رائد الأقصى ... الشيخ / رائد صلاح
كان هادئا بطبعه منذ طفولته ... لم يكن شقيا في صباه شغوفا بألعاب أقرانه من الأولاد... بل كان حالما محبا للطبيعة والطيور.."
هذه كانت كلمات أمه، بل زادت على ذلك كلمات إبنته من أنه "رومانسي" نظرا لحبه للخلوة في أحضان الطبيعة وحبه للرسم ومتابعته للطيور وسماع أصواتها.
وفي يوم ما علم بحفر أنفاق متعددة تحت المسجد الأقصى من قبل الصهاينة ، حينها دقت مآذن قلبه المحب لكل المقدسات وعلى رأسها المسجد الأقصى وأطلق عهدَ الشجعان .. عهد الشرفاء بل عهد الشهداء الأحياء قال فيه :
"عاهدت نفسي بعد أن عاهدت الله تعالى أن أتصدق بعمري وبوقتي وبما أملك للقدس الشريف والمسجد الأقصى "
من هو رائد صلاح ؟
رائد صلاح المعروف ب ( شيخ الأقصى ) من مواليد قرية اللّجون القريبة من مدينة أم الفحم شمال فلسطين المحتلة عام 1958، تلك القرية التى عاش فيها أهله وتوارثوها جيلا بعد جيل ولكنهم أجبروا على مغادرتها عام 1948 من بعد معركة دامية مع الصهاينة والذين قاموا بنسف كل البيوت فيها والاستيلاء على أراضيهم مما اضطر أهلها للخروج منها واللجوء إلى مدينة أم الفحم على أمل العودة لاحقا حينما تهدأ الأمور.
ولكن.... طال البقاء في مدينة أم الفحم ، فعاش فيها طيلة حياته هادئا بطبعه، يحبه الجميع لرفعة أخلاقه وحسن صفاته ، وهو أب لثمانية أبناء، ينتمي لإحدى العائلات الفلسطينية ( أبو شقرة ) التي بقيت في أرضها ولم تنجح العصابات الإسرائيلية في تهجيرها، حيث تلقى تعليمه في أم الفحم، ثم حصل على بكالوريس في الشريعة الإسلامية من جامعة الخليل في فلسطين، وبدأ نشاطه في الدفاع عن الحقوق والمقدسات مبكراً، فاعتنق أفكار الحركة الإسلامية العالمية " جماعة الإخوان المسلمين " ونشط في ميادين الدعوة داخل الخط الأخضر منذ كان في المرحلة الثانوية، وقد كان من مؤسسي الحركة الإسلامية داخل الدولة العبرية بداية السبعينيات، وظل من كبار قادتها .
النشاط السياسي والدعوي
قام بترشيح نفسه لانتخابات بلدية أم الفحم (كبرى المدن العربية داخل إسرائيل ) ونجح في رئاستها 3 مرات أولها في عام 1989.
أولى الشيخ رائد صلاح اهتماماً كبيراً للمقدسات الإسلامية من مساجد ومقابر ومقامات، نظراً لتعمد الإسرائيليين الإعتداء عليها وتحويلها لأغراض أخرى بعد طرد أهلها منها، وانتخب عام 2000 رئيساً لجمعية الأقصى لرعاية المقدسات الإسلامية التي ساهمت بشكل فاعل في الدفاع عن المساجد في كافة أراضي فلسطين، ونجحت في فضح محاولات الإحتلال المتكررة للحفر أسفل المسجد الأقصى.
بدأ يتعاظم نشاطه في إعمار المسجد الأقصى وبقية المقدسات منذ عام 1996، واستطاع افشال المخططات الرامية لإفراغ الأقصى من عمارة المسلمين وذلك عن طريق جلب عشرات الآلاف من عرب الداخل إلى الصلاة والرباط فيه عبر مشروع مسيرة البيارق.
ساهم في إنشاء مشروع صندوق طفل الأقصى الذي يهتم برعاية نحو 16 ألف طفل، وتنظيم المسابقة العالمية " بيت المقدس في خطر " التي تجري أعمالها سنوياً في شهر رمضان للكبار والصغار بمشاركة عشارت الآلاف من كافة أرجاء العالم، بالإضافة إلى مسابقة الأقصى العلمية الثقافية.
