم يوم الدين!
وإذا كان "الإخوان" قد سحبوا مرتبة الشهادة من ضحايا الزرقاوي "السُنة"، في عمّان، فلا شك أنهم لا يعترفون ربما حتى بإسلام ضحاياه في العراق!
ويعيد موقف حركة "حماس" الفلسطينية سؤالاً أعمق حول أخلاقية الحركة السياسية الفلسطينية. فبعد فضيحة عام 1990 بحق الكويت، وما جره موقف "منظمة التحرير" وياسر عرفات وغيرهم على القضية ومصالح الفلسطينيين من كوارث، وما أثار من أسئلة حول مدى "إنسانية" الحركة الفلسطينية، ونضجها السياسي، وحول حقيقة موقفها المتوقع في معارضة كل عملية احتلال واغتصاب وظلم، ها هي "حماس"، ترتكب بعد 16 سنة، نفس الخطيئة باسم الإسلام وباسم معاداة الولايات المتحدة!
هذه المعاداة التي تجعل حركة مثل "حماس" وحزباً "إخوانياً" ممتد التاريخ في الأردن، يندفعان في تزكية مجرم ملطخ اليدين بالآثام، وغارق في دماء آلاف الأبرياء، واعتباره شهيداً ومجاهداً وبطلاً ورمزاً للمقاومة، لمجرد أنه قاد عصاباته ضد الأميركان في العراق، كما كان يزعم! وبهذا أصبح رمزاً للمقاومة، مهما كان برنامجه!
هل تجيز الشريعة الإسلامية ارتكاب أي جريمة ضد الأبرياء من مسلمين وغير مسلمين باسم المحاربة والجهاد والمقاومة؟ وإذا كانت غاية الجهاد تبرر الوسيلة وتجُبُّ آثام القتل والتفجير والإرهاب، فلماذا تغضب "حماس" وتستنكر سياسة إسرائيل العسكرية؟ وإذا كانت شكوى الفلسطينيين الدائمة هي تدخل العرب في شؤونهم والهيمنة لسنوات طويلة على قضيتهم، فبأي حق أفتوا في مصير الكويت عام 1990 ويفتون منذ عام 2003 في شؤون ومصير العراق؟
هل يأتي يوم يجيز فيه قادة "حماس" نسف آبار ومصافي النفط وقتل عشرات الآلاف من العراقيين إذا تضمن ذلك مقتل مئة من جند الصليبيين الأميركان، ومن يدري ربما يجيزون حتى استخدام الأسلحة الجرثومية والإشعاعية، فحماس فيما يبدو لا سقف لديها للأعمال "الجهادية"، ولا تتحكم بمواقفها أي قواعد إنسانية!
)
خليل علي حيدر نقلا عن صحيفة الاتحاد الاماراتية
تعليق