من الحقائق الثابتة الجليلة أن الدعوة الإصلاحية التي قام بها المجدد محمد بن عبدالوهاب التميمي -رحمه الله- (1115-1206هـ) (1703-1792م) ونصرها الإمام المجاهد محمد بن سعود -رحمه الله- ت(1179هـ) (1765م) إنما هي امتداد للمنهج الذي كان عليه السلف الصالح أهل السنة والجماعة على امتداد التاريخ الإسلامي، وهو منهج الإسلام الحق الذي كان عليه النبي r وصحابته الكرام والتابعين وأئمة الدين من الأئمة الأربعة ونحوهم من أهل الحديث والفقه وغيرهم.
إذن فهذه الحركة المباركة لم تكن في حقيقتها ومضامينها ومنهجها العقدي والعلمي والعملي، إلا معبرة عن الإسلام نفسه، مستهدفة إحياء ما اعترى تطبيقه من قِبَل كثير من المسلمين من غشاوة وجهل وإعراض، بتصحيح العقيدة، وإخلاص العبادة، وإحياء السنة، ومحاربة الشركيات والبدع والمحدثات في الدين.
يقول الأستاذ/ عبدالرحمن الرويشد في كتابه « الوهابية حركة الفكر والدولة» مؤكداً أصالة الفكرة الوهابية وأنها ليست مذهباً جديداً، إنما هي إحياء للدين الحق: «ليست الفكرة الوهابية السلفية ديانة جديدة أو مذهباً محدثاً كما أشاع ذلك خصومها، وإنما هي ثمار جهود مخلصة تنادي بالعودة إلى نموذج بساطة الإسلام والاستمداد في التشريع من نبعه الصافي، كما تدعو إلى حركة تطهير شاملة لكل ما أدخل على المعتقد الديني من شرك وبدع وزيغ وضلال أدت كلها إلى تشويه حقائق الإيمان وأفسدت رواء الدين، وأبعدت أبناءه عن قوة التزامه معتقداً وسلوكاً.
تسميتها بالوهابية وبيان الحق في ذلك:
إطلاق (الوهابية) على هذه الدعوة الإصلاحية انطلق أولاً من الخصوم، وكانوا يطلقونه على سبيل التنفير واللمز والتعيير، ويزعمون أنه مذهب مبتدع في الإسلام أو مذهب خامس.
ولم يكن استعمال (الوهابية) مرضياً ولا شائعاً عند أصحاب هذه الحركة وأتباعهم، ولا عند سائر السلفيين أهل السنة والجماعة، وكان كثير من المنصفين من غيرهم والمحايدين يتفادى إطلاق هذه التسمية عليهم، لأنهم يعلمون أن وصفهم بالوهابية كان في ابتدائه وصفاً عدوانياً، إنما يقصد به التشويه والتنفير وحجب الحقيقة عن الآخرين، والحيلولة بين هذه الدعوة المباركة وبين بقية المسلمين من العوام والجهلة وأتباع الفرق والطرق، بل وتضليل العلماء والمفكرين الذين لم يعرفوا حقيقة هذه الدعوة وواقعها.
ولقد صار لقب (الوهابية) وتسمية الحركة الإصلاحية السلفية الحديثة به هو السائد لدى الآخرين من الخصوم وبعض الأتباع والمؤيدين المحايدين (تنزلاً).
وهو الوصف الرائج عند الكثيرين من الكتَّاب والمفكرين والمؤرخين والساسة، والمؤسسات العلمية، ووسائل الإعلام إلى يومنا هذا، بل تعدى الأمر إلى التوسع في إطلاق الوهابية على أشخاص وحركات منحرفة عن المنهج السليم، وتخالف ما عليه السلف الصالح وما قامت عليه هذه الدعوة المباركة، وهذا بسبب تراكمات الأكاذيب والأساطير التي نسجت حول الدعوة وأهلها بالباطل والبهتان.
أما أتباع هذه الحركة فهم لا يرون صواب هذه التسمية (الوهابية) ولا ما انطوت عليه من مغالطات وأوهام، لاعتبارات مقنعة كثيرة؛ شرعية وعلمية ومنهجية وموضوعية وواقعية، تتلخص فيما أشرت إليه في التعريف من أنها تمثل تماماً الإسلام الحق الذي جاء به النبي ومنهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن سلك سبيل الهدى، وإذن فحصره تحت مسمى غير الإسلام والسنة خطأ فادح وبدعة محدثة ومردودة.