مؤلفات الشيخ رائد صلاح
ساعد في إصدار عدة أفلام وثائقية وكتب عن المسجد الأقصى منها :
- شريط " المرابطون "
- كتاب " دليل أولى القبلتين "
- كتاب " أبجديات في الطريق إلى الأقصى
- شريط " الأقصى المبارك تحت الحصار "
- وهو الآن بصدد الإنتهاء من كتابه "مواقف مشرفة " و " مذكراته في السجن " كما أنه نظم ثماني قصائد .
كان للشيخ دور بارز داخل إسرائيل، حيث ساهم في تنظيم مهرجان صندوق الأقصى عام 2002 مما أثار سخط السلطات الإسرائيلية، وكان لنضال الشيخ رائد وشخصيته الروحية الأثر الكبير في أسلام ناشطة السلام الإسرائيلية طالي فحيمة.
إنجازات شيخ الأقصى ...
ترميم المصلى المرواني : المصلى جزء من المسجد الأقصى، يعود إلى العهد الأموي، يستخدم في أوقات محددة من شهر رمضان المبارك حين تزدحم باحات المسجد الأقصى ؛ يقع في الجهة الجنوبية الشرقية أسفل الأرض، تبلغ مساحته أربع دونمات، وقد واجه تشققات وتآكلات خطيرة في مبنى المصلى، وفي الأعمدة الخاصة به، نتيجة الحفريات التي يقوم بها الإحتلال أسفل المسجد، كما أنه يمنع دائرة الأوقاف الإسلامية من أعمال الترميم.
في مطلع التسعينيات أطلق الشيخ رائد صلاح مبادرة لإصلاح وترميم المصلى ، وفتح بواباته العملاقة، وإعمار الأقصى القديم وتنظيف ساحاته وإضاءتها، وإقامة وحدات مراحيض ووضوء في باب حطة، والأسباط، وفيصل، والمجلس، وعمل أيضاً على إحياء دروس المصاطب التاريخية، وأبرزها " درس الثلاثاء " الذي يحضره اليوم نحو 5 آلاف مسلم أسبوعياً في المسجد الأقصى.
وباشر بجمع التبرعات وقد أثار الصهاينة ضجة كبيرة ضد عملية الإصلاح، حيث كتبت الصحف الصهيونية أن المسلمين يقيمون مسجداً سرياً تحت المسجد الأقصى، واستصدروا أمراً من المحكمة الاسرائيلية لوقف الإصلاحات، لكن لم ترضخ دائرة الأوقاف لهذه الضغوط وواصلت الترميم في المسجد معتبرة أن من حقها تنفيذ الأعمال التي تراها مناسبة داخل الحرم، وأن الأمر لا يتعلق بمسجد سري أو توسعة، إنما ترميم وإصلاح لمسجد مفتوح من الأصل، نتيجة الحفريات أسفل المسجد الأقصى.
غير أن السلطات الإسرائيلية عرقلت كثيراً من إجراءات العمل في الترميم، وهددت مراراً بقطع المياه عن الحرم، وقد قامت بذلك بالفعل، واحتجزت شاحنات تحمل مواد أولية لازمة للأعمال في المصلى، وبالرغم من ذلك فقد استطاعت مؤسسة الأقصى إنجاز الجزء الأكبر من العمل و عملت على افتتاحه في تشرين أول من عام ستة وتسعين.
ما لبث أن جدد الإسرائيليين حملتهم بعد افتتاح المصلى، وأطلقوها في عدة اتجاهات، بدأت بالربط بين المصلى والنفق، ثم قايضت بقاءه بإقامة كنيس يهودي داخل الحرم ما أثار غضب ورفض الحركة الإسلامية، دفع بهم لإقامة احتفال بافتتاح المصلى، معلنة النية عن استكمال عمليات الترميم، التي تشمل رصف بلاط جديد، وتجديد كساء الجدران وعمليات التنظيف، وبالفعل فقد استؤنفت أعمال الترميم مجدداً سنة تسع وتسعين، وبذل الاسرائيليين محاولات حثيثة لوقفها، فأصدر ايهود اولمرت رئيس بلدية القدس أمراً بوقف الترميم، رفضه الفلسطينيين باعتبار أن الأعمال داخل الحرم هي من اختصاصها.
وعندما قامت الأوقاف بافتتاح بوابة طوارىء في المصلى أواخر عام تسعة وتسعين، هددت جماعات اسرائيلية بإطلاق تظاهرات ضخمة لن تتوقف إلا بإغلاق البوابة او المصلى نفسه.
ومرة أخرى كان الوقوف في وجه الضغوط الاسرائيلية سببا أساسيا في استكمال ترميم المكان الاسلامي.
قال الشيخ رائد صلاح ...
- "نحن على يقين بان العاقبة للمتقين وللحق المبين وعما قريب سنحتفل في القدس بمناسبة ختام ونهاية الاحتلال عن القدس والمسجد الأقصى المبارك".
- " سراج الزيت ينطفئ ، ان الذي يسرج بالزيت قد ينطفئ ، ولكننا نقول فلنسرج المسجد الاقصى دماً ، لان الذي يسرج بالدم لن ينطفئ".
- " عاهدت نفسي بعد أن عاهدت الله تعالى أن أتصدق بعمري و بوقتي وبما أملك للقدس الشريف و المسجد الأقصى"
- " أنا أتعجب ولا زلت أتعجب، ولا زلت أتساءل، هذا العالم الإسلامي والعربي، الذي يملك هذه الأوراق، لماذا لا يستخدمها حتى الآن ؟! أنا شخصياً لا أجد جواباً".
- " مادامت القدس في خطر فلن ننام .. وما دام الأقصى في خطر فلن ننام.. وكيف ينام من هو على موعد مع العيد السعيد.. مع الحق التليد.. مع الوعد الأكيد ؟ " .
- إنّا باقون .. إنّا باقون ما بقي الزعتر والزيتون
- "إن خيرونا بين الشهادة في جنبات القدس والأقصى أو تسليم الأقصى فمرحبا بالموت في حارات القدس والأقصى "
- المسلمون والعرب لم يرتقوا حتى الآن الى مستوى الحدث ولكنهم يملكون أوراق كثيرة من شأنها أن تمنحهم قوة ضغط مؤثرة على الإحتلال الإسرائيلي
أبرز المنعطفات التاريخية في مسيرة حياة الشيخ رائد صلاح
من الأحداث البارزة التي أثمرتها إحدى مقولات الشهيرة المشاركة في أسطول الحرية حيث قال :
«أقبلوا يا أهلنا بزحف عيونكم، وتأملوا قدسنا تاريخها ويومها وفجرها المجيد!! وأقبلوا بزحف عيونكم إلى الأقصى الوحيد!! ورددوا بصرخة لا ترهب التهديد: ما دامت القدس في خطر فلن ننام، وما دام الأقصى في خطر، فلن ننام، وكيف ينام من هو على موعد مع العيد السعيد.. مع الحق التلبد.. مع الوعد الأكيد..؟!»
في 31 مايو 2010 شارك الشيخ رائد صلاح في أسطول الحرية الهادف لفك الحصار الغاشم عن قطاع غزة حيث تعرض الأسطول لعملية قرصنة بحرية في المياه الدولية من السفن الحربية الأسرائلية. قتل في هذا التعدي الصارخ اكتر من 16 من المتضامنين العزل.واصيب اكثر من 38 جريحا... وقد تم اعتقاله - بعد محاولة اغتياله - اثر وصول الاسطول قسرا إلى مطار اسدود بتاريخ 1-6-2010 هو وآخرون وتم تمديد محاكمته لمدة اسبوع.
الإعتقالات والأحكام التي قضاها في سجون الإحتلال
لم تكن كلماته حول السجن اعتباطاً بل شكلت تطبيقاً عملياً للصبر والتضحية من أجل ما يؤمن به دفاعاً عن المقدسات الإسلامية حيث قال" ندخل السجن مسرورين للخلوة مع الله الى نهار صيام وليل قيام وسندخل السجن الى لحظات صفاء ولحظات نداء ودعاء".
