
نبيل عمرو
نبيل عمرو ، وزير الإعلام الفلسطيني الأسبق .. كتب عن :
الموقف السعودي من حرب حزب الله .. لماذا ؟
عقب عمليات الحادي عشر من سبتمبر، خاضت الدبلوماسية السعودية ، معركة شديدة التعقيد ، في أروقة صنع القرار بواشنطن .
فلقد كان هناك ، من حاول طرق الحديد الملتهب ، بتحميل السعودية ، مسؤولية ما جرى ، حتى بلغ التحريض آنذاك حدودا غير مسبوقة ، تمثلت برسم علامات استفهام حول كل ما هو سعودي ، بدءًا من مناهج التعليم وليس انتهاء بتسليط الأضواء على الدعم السعودي السخي للحركات المقاومة للاحتلال وفي مقدمتها « الفلسطينية »
ولقد نجحت السعودية ، في إخماد نار التحريض ، على الرغم من قوة نفوذ مشعليها ، ولم يتم ذلك بفعل عمل دعائي ينفي تهمة خطرة ، وإنما بالقدرة على تجسيد أهمية السعودية ككيان إقليمي ، يحتل موقعا رئيسيا في معادلة الإستقرار الشرق أوسطي والدولي .
وفي الوقت الذي كانت فيه الدبلوماسية ، تطفي الحرائق في واشنطن ، كان الأمن السعودي ، يواجه تحديات في منتهى الخطورة ، تجسد في العديد من العمليات التفجيرية ، حيث ظهر المشهد السعودي ولأول مرة ، ربما بهذا القدر، كمسرح لحرب جدية تستهدف أغلى ما تملك هذه الدولة الكبرى ، وهو الإستقرار والتوازن في أداء المهام الملقاة على عاتقها كمرجعية معنوية للأمة الإسلامية ، وحجر زاوية في البناء السياسي العربي المعاصر وأمنه القومي .
ولقد عبرت المملكة ، ومن خلال دبلوماسية هادئة ومدروسة وفعالة مضائق كثيرة ، دون أن تقدم تنازلات تذكر على صعيد إدارتها الخاصة لشؤونها كدولة إسلامية ، ودون أن تدير ظهرها لإلتزاماتها الكبرى تجاه أمتها وبيتها العربي .
وفي مسيرتها، لم تكن السعودية بمنأى عن الضغوط القوية.. تلك الضغوط التي هدفت إلى فك ارتباطها بالقضايا العربية، الصعبة والشائكة، وإرغامها على الانطواء داخل حدودها ومصالحها الخاصة. وحين يجري الحديث عن الضغط.. تنهض في الذاكرة مواقف المغفور له الملك فيصل بن عبد العزيز، الذي أطلق عليه الفلسطينيون ، وعلى لسان زعيمهم الراحل ياسر عرفات ، لقب ( شهيد القدس ) حيث كان رئيس أحد أهم دول العالم ينام ويصحو .. على أمنية أن يؤدي ولو ركعة واحدة في المسجد الأقصى .
السعودية وفلسطين :
دون الخوض في أعماق التاريخ ، وقراءة وقائعه منذ تأسيس المملكة ، فإن خلاصة أحداث ووقائع الزمن الطويل ، توصلنا إلى خلاصة تستحق التوقف أمامها .. وهي أن ( محبة واحترام المملكة ) كانا وما زالا محل إجماع فلسطيني ، وحين عَبرت غمامة سوداء في سماء العلاقات الفلسطينية السعودية - أيام الغزو العراقي لدولة الكويت - ظهرت الحكمة السعودية في التعامل مع الفلسطينيين في ظل أزمة ، لم يبعد فلسطيني واحد عن المملكة ، ولم تتهدد مصالح مئات الألوف من الفلسطينيين المقيمين على أرضها وفي أقرب مدى زمني ظهر التسامح السعودي بأعمق تجلياته ، حتى ان بعض دول الخليج لامت السعودية على تدليلها للفلسطينيين ، الذين أخطأت قيادتهم تقدير الموقف في تلك الأزمة السوداء ..
لم تأخذ القيادة السعودية بيد الفلسطينيين لإخراجهم من أزمة غزو الكويت فحسب ، بل إنها عملت وبذكاء ملحوظ ، على وضع القضية الفلسطينية على رأس جدول أعمال الإهتمام الدولي ، ولم تتوان عن الإعلان صراحة بمسؤولية عالية عن أن جذر الأزمات في عالمنا العربي ، هو إستمرار القضية الفلسطينية دون حل ، وكان لهذا الموقف وفي حينه ، أبلغ الأثر في تجاوز الأزمة وتحريك الأمور نحو محاولة جدية للحل .
ومنذ بداية العملية السلمية ، وفي كل مراحل المد والجزر وحتى يومنا هذا كانت المملكة هي الأكثر إستقرارا في رعاية الموقف الفلسطيني ودعمه بكل الوسائل .
وقد يتساءل البعض ، لماذا أكتب في هذا الأمر ، والآن بالذات ؟
للحق .. فإن هناك دافعيْن لذلك ، الأول أخلاقي حيث أرى أن الوقت مناسب لإظهار بعض الوفاء لدولة وشعب وقيادة ما بخلوا في تقديم الدعم لنا وما تراجعوا عن إلتزامهم بنا وبحقوقنا ..
والثاني .. لإبداء رأي موضوعي ، في عاصفة أثيرت حول ( الموقف السعودي الأخير) من الأحداث المأساوية الجارية على أرض لبنان .

إن التحليل الموضوعي لهذا الموقف ، يتطلب الإبتعاد كثيرا عن دوامة ( الإعلام الغرائزي الصاخب ) الذي يذهب بالإتهام الى حدوده القصوى دون نقاش ، وعلى نحو يلغي مساحة الإجتهاد وإبداء الرأي في زمن نحن أحوج فيه الى التفكير بصوت مرتفع .
أنا لم أفهم أن هنالك موقفا سعوديا سلبيا من حق الشعب اللبناني والفلسطيني بالمقاومة ، فللسعودية مواقف مشهودة في الدعم والتبني .. ولها شهادات من الفلسطينيين واللبنانيين في هذا المجال .. على نحو يستبعد مجرد الجدل أو الشبهة حول المواقف والسياسات .
إلا أنني قرأت .. دعوة سعودية صريحة ( لترشيد إتخاذ قرارات مهمة ، ودراستها من حيث التوقيت ، وحساب القدرة والفعل ورد الفعل ) .. وهذا الأمر يبدو بديهيا لدى أي صانