
الدنيا حظوظ، وقد أقبلت الدنيا علي الإعلامي عماد أديب، حتي اصبح يركض فيها ركض الوحوش في البرية، فهو فضلا عن انه يملك صحفا لا تعد ولا تحصي، فانه يملك إذاعة من بابها، وعما قريب سيصبح مالكا لقناتين تليفزيونتين، واحدة أرضية، والثانية فضائية. وعلي الرغم من ان أهل الحكم في بلدي يؤمنون بفكرة التوزيع العادل للثروات، فمن يملك صحيفة ليس من حقه ان يملك قناة تليفزيونية، والعكس، الا ان الأخ عماد يمثل الاستثناء الذي يؤكد القاعدة، ولا ينفيها؟
رجل الأعمال أحمد بهجت صاحب قناة (دريم)، سعي سعيا حثيثا، بما له من نفوذ خارق، ان يصدر صحيفة، لكن من بيده عقدة النكاح اخبره، ان تكتل الثروات (الإعلامية) في يد شخص واحد مرفوض. لكن عماد، ظهر في برنامج البيت بيتك ، وطلب ـ مجرد الطلب ـ ان يمنحوه قناة تليفزيونية ـ مجرد قناة ـ وهو قادر علي ان يسحب البساط من تحت أقدام الفضائيات الإخبارية العربية، ويعيد لنا الريادة الإعلامية زاحفة علي بطنها، فقال له القوم خذ قناتين.
الأخ عماد رجل مبارك (ان شاء الله)، وهو من أهل الخطوة (بعون الله)، لانه بمجرد انه طلب ـ مجرد الطلب ـ تمت الاستجابة لطلبه باعتبارها أوامر، في حين ان واحدا مثلي عندما كان لسانه رطبا بالدعاء علي الرائد متقاعد صفوت الشريف، وتمنيت ان أري فيه يوما اسود من قرن الخروب، تم نقله من أملة الي أملة، ومن وزارة الإعلام الي مجلس الشوري، الأمر الذي جعلنا نتصور انه ذهب الي المخازن، وبمجرد ان رأيته يتمدد بعد انكماش، ابتهلت ودعوت وطلبت من القراء في كل مكان من ارض الإسلام، ان يرددوا خلفي: يارب يموت.. يارب يموت. فلم يمت، وبمجرد ان توقفت عن الدعاء يأسا، او شؤما، عاد ملء السمع والبصر، ورأينا كيف ان وجهه نضر، وكأنه لم يدخل دنيا بعد، وكأنه شاب في ميعة الصبا وريعان الشباب.. شاب لم ينهكه الفقر، والبحث عن مسكن، وعن عمل، ولم يأكل طعاما مشبعا بالمبيدات المسرطنة، التي دخلت مصر علي يد حكومتها السنية، وبموافقتها، وباعتراف وزير الزراعة نفسه.
وليس هذا فحسب، فالوزير المذكور استرد نفوذه، وعاد يستولي علي الشاشة الصغيرة من جديد، حتي اصبح ظهوره عليها، اكثر من ظهور عمرو دياب، وشيرين وجدي، وشيرين آه يا ليل، وكل المطربين، فرادي ومجتمعين، فقد نجح في ان يسترد صلاحيات وزير الإعلام، بعد ان أطاح بغريمه وخليفته علي العرش ممدوح البلتاجي، وتولي انس الفقي منصب وزير الإعلام، وهو علي الرغم من انه من اختيار آل البيت، الا انه يعلم ان العين لا تعلو علي الحاجب، وان الرائد صفوت الشريف من أصحاب البلد، وقد تعلم من رأس البلتاجي الطائر، فأخذ يتودد إليه، ويتقرب إليه بالنوافل، حتي اصبح المرجعية في كل كبيرة وصغيرة داخل مبني التليفزيون، فلا يرقي موظفا، ولا يمنح برنامجا لاي مذيع، ولا يبت في أمر، الا بعد ان يراجعه سيادة المهيب الرائد.
عماد أديب طلب قناة تليفزيونية، مدعيا القدرة علي منافسة الجزيرة، وكل القنوات الإخبارية علي ظهر البسيطة، طبعا ما عدا قناة (الإخبارية) في المملكة العربية السعودية، لأنها ليست علي ظهر البسيطة، أولا، وثانيا لأنها ولدت عملاقة، وقد عمل لها فقهاء جلالة خادم الحرمين الشريفين عملا سفليا علي ذيل سمكة، وألقوها في البحر، ولا يمكن التفوق عليها، الا باصطياد هذه السمكة وفك العمل. أما ثالثا، فلان الأخ عماد أديب وحدوي، يؤمن بوحدة مصر والمملكة، وبالتالي فليس من المبادئ الوحدوية الراسخة ان يعلن دخوله في منافسه مع الإخبارية، فيتسبب في شرذمة الأمة، علي العكس من الموقف من قناة (الجزيرة) باعتبار ان أصحابها انفصاليون.
لم يكد عماد أديب ينتهي من حديثه حتي جاءت البشارة بأن اولي الأمر منا وافقوا له علي قناتين، الأولي أرضية إخبارية سياسية، والثانية فضائية اجتماعية تهدف الي التسلية، ولان أهل الحكم يؤمنون بأن القلوب تمل، وإذا ملت عميت، وانه لابد من الترويح عن النفس، فساعة وساعة، وحتي إذا مل المشاهد من القناة السياسية، لم يدر المؤشر الي أي قناة أخري، من قنوات الأعداء، وانما يديره نحو القناة الاجتماعية التي تروح عن النفوس.
الجزيرة ، نغصت علي أولي الأمر حياتهم، وقد أسرفوا في تقديم البرامج الحوارية، فكلما تقدم أحد بفكرة برنامج يوافقون عليها بمجرد ان يقول لهم انه سيقلد الجزيرة او يعمل علي منافستها، وانطلق المذيعون يقلدون مذيعيها، في الحركة وفي الكلام، وفي اعتماد اللهجة الشامية (نسبة لبلاد الشام) باستخدام بعض العبارات والتراكيب، بل وفي أسلوب التعامل مع الضيوف، فإذا كانت الجزيرة، وغيرها من القنوات، واثناء تغطيتها لحدث ما، في بلد ما، تستضيف من يعلق عليه من خلال الاتصال به هاتفيا، فان جماعتنا، يفعلون نفس الشيء، مع ان المعلق خلال دقائق معدودات يمكن ان يكون في الأستوديو بشحمه ولحمه، وبدون وجع دماغ.. وبدون أنت معي.. هل تسمعني.. يبدو أننا فقدنا الاتصال بمحدثنا.
ولهذا فان عماد أديب، وهو يقدم طلبه بالحصول علي رخصة تليفزيونية أرضية، كان يعلم كيف يخاطب الروتين في مصر، وهذا لا يمنع من انه محظوظ، فقد حصل علي هذا بينما دمه الذي أراقه بعض رجالات الحكم في الصحافة والإعلام ودهاليز السلطة لم يجف، فقد سعوا الي تحميله وزر اليأس الذي سيطر علي الشارع المصري، الذي انتظر المفأجاة التي وعدوه بها في حوار أديب مع الرئيس مبارك، فلم يجد شيئا. فهناك من تعامل مع صاحبنا باعتباره كبش فداء، حفاظا علي شعبية الرئيس، وهناك من انتهزها فرصة للانتقام منه، لانه ليس من الحاشية، وان كان مقربا من آل البيت، الذين ضموه الي البلاط، واصبح له مكانة متقدمة في الصفوف، رغم صغر سنه، وحداثة التحاقه بالعمل، وقد استكثروا عليه ان يكون مسؤولا عن الحملة الدعائية للسيد الرئيس، فانتهزوا ما جري وقالوا: يا داهية دقي.
الحملة علي عماد أديب بلغت من الضراوة حدا ربما جعله هو بنفسه قد صدق ان يكون وراء الفيلم الهندي الخاص بالمفاجأة، وربما بلغت من الضراوة حدا يجعل الرئيس نفسه يصدق، لكن لانه محظوظ، فقد منحوه في هذه الأجواء قناتين .. خبط لزق، مع انه طلب قناة واحدة.
ليس احمد بهجت صاحب دريم، وحسن راتب صاحب المحور اقرب الي قلب السلطة في مصر من عماد، ولذا فان منحه قناة فضائية ليس مستغربا، ولكن منحه قناة أرضية هو الموضوع، وقديما وعندما كان البعض يطلب بالسماح للأفراد والقطاع الخاص بتملك القنوات الأرضية، كان الوزير الرائد صفوت الشريف يرد بأن قانون اتحاد الإذاعة والتليفزيون يمنع، وعندما قيل له ان القانون ليس قرآنا منزلا من السماء، وبالتالي يجب تعديله ليتفق وروح العصر، هداه تفكيره الي القول بأن الشبكة الأرضية لا تتحمل مزيدا من القنوات، وكانت هذه هي الحجة التي قطعت قول كل خطيب، ودفعت مؤسستي الأهرام وأخبار اليوم الصحافيتين الي العدول عن طلبهما تأسيس قناة تليفزيونية لهما، وقد رفض الرائد المذكور هذا الطلب علي الرغم من انهما مملوكتان للحكومة مثله تماما، وعندما تم الاحتكام للرئيس كان حديث إمكانيات الشبكة هو القول الفصل.
لكن من اجل عماد اديب فان الصعب يهون، والغالي يصبح من غير مصاري، والشبكة تتحمل، والقانون يمكن تجاهله والقفز عليه، وضربه علي قفاه.
ارزاق!
العقباوي.. أخيرا
سبق لي ان كتبت في هذه الزاوية ان أول قرار اتخذه انس الفقي وزير الإعلام هو تعيين إبراهيم العقباوي ابن شقيقة صفوت الشريف رئيسا لاتحاد الإذاعة والتليفزيون، وان الوزير ينتظر الوقت المناسب لإعلانه، لانه لم يعد سرا ان علي رأس أسباب الإطاحة بممدوح البلتاجي من وزارة الإعلام انه رفض إصدار هذا القرار.
لقد بدأ الفقي ـ ان شئت الدقة فقل الشريف ـ ينفذ القرار علي مراحل، فتم تعيين العقباوي رئيسا لمجلس إدارة مجلة الإذاعة والتليفزيون وهو المنصب الذي يشغله في العادة الوزير او رئيس الاتحاد. وفي الأسبوع الماضي صدر القرار بـ(تفويض) العقباوي برئاسة الاتحاد. فصفوت يتحسس قدميه، وعما قريب سيصبح العقباوي هو الرئيس الفعلي للاتحاد بدون تفويض، وربما يصبح بعدها وزيرا للإعلام، وقبل هذه الفترة يصبح عين خاله علي الوزارة، الذي اصبح زيته في دقيق.. مبروك، وعقبال الأستاذ اشرف صفوت الشريف.