في عام 1981 كان الإعتقال الأول لشيخ الأقصى بعد تخرجه من كلية الشريعة بتهمة مقاومة الإحتلال، وبعد الخروج لم يسلم من المضايقات حيث فرضت عليه الإقامة الجبرية، ورُفض طلبه للالتحاق بسلك التعليم في مسقط رأسه من الإحتلال، فاضطر للعمل في المهن الحرة.
بعد محاولة اقتحام المسجد الأقصى حيث كانت السبب في إثارة غضب الفلسطينيين واشتعال الإنتفاضة الثانية، اشتدت الحملات الرسمية وغير الرسمية التي استهدفت الشيخ رائد صلاح، فالصقت به اتهامات الإرهاب، وتهديد أمن " الدولة" وتعرض في سبيل ذلك للتحقيق البوليسي القاسي، ومنع من السفر خارج فلسطين المحتلة، ومنع من دخول المؤسسات التعليمية والأكاديمية لإلقاء المحاضرات.
عام 2002 أغلقت جريدة " صوت الحق والحرية " التي أسسها الشيخ حيث كانت الناطقة باسم حركته، لحجب صوتها في الكشف عن الإنتهاكات والتجاوزات الإسرائيلية بحق المقدسات في الأراضي المحتلة.
عام 2003 تعرض شيخ الأقصى للإعتقال في حملة أشرف عليها ما يزيد عن ألف شرطي من الوحدات الخاصة، بالإضافة لمشاركة رئيس الشاباك ووزير الأمن الداخلي وكبار رجالات الكيان ، واستمر الإعتقال حتى عام 2005، حيث كانت التغطية الإعلامية على محاكماته تحظى بالإهتمام من مختلف الوسائل الإعلامية المحلية والعالمية، ما رفع شأن القضية التي اعتبرتها الحركة الإسلامية محاولة لمحاكمة قيم الإسلام والقرآن الكريم وهدم أركانه الأساسية، وتغييب معالمه ومقدساته.
عام 2009 تم اصدار حكم بالسجن الفعلي لمدة تسعة أشهر على شيخ الأقصى، وستة أشهر أخرى مع وقف التنفيذ بتهمة التحريض على الإحتجاج، وفرضت عليه المحكمة الصهيونية غرامة مالية كبيرة لأحد أفراد الشرطة وقال الشيخ رائد صلاح آنذاك :ذا خيرتنا المؤسسة الاسرائيلية بين ان نسجن او نتنازل عن حقنا في الدفاع عن الاقصى فمرحبا بالسجون.
عام 2010 ومن سجن الرملة رفضت المحكمة الصهيونية طلب الإستئناف الذي قدمه محامي شيخ الأقصى وحكم عليه بالسجن الفعلي لخمسة أشهر على خلفية ملف باب المغاربة من أحداث مطلع العام 2007، إلى أن أُطلق سراحه صباح يوم الأحد الموافق 12/12/2010، وبقي خارج السجن فترة من الزمن.
عام 2011
أعاد الاحتلال اعتقال الشيخ رائد صلاح يوم الثلاثاء الموافق 22/02/2011 خلال تواجده في خيمة الاعتصام في حي البستان ببلدة سلوان وسـط مدينة القدس المحتلة، وبقي في أسره حتّى قرر الاحتلال اطلاق سراحه يوم الأربعاء الموافق 02/03/2011 على أن يبقى الشيخ رهن الإقامة الجبرية دون أن يمارس أي نشاط له.
ومازال رائد الأقصى في إقامته الجبرية حتى هذه اللحظة
وفيما يذهب الشيخ رائد صلاح إلى الأسْر ويخرج منه مرفوع الرأس والهامة، يبقى نداؤه وتحذيره الصادق: "الأقصى في خطر" ؛ لعله يلامس لحظة حياة في وجدان الأمة وزعمائها.
فلك يا شيخ الأقصى منا كل سلام ودعاء بالثبات
تعليق