اعلان

Collapse
لا يوجد إعلان حتى الآن.

(جريمة العاشرة صباحاً)

Collapse
X
 
  • تصنيف
  • الوقت
  • عرض
Clear All
إضافات جديدة

  • (جريمة العاشرة صباحاً)

    (جريمة العاشرة صباحاً)
    قابَلَها في المساء.. في نفس المكان الذي تعوّدا أن يلتقيان فيه دائما.. في ذلك اليوم كان الليل حالِك السواد وكل شيء هادئ.. مستعجلاً كعادته ولكنه ظلَّ معها يسأل عنها.. وفجأة طلب منها ضرورة اللقاء غداً بعد تحديد موعد مسبق.. نَغَزَ قلبها فقد شعرت بشيء غريب التمستهُ خِلال نبرة كلامه المختلفة عن باقي الأيام.. حاولت أن تكشف سر اللقاء ولكنه أظهر ردة فعل طبيعية وضحكة غلَّفها على كل كلمة قالها.. فالظاهر أنه يحاول من تخفيف وقع الصدمة عليها.. ألَحَّ على تحديد الموعد وهي تصر بأنَّ هناك شيء ما.. حاولت استدراجه لِتكشِف ما هو الموضوع ولكنهُ كان أذكى من أن يخبرها في تلك اللحظة.. يبدو أنه شَعَر بأنها أحسَّت, وكانَ إحساسها نذير صدق لِما ينوي القِيامَ به..
    راودها الشك والحيرة طوَّقت تفكيرها ولكن سعادتها لوجوده جعلها تُشتت التعميق في التفكير.. فبدأت بتناسي الأمر أمامه ولكن في داخلها أسئلة تدور وتتطاير وتحاول الإجابة عليها بعدم حدوث شيء, وإنما لِقاء عادي خالي من سلبيات التخمين.
    الساعة العاشرة صباحاً هو أنسب وقت لتحقيق لحظة اللقاء التي اتفقا عليها..
    تلك الليلة ظلت تُساير ساعات الليل الطويلة التي أبت الذهاب بسرعة ليخرج الفجر..
    كل ما تفعله هو التفكير والتفكير.. لماذا الإصرار على اللقاء والإلحاح الشديد لهذه الدرجة المثيرة للشك, وما هو المغزى من كل ذلك
    النوم أصبح عدوها فقد رفضت أن تتصالح معه وفضلت أن تكون أسيرة ذلك الظلام.. كل ما فعلته هو الجلوس على سريرها وتأمُّل الأجواء الهادئة الخالية من كل ذبذبات الحياة..
    هدوء قاتل ودقائق تزحف ببطء ولكنها ظلت كما هي بالرغم من أن إحساسها يخبرها بأن أمراً عظيماً سيحدث لها ويقلب كيان حياتها..
    خافت وشعرت بالبرد ولكن مفرشها كان أقرب ليشعرها بالدفء ويُهدِّئ من روعها.. كانت تدعي طول الوقت بأن تكون مخطئه في المخطط الذي ارتسم في بالها.. وأن يكون الخير هو الذي ينتظرها ولا شيء سِواه..
    أخيراً قررت عقد الهُدنة مع النوم لِتُريحَ رأسها من عناء الإستفهامات التي لا تزيدها إلا صُداعاً وهماً.. وسافرت على وتر الأحلام باللقاء الموعود واللحظة الحاسمة.. وفي رأيِها بأن الصباح رباح وستكشف الشمس ما سترهُ الليل بمفرشه الأسود..
    نشاط معهود مختلط بكسل السهر الليلة الماضية.. ولكن حماس اللقاء للرغبة بالشعور بالراحة ومعرفة سر اليوم والساعة العاشرة بالتحديد جعلَ الأمر يبدو طبيعياً.. في كل لحظة تُناظِر عقارب الساعة إلى أين وصلت في مسيرها.. عدَّ الأمر على خير ما يُرام.. والآن بدأنا العد التنازُلي وهاهو وقت الحسم لم يبقى له إلا القليل حتى يصل..
    حانت اللحظة المُترقبة.. ويرن صوت الهاتف عند العاشرة ليعْلِن عن وصول البطل الذي ترك أميرته تغوص في بحر الأسئلة اللامُنتهيه ذلك المساء..
    بداية الكلام بدأَ بالسؤال المُتعارف عليه والاطمئنان على سير الأمور من الصحةِ وخِلافه..
