كلنـــا نمـــوت
* هل رأى أحد منكم يوماً جنازة ؟
* هل تعرفون رجلاً كان إذا مشى رج الأرض ،
و إن تكلم ملأ الأسماع ، و إن غضب راع القلوب ،
جاءت عليه لحظة فإذا هو جسد بلا روح ،
و إذا هو لا يدفع عن نفسه ذبابة ،
و لا يمتنع من جرو كلب؟!
* هل سمعتم بفتاة كانت فتنة
القلب و بهجة النظر ، تفيض بالجمال و الشباب ،
و تنثر السحر و الفتون ، تبذل الأموال في قبلة
من شفتيها المطبقتين كزر ورد أحمر ، و تراق
الكبرياء على ساقيها القائمتين كعمودين من
المرمر ، جاءت عليها لحظة فإذا هي قد آلت إلى
النتن و البلى ، و رتع الدود في هذا الجسد الذي
كان قبلة عُبّاد الجمال ، و أكل ذلك الثغر الذي
كانت القبلة منه تشترى بكنوز الأموال؟!
* هل قرأتم في كتب التاريخ عن جبار كانت ترتجف
من خوفه قلوب الأبطال ، و يرتاع من هيبته فحول
الرجال ، لا يجسر أحد على رفع النظر إليه ، أو
تأمل بياض عينيه ، قوله إن قال شرع ، و أمره إن
أمر قضاء ، صار جسده تراباً تطؤه الأقدام ، و صار
قبره ملعباً للأطفال ، أو مثابة ( لقضاء الحاجات) ؟!
* هل مررتم على هذه الأماكن ،
التي فيها النباتات الصغيرة ، تقوم عليها شواهد
من الحجر ، تلك التي يقال لها المقابر ؟!
فلماذا لا تصدقون بعد هذا كله
وأنّ في الدنيا موتاً ؟!
* لماذا تقرؤون المواعظ ، و تسمعون النذر فتظنون
أنها لغيركم ؟ و ترون الجنائز و تمشون فيها
فتتحدثون حديث الدنيا ، و تفتحون سير الآمال
و الأماني .. كأنكم لن تموتوا كما مات هؤلاء الذين
تمشون في جنائزهم ، و كأن هؤلاء الأموات ما
كانوا يوماً أحياء مثلكم ، في قلوبهم آمال أكبر من
آمالكم ، و مطامع أبعد من مطامعكم ؟!
* لماذا يطغى بسلطانه صاحب السلطان،
و يتكبر و يتجبر يحسب أنها تدوم له ؟
إنها لا تدوم الدنيا لأحد ، و لو دامت لأحد قبله
ما وصلت إليه . و لقد وطئ ظهر الأرض من
هم أشد بطشاً ، و أقوى قوة ، و أعظم سلطاناً ؟ فما هي
حتى واراهم بطنها فنسي الناس أسماءهم !
* يغتر بغناه الغني ، و بقوته القوي ، و بشبابه الشاب،
و بصحته الصحيح ، يظن أن ذلك يبقى له و هيهات !
* و هل في الوجود شيء لا يدركه الموت ؟
* البناء العظيم يأتي عليه يوم يتخرب فيه ، و يرجع
تراباً ، و الدوحة الباسقة يأتي عليها يوماً تيبس فيه،
و تعود حطباً ، و الأسد الكاسر يأتي عليه يوم يأكل
فيه من لحمه الكلاب ، و سيأتي على الدنيا يوم تغدو
فيه الجبال هباءً ، وتشقق السماء ، و تنفجر الكواكب،
و يفنى كل شيء إلا وجهه تعالي .
يوم ينادي المنادي : { لمن الملك اليوم } .
فيجيب المجيب : { لله الواحد القهار } .
* لقد أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالإكثار
من ذكر الموت .
* فاذكروا الموت لتستعينوا بذكره على مطامع
نفوسكم ، و قسوة قلوبكم ، اذكروه لتكونوا أرق قلباً
و أكرم يداً ، و أقبل للموعظة ، و أدنى إلى الإيمان ،
إذكروه لتستعدوا له ، فإنّ الدنيا كفندق نزلت فيه ،
أنت في كل لحظة مدعو للسفر ، لا تدري متى تدعى
، فإذا كنت مستعداً : حقائبك مغلقة و أشياؤك مربوطة
لبيت و سرت ، و إن كانت ثيابك مفرقة ، و حقائبك
مفتوحة ، ذهبت بلا زاد و لا ثياب ، فإستعدوا للموت
بالتوبة التي تصفي حسابكم مع الله ، و أداء الحقوق،
و دفع المظالم ، لتصفوا حسابكم مع الناس .
* و لا تقل أنا شاب .. و لا تقل
أنا عظيم .. و لا تقل أنا غني ..
فإن ملك الموت إن جاء بمهمته لا يعرف شاباً و لا
شيخاً ، و لا عظيما و لا حقيراً و لاغنياً و لا فقيراً ..
و لا تدري متى يطرق بابك بمهمته !!
تحياتي ..
دلوعه الشرقية ..
تعليق