فالدارس لهذه الدعوة المباركة بإنصاف وموضوعية سيتوصل -حتماً- إلى أنها إنما تنادي بالرجوع إلى الإسلام الصافي، وأنها امتداد للدين الحق (عقيدة وشريعة ومنهاج حياة) والمتمثل -بعد حدوث الافتراق في الأمة الإسلامية- بالتزام نهج النبي محمد وصحابته الكرام والتابعين ومن سلك سبيلهم وهم السلف الصالح أهل السنة والجماعة.
قال الرسول عليه الصلاة والسلام .
[ إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ] . ( صحيح ) . أشار الإمام أحمد إلى صحة الحديث ؛ فقد ذكر الذهبي في سير الأعلام : قال أحمد بن حنبل من طرق عنه : إن الله يقيض للناس في رأس كل مائة من يعلمهم السنن ، وينفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذب ، قال : فنظرنا ؛ فإذا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز ، وفي رأس المائتين الشافعي .
ثم دعوة الشيخ رحمه الله كما ذكر في كتبه من نبذ الشرك والبدع .
وإذا كان الأمر كذلك؛ أعني أن الدعوة هي الإسلام والسنة التي جاء بها النبي وما عليه سلف الأمة... فلا معنى لإفرادها باسم أو وصف (كالوهابية) أو غيره، لكن قد ترد على ألسنة علماء الدعوة ومؤيديها أو غيرهم بعض الأوصاف الشرعية الصحيحة لها أو لأتباعها والتي لا تتنافى مع رسالتها مثل: دعوة الشيخ: الدعوة، الدعوة الإصلاحية، دعوة التوحيد، السلفية، وقد يوصف أهلها بالسلفيين والموحدين، وأهل التوحيد، وأهل السنة، والحنابلة، والنجديين. ونحو ذلك من الأوصاف الشرعية الحسنة، أو المقبولة.
ومن فضل الله على أتباع هذه الدعوة المباركة أن لقب (الوهابية) من الخصوم في كثير من الأحيان يحمل معانٍ إيجابية ويعتز بها أتباعها وعموم أهل السنة، وإن قصد به خصومهم اللمز والسبَّ.
وذاك -على سبيل المثال: حين يطلقونها على من يقيم شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو أصل من أصول الإسلام وشعائره العظيمة، ومن أكبر خصائص الأمة المسلمة، ومن خصال الخيرية لهذه الأمة كما قال تعالى:كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ [ سورة آل عمران، من الآية (110)]
وحين يطلقون (الوهابية) كذلك على الأخذ بالكتاب والسنة والتمسك بالدين وتوحيد الله تعالى، ونبذ الشركيات والبدع، وهذه صفة مدح وتزكية يفرح بها المؤمنون.
وحين يطلقون (الوهابية) على اقتفاء منهج السلف الصالح الذي هو سبيل المؤمنين، وسنة سيد المرسلين وهذه تزكية لا تقدر بثمن.
والناظر في مفاهيم الناس حول ما يسمونه (الوهابية) يجد الكثير من الغبش والخلط والتناقض والاضطراب.
فالوصف السائد للوهابية عند أغلب الخصوم ومن سار في ركابهم يقصد به: كل من لا يعمل بالبدع ولا يرضاها، وينكرها ولا يقرها.
وآخرون يطلقون (الوهابية) على كل من كان على مذهب أهل السنة والجماعة، مقابل الشيعة أو مقابل الفرق الأخرى. وقد يخصصه بعضهم بالاتجاهات السلفية، وأهل الحديث، وأنصار السنة ونحوهم.
وقد توسعت بعض وسائل الإعلام والاتجاهات الغربية ومن دار في فلكها بإطلاق (الوهابية) على كل مسلم ينزع إلى التمسك بشعائر الدين وأحكامه وربما ترادف عندهم عبارة (أصولي) أو متزمت أو متشدد، والمتمسك بالدين عندهم: متشدد.
وبعض المؤسسات والدوائر الغربية ومن تأثر بها صارت عندهم (الوهابية) ترادف: التطرف، والإرهاب والعنف، والعدوانية. ونحو ذلك، وهذا تصور خاطيء وحكم جائر .
تعليق