    تبادلا سؤال بعضِهِمَا فهذا شيء لابدَ مِنه.. كانت مُبتسمة ويبدو أن ضحكاتِها البريئة سَحَبَت ارتباكها؛ فأعتقدَ بأنها سعيدة غيرَ كُل الأيام.. ولكن في داخِلِها حُرقه لمعرفة الأمر الضروري الذي يُريد قوله..
    أعطاها أول إشارة وكانت نذيراً لها وحلقة مهمة مفقودة الليلة الماضية واكتملت اليوم.. يبدو أنه تناسى ذكائها في فهم وتفسير المواضيع بدون شُروحات ولا تحليل بعض الأحيان..
    أخذَ على عاتِقِهِ المدح فيها وبلوغ ذروة السعادة عندما تعرَّفَ عليها.. وكم هو محظوظ عندما قابلها.. وكم وكم.. ولا ننسى مقدار المحبة التي يكنُّهُ لها وخلال إلقائه ذاك اعترف أيضاً به وكررهُ مرات عديدة..
    كانَ يتكلم ويُعبِّر وهي صامته.. وعرفت اللغز وحلتّه في تلك الأثناء وبسرعة مذهله.. شَعَرتْ باقتراب الصاعقة ولابُدَّ أن تُجهِِّز نفسَها لِكُل الكلمات المختبئة خلف هجوم الكلمات الرقيقة التي يتحدث بها وكانَ مُستَنِداً عليها قبلَ بدأ التفجير..
    لم تتكلم.. ولم تُرد مُقاطَعَتِه.. احترمت حديثه وتركتهُ مُستَمِراً في الثناء والهجاء عليها.. حتى إنَّ أغلب الكلام لم تنصُت لهُ لأنها على ما يبدو تنتظر قول الأهم وأن ينطقه بِلِسانه.. لِتتأكد من أن جوابها صحيح ولم تُخطئ فيه.. لِتُهنئ نفسها على الإحساس الخارق الذي لم يخيب.. بعدَ انتهاء الخِطاب الممزوج بِحُبِ المعرفةِ أعلَنَها أخيراً..
    أعلنها بعدما استنزفَ من قاموسه كل المعاني والتعبيرات.. أو ربما وصل إلى حقيقة لا داعي من إِخفاء المفاجئة؛ فلابد من نزع الغلاف عنها لتظهر.. فقد التمس بأنها غير منتبهة للمقدمة التي بدأَ بِها..
    أعلنها.. ولم يعلم أنَّ بإعلانهِ ذاك ارتكبَ جريمته.. وذلك الصباح كان شاهداً على كُل شيء.. غرسَ سكين كلمته في قلبِها المسكين الذي طالما حواه واحتماه..
    سيبتعد عنها.. ويرحل مِن عَالَمِها.. ويومَ الفراق نهاية قد قررها.. أو قد يكون ليس هو صاحب القرار الوحيد فيها, ولكنه شاركَ وكان العنصر الفعَّال في ذلك القرار القاتل لها.. وسيميل بطريقه عن طريقها.. وينزع النصف من قلبها ويترك النصف الآخر لها..
    هذا باختصار مُلَخص الموعد.. وهذهِ بِكُل تأكيد كانت أسلحة الجريمة البَشِعة التي شاركَ فيها.. في قتل ذلك القلب الصغير..
    أنهى كلامه وأُمنياته لها من سعادة وغيره.. ولم يعلم بأنه تركها تنزِف.. ودمُها ثارَ كالنافورة بلَّلَ خدَّهَا.. وخنقَ عبرتَها.. فغطَّى تقاسيم الوجه وتسرَّبَ على ملابِسِها.. قتلَ قلبها ولم يعلم بِأنهُ قَتَلَها هي قبلَ أن يقتُل قلبها..
    نعم أعلنها.. وبِسُم الوداع طعنها.. وبِجُرْعة الرحيل حقنهُ في جسدِها.. قتلها وقضى عليها.. وذهبَ عنها وبعد ذلك كله تركها..
    رَمَت بالهاتِف بقوة فكأنه كانَ السبب.. فقتلتهُ بِيدِها ونهضت لِتهرُب من المكان الذي تمَّ فيهِ الاجتماع..
    فَعَلت ذلك بعدما أنهت الحديث الهادئ معه.. فأظهَرَت تقبُّلِها بِكُل عفوية.. ونبرات بِتَمَنِّي الأفضل له دائماً وخصوصاً في بُعْدِه, وفي الشيء الذي ينوي القِيامَ به..
    ولم تغفل عن تهديد الابتسامة لِتبقى مُواكِبه لها إلى نِهاية اللقاء..
    غريبٌ أمرُِها!! فعدم عِتابِها وعدم نُكرانِها للأمر ورفضِها ولو بالشيء القليل يجعل الأسئلة تحوم عليها.. فقد تمتعت بِبُرود مُخيف ولم تتأثر من الموقف والكلام عندما كانت معهُ لِلمرة الأخيرة..
    كَتَمَت كُل ذلِك إلى أن ابتَعَد فعلا وذهبَ واختفى صوته خِلالَ الأسلاك.. وراحَ للبعيد حيثُ لن تصِل إليهِ أبداً ولن تعرِف طريقُه مِنَ اليومِ وما فوق..
    ولكِنها انفَجَرَت بعدَ رحيلِه.. إذاً فقد استوعبَت الكلام الآن..والنهاية التي أصدَرَها القدر وحَكَمَها الزمان.. ولابُدَّ أن ترضخ لهما وتُنَفِذ ما أتيا بهِ بِدون كلام.. فلا يوجد اعتراض ولا قرار استئناف بتاتاً في ذلك الحُكم القاسي.. وهو نفذََّ ذلك من قبلِها وقام بإخبارِها.. فالحُكم شملَهُما معاً وليسَ وحدها..
    بدأَت بِجرِّ جسمِها المُتثاقِل مِن هولِ الصدمة جريحة, مُتألِمة.. تُناديه بصمت وأنين خافت.. تبحث عنهُ هنا وهناك.. ولكنه غابَ بلا عودة.. اختفى ولم يعُد لهُ وجود.. وتركها جسد بِلا روح.. عاشت في منفى لِوحدِها واختفى الجميع من حولِها.. فلم تعُد ترى غيرَ أشلاء تدور مِن أمامِها وخلفها وعلى رأسِها كأشباح تُعِيدُ لها الكلام الذي عذَّبَها وقطَّع قلبها..
    ثم رَأت نفسَها في بحرِ الأحزان, حيثُ تتقاذَفُها هيجان الدموع.. وعواصِف الآلام تتناقَلُها بلا رحمه.. تُشتِتُها وترمي بِها يميناً ويساراً.. كانت تبحث عن طوق نجاه ولكِنها لم تجد..
    تابعت تحرُكِها مكسورة الجناح.. مُثقلة الجِراح.. معتزلة عن الأفراح..
    وصَلَت إلى المكان المُحَبب إلى قَلْبِها حيثُ تعودت الجلوس دائماً هُناك.. ضغطت على المُسَجل واستمعت إلى أغنية أهداها هو لها في أحد الأيام الماضية لِتهيئ نفسها في أي لحظة يعلن القدر حكمه عليهما.. ويبدو أن الوقت مناسب لِسماعِها لِتُعبِّر عن الموقف أكثر وأكثر.. أغمضت عينيها وانسدَحَت على الأرض كالميتة وسرحت بِفِكرِها في كلمات الأغنية, التي كانت كرِسالة منه بعثها لها لتهدأ قليلا وترضى بالنهاية التي عرفا أنها ستصل في يومٍ ما.. بعدَ أن أمسكت في يدِها آخِر ذِكرى تخلدت به وامتزجت بعطر يديه.. احتضنتها بقوة وخانتها الدموع بالجريان مرة أخرى والأغنية أَكْمَلَت ما بدأته..
    تدرين وأدري بنفترق.. تدرين قلبي بيحترق
    حنا اتفقنا فكل شي إلا الزمان عيا الزمان لا نتفق
    ولا تزعلي لو نفترق.. قلبك خلي وقلبي أنا اللي بيحترق
    يا وردة في كل الفصول.. يا فرحة عيا لا يطول
    قولي وأقول إن كان عندك لي حلول
    يا فرحة القلب الحزين الوقت يمر ومالك عذر كانك تبين ننسى العمر ننسى السنين
    ونذوب في حب وحنين
    تدرين وش سر الحكاية؟ الوقت يمر ولكل شي لابد نهاية
    حنا قربنا من النهاية ومالك عذر
    يا بسمة الثغر الخجول إن كان عندك لي حلول
    وإن كان ودك نتفق و إلا ترانا بنفترق
    ولا تزعلي لو نفترق.. قلبك خلي وقلبي أنا اللي بيحترق
    يا حب يا دنيا جديدة.. يا أحلى أبيات القصيدة
    إن كان جرحي ما كفى أنزف لك جروح جديدة
    وإن كان شعري ما وفى أنسى الحكي وأنسى القصيدة
    يا أحلى أيام العمر ذكرى الحكي وش بيفيد
    ما بقي عندي صبر والجرح في قلبي يزيد
    مالك عذر
    يا بسمة الثغر الخجول ما أظن عندك لي حلول
    ما أظن ودك نتفق وإحنا ترانا بنفترق
    ولا تزعلي لو نفترق قلبك خلي وقلبي أنا اللي بيحترق

    هي في موقف لا تُحسد عليه.. عاشت أسوأ وأقسى الأيام إلى أن سقطت في غيبوبة الوحدة.. لكي لا تشعر بشيء.. وتعمل على تعاطي أدوية النسيان لتشفى.. ولكن طريقتها الهمجية في ابتلاعِها مُخيف.. مخيفه جداً
    لا نعلم ما الذي نَوَتْه.. ولكِنها أغلقت على نفسِها الباب واعتزَلَت الكُل.. وإلى اليوم لم ندري أيُ مصيرٍ جنتهُ بِحُكمِها ذاك.. وما الذي ستأولُ إليه الأحداث من تطورات..
    كثيرة هي جرائم القلوب في هذا الزمان.. وكم من البشاعة سمعنا عن قتل الحب وتفريق المحبين في دُنيا الغرام..
    كثيرة هي المحاكم أيضا ولكن لم نسمع إلى اليوم عن محكمة تبحث عن حقوق القلوب المعذَّبة.. وتُدافِع عن أصحابِها المُتأثِّرة..
    وأيُ مُحامٍ هذا سيقف ليُدافِع بما أنَّ القُضاة في تلك المحاكم هما القدر والزمان؟!!!!
    إذا فالفشل مصيرُها بِكُل تأكيد.. وبطلة قِصَتُنا هي ضحية في تلك الجريمة..
    جريمة العاشِرة.. حدثَت في ذلك الصباح.. والجاني اختفى ولم يعُد لهُ أثر..
    إذا!! فالقضية مُغلقة وستُرمَى بين ملفات الزمن الغادر ولن تُفتَح أبداً.

    بقلم___ *** moon1***________
    الملفات المرفقة

  • #2
    الرد: (جريمة العاشرة صباحاً)

    moon1


    هنيئا لك على هذا القلم ...


    تحياتي ....
    تكاد تضيء النار بين جوانحي. . . إذا هي أذكتها الصبابة والفكر

    تعليق


    • #3
      الرد: (جريمة العاشرة صباحاً)

      [quote]الله عليكي رائعه كلماتك وسردك للموضوع واسلوب التشويق المتواجد لديكي ودائما تبحثين عن النهايات غير المتوقعه اسلوبك رائع يشبه او سكاد يقترب من كاتب الرومانسية يوسف السباعي ولو قرأت تلك القصه او التي قبلها بدون اسمك لاعتقدت انهما من تاليف يوسف السباعي لكن في المجمل انتي رائعه في عرضك وجميله في اختيار موضوعك وولدتي لتكوني اقصوصة من قصة يا قصاصه

      تعليق


      • #4
        الرد: (جريمة العاشرة صباحاً)

        moon 1 ،

        ابدعت بما قصصت لنا ، مشاركه جميله و اتمنى انا تمتيعنا بالمزيد ...

        تحياتي لك ،،

        تعليق

        تشغيل...
        X