اعلان

Collapse
No announcement yet.

الخبرات العربية بين أوجه الاستفادة والقصور «3-4»

Collapse
X
 
  • تصنيف
  • الوقت
  • عرض
Clear All
new posts

  • الخبرات العربية بين أوجه الاستفادة والقصور «3-4»

    الأمير/ تركي بن بندر
    رئيس مجلس إدارة مجموعة حفيد الجدين

    6/9/2006

    الخبرات العربية بين أوجه الاستفادة والقصور «3-4»

    بعد أن تناولنا في الحلقتين السابقتين مسألتين هامتين تعاني منهما الأمة العربية ألا وهي عدم الاستفادة والاستعانة بالكفاءات وذوي الخبرات المؤهلة بعد إحالتها للتقاعد وتوظيف تجربتها ورؤيتها لخدمة الجيل التالي الذي تولى المسئولية بعدها والذي يحتاج إلى مرجعيات تسانده في أدائه يستشيرها في المعضلات التي تواجهه لديها بعد نظر وتجربة حقيقية تنير له الطريق وتعينه على تحقيق المسيرة إلا أن الذي يحدث لدينا وعلى الأخص في دول الخليج هو النفي والقطيعة المطلقة بين أصحاب الخبرات والتجارب ممن خرجوا على التقاعد وبين الجيل الذي تولى زمام الأمور حاليا بحيث جاء هذا الجيل وكأنه يحمل حقد دفين وضغينة فعندما يتولى زمام المسئولية تلاحظ أنه يريد إلغاء وتدمير كل ما أنجز على يد من سبقوه وتشويهه بأي صورة كانت حتى أننا نجد مشاريع كلفت الدولة المليارات يأتي مسئول جديد ليلغيها وينسفها عن بكرة أبيها ويبدأ هو بمشروعة الخاص والجديد الأكثر حداثة ومواكبة للعصر حسب رؤيته وشعاراته التسويقية لهذا المشروع .
    كما أنني تحدثت عن مسألة لا تقل خطورة أيضا على الأمة العربية ألا وهي هجرة العقول العربية التي تعد من أخطر الظواهر التي تتعرض لها الأمة العربية لأنها تعمل على إفراغ المجتمعات العربية من مواردها البشرية والفنية وعلمائها الأجلاء القادرين علي إحداث التنمية المستدامة مما أدى إلى زيادة حدة التخلف واستمرار الاستعانة والاعتماد على الخبرات الأجنبية في عمليات التنمية الأمر الذي يشكل هدراً إضافياً علي الاقتصاد الوطني للدول العربية وتبعية سياسية وثقافية مستمرة للعالم الغربي تزيد من حدة التخلف للبلدان العربية وتأخرها عن ركب التقدم والتطور والرقي.
    وإزاء هذا الوضع المزري الذي نشهده حاليا في إنقطاع الصلة بين الجيل الذي يتولى المسئولية والجيل الذي سبقه من أصحاب الخبرات والكفاءات والتجارب الحيوية ، وكذلك في نزوح كفاءات الأمة العربية إلى العالم الخارجي وفقدان خيرة أبناء الأمة بسبب الهجرة المتزايدة لا بد لنا من بذل المزيد من الجهود ووضع حلول عملية لمعالجة هذه الظواهر السلبية التي استنزفت موارد العالم العربي وسببت له خسائر فادحة مزدوجة تتمثل أولا: في تأخر الأمة العربية عن ركب الأمم في الحضارة والتقدم وثانياً: ضياع ما أنفقته الأمة من أموال وجهود في تعليم وإعداد الكفاءات العربية التي هاجرت إلى الخارج.
    وتبرز أهمية هذه القضية في أن العقول العربية المهاجرة تتضمن مهن وتخصصات مختلفة ونادرة تتراوح بين علماء في الدراسات الإستراتيجية وأطباء في الجراحات الدقيقة مثل الطب النووي ،والعلاج بالإشعاع، والهندسة الالكترونية والهندسة النووية، والهندسة الوراثية ، وعلوم الليزر، وتكنولوجيا الأنسجة، والفيزياء النووية، وعلوم الفضاء والميكروبيولوجيا ، ومختلف العلوم الإنسانية، كالاقتصاد والتجارة والعلاقات الدولية والعلوم الاجتماعية وغيرها.
    ولابد من الإشارة هنا إلى أن الدول العربية تفتقد ما يمكن أن يطلق عليه (مشروع التنمية المتوازنة والشاملة) والذي من أهم عوامله خلق وتعزيز البيئة الفكرية والعلمية والثقافية التي توفر مقومات العمل والاستقرار المعيشي والنفسي والإنتاج العلمي إضافة إلى أن معظم المشروعات التي تقام في البلدان العربية تنفذها في أغلب الأحيان شركات أجنبية للاستشارات والمقاولات ، مع مشاركة وطنية طفيفة تعمل في الحدود الدنيا لان النموذج السائد في البلدان العربية لتنفيذ المشروعات هو نمط الصفقات التي لا تنطوي في أغلب الأحيان على نقل التكنولوجيا وتوطينها بل إقامة مشروعات الإنتاج الجاهزة وفق نموذج (تسليم المفتاح) التي لا تتيح للعلماء والخبراء العرب إلا القليل من فرص العمالة وإثبات الجدارة ، الأمر الذي يشعر أصحابها بالاغتراب في أوطانهم وتشكل دافعا للهجرة فضلا عن أن هذه الظاهرة تشكل تبديدا كبيرا للموارد العربية في استيراد التكنولوجيا الجاهزة من البلدان الصناعية الغربية .
    وفي حديثي عن هذه الظاهرة ليست دعوة لجلد الذات،أو الدخول في حالة من الندم واللطم لكنها دعوة لنقد الذات، النقد الهادف والبناء بعيداً عن المبالغة في توصيف حالة التخلف التي تلف دنيا العروبة حاليا ، وذلك لتحقيق رغبتنا في إشاعة الأمل، والتطلع إلى أن يكون للأمة العربية علماء كبار، يشار إليهم بالبنان، يثرون المحافل الدولية في شتى ضروب العلم والمعرفة .
    ولانجاز هذه الغاية في دفع عجلة التطور والرقي ووقف نزيف هجرة العقول لا بد لنا أولا من إنشاء أنظمة وآليات متطورة ، وبيئة توفر الأدوات المناسبة ،والمناخات الملائمة، والإمكانات اللازمة ،للبحث العلمي، وللباحثين الشبان للانطلاق نحو ركب الحضارة والتقدم مع ضرورة توفير الإرادة العامة ،الرسمية والأهلية.
    واعتقد أن من أولى أوليات سبل معالجة هجرة العقول العربية إلى العالم الخارجي هو أولا الاعتراف بخطورة هذه القضية لتتكاتف جميع الجهود وتتعاون الدول العربية مجتمعة في وضع إستراتيجية عربية متكاملة لوقف نزيف الأدمغة العربية والحد من هذه الظاهرة والتصدي لها ويمكن أن يكون ذلك من خلال مشاركات كافة الدول العربية المتضررة وكل من جامعة الدول العربية ، ومنظمة العمل العربية ، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي، والمنظمات العربية غير الحكومية المهتمة بهذا الموضوع إضافة إلى الاستفادة من خبرات المنظمات الدولية ذات العلاقة مثل منظمة (اليونسكو) ومنظمة العمل الدولية التي تملك خبرات ودراسات جدية حول هذه المشكلة.

    وارى في سبيل معالجة هذه الظاهرة إجبار وفرض قانون للإستعانة بذوي الخبرات والتجارب العربية والمحلية على كافة الوزارات والأخذ بآرائهم والعمل بإقتراحاتهم،كما يجب إجراء مسح شامل للكفاءات العربية المهاجرة بهدف التعرف على حجمها ومواقعها وميادين اختصاصها وارتباطاتها وظروف عملها وصياغة سياسة عربية مركزية للقوى العاملة تقوم على أساس تكامل القوى العاملة العربية داخل البلدان العربية بحيث تمكن الدول العربية التي تواجه اختناقات في مجال القوى العاملة التخلص من فوائضها لصالح الدول العربية الأخرى التي تواجه عجزا في هذا الميدان لسد العجز لديها وتشجيع ذلك بكافة السبل والقوانين ليكون إلزاميا على جميع الدول العربية مما يحد من هجرة العقول إلى العالم الخارجي.

    وفي تقديري إنشاء مراكز البحوث التنموية والعلمية من أهم الأسباب التي تساعد في بقاء الكفاءات العربية بالوطن العربي وجذب العقول العربية المهاجرة للإشراف على هذه المراكز والإسهام المباشر في أعمالها وأنشطته بما يعود على الأمة العربية بالخير الوفير والمساهمة الفاعلة في عمليات التنمية ونقل التكنولوجيا وفنون التقنية والحداثة.
    وادعوا شخصياً في هذا الشأن الحكومات العربية إلى الإسراع في تكوين الجمعيات والروابط العلمية المختلفة ودعم ذلك لاستيعاب أصحاب الكفاءات المهاجرة وغير المهاجرة من البلدان العربية وإزالة جميع العوائق التي تعيق ربطهم بأوطانهم وبالمؤسسات التي ترتبط بتخصصاتهم ، إضافة إلى منحهم الحوافز المادية وتيسير إجراءات المشاركة في عملية التنمية والتحديث.
    كما ادعوا إلى ضرورة معالجة ضعف الاهتمام بالعلم والبحث العلمي الذي يعد أحد العوامل المركزية ‏ في الضعف الإستراتيجي العربي في مواجهة التحديات الراهنة وأحد الأسباب الرئيسية وراء إخفاق ‏ ‏مشاريع النهضة العربية‏ ‏و تطوير السياسات المشجعة للبحث العلمي في كل قطاعات المجتمع ‏لتتمكن الأمة العربية من سد الفجوة العلمية والتكنولوجية بين العرب والعالم الخارجي.
    ويعتبر من بين الأسباب التي تساهم في الحد من هجرة العقول العربية إلى العالم الخارجي تنظيم مؤتمرات للمغتربين العرب وطلب مساعدتهم وخبراتهم سواء في ميدان نقل التكنولوجيا أو المشاركة في تنفيذ المشروعات التنموية في العالم العربي ووضع سياسة تعتمد علي الحوار بين المعنيين في الدول العربية والكفاءات المهدرة والمهاجرة ومناقشة القضايا الإستفادة منهم باعتماد مبادئ الصراحة والشفافية لشرح طبيعة الواقع العربي الحالي دون تزييف بصورة لا تعطيهم وعوداً غير قابلة للتنفيذ مع ضمان حماية أمنه وحريته ومكافأته المالية.
    ويستدعي معالجة هذه الظاهرة أيضا القضاء على طبيعة الأبنية الاجتماعية السلطوية التقليدية في العالم العربي التي تكبح الحريات وتقيدها وتعزز الاغتراب الاجتماعي والسياسي وغياب الديمقراطية والسلطة المركزية التي كرست قرارات الفرد الرئيس أو سياسات الحزب الواحد وألغت التعددية وقضت على مبادئ الديمقراطية ومحاولات الإصلاح إضافة إلى معالجة مظاهر الانغلاق الفكري والتعصب ونفي وإقصاء الآخر الأمر الذي أدي إلي خوف المثقفين والنخب الفكرية وتراجعهم عن أعمال العقل والنقد والإبداع والتفكير الحر.
    ولا بد لنا كذلك من التصدي لقضايا حرية التعبير ووقف الرقابة المفرطة ومقص الرقيب الذي عزز العزلة والاغتراب داخل الأوطان وأثر بدوره على الهجرة بحثاً عن حرية التعبير والحد من استمرارية قوانين الطوارئ والإجراءات المشددة التي تتخذ باسم مكافحة الإرهاب.
    واقترح إنشاء مؤسسة عربية مستقلة تحت مظلة جامعة الدول العربية مثلا لجمع وإحصاء جميع الكفاءات العربية من خلال إنشاء قاعدة بيانات دقيقة تمكن الاتصال بالمهاجرين في الخارج وربطهم بعضهم بالبعض و الاستعانة بهم في التدريس الجامعي وإجراء البحوث والدراسات الفردية والمشتركة والاستشارات والمساهمة في مشاريع التنمية بالعالم العربي وفي المؤتمرات والندوات للاستفادة من خبراتهم وبخاصة في مجال نقل التكنولوجيا وربطهم بالوطن العربي من خلال الزيارات القصيرة.
    ويقتضي التصدي لظاهرة هجرة العقول العربية وضع برامج وطنية لمواجهة هذه الهجرة وجذبها من خلال توسيع إطار المشاركة السياسية، والسعي من أجل وجود حقيقي لحقوق الإنسان العربي، وتأصيل الرؤى الرشيدة، وتحقيق الوفاق الوطني حول أهداف المجتمع بممارسة ديمقراطية حقيقية، مع تبني إستراتيجية وطنية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية تدعم المشاركة وتنهض بالتعليم والبحث العلمي والتقني وغيرها لتشجع الكفاءات المهاجرة على العودة إلي أوطانها.
    ويستدعى الأمر كذلك تطوير وتحديث قوانين الهجرة والجنسية وتيسيرها،وبرامج التقاعد مع السعي الجاد نحو تطوير نظم الإدارة والتعليم والصحة ونظام التأمينات الاجتماعية وتوفير فرص عمل هامة و مجزية مادياً تشكل إغراءً قوياً للاختصاصين و إتاحة الفرص لأصحاب الخبرات منهم لاسيما في مجال البحث العلمي لإثبات كفاءاتهم وتطويرها وفتح آفاقاً جديدة أوسع أمامهم لتشجعهم على العطاء.
    وأؤكد أن انطلاقنا نحو التطور والتقدم والرقي ليس بالشيء الصعب المنال وإنما يتوقف فقط على الإرادة والعزيمة والإصرار خاصة بعد أن تعرفنا على أسباب هجرة العقول وطرحنا لبعض الحلول ليبقى فقط أمامنا تنفيذ ذلك والاستفادة من التجارب العالمية وكيفية نجاحها في هذا المضمار حيث استطاعت الصين أن تنافس دول العالم الكبرى بعد أن كانت تحتل المرتبة رقم 40 في حجم الإنفاق على البحث العلمي،استطاعت في السنوات القليلة الماضية أن تقفز إلى المرتبة الخامسة بين دول العالم وتحتل مكانة مرموقة في وسط الأمم، وكذلك الهند التي أنفقت بسخاء على البحث العلمي وتوطين التكنولوجيا، فقد نجحت وأصبحت اليوم تشغل الرقم الثاني في العالم بالنسبة لعلوم التقنية وبرامج الكمبيوتر وشبكات الانترنت.
    ** خاص - الحقائق
    http://www.alhaqaeq.net/
Working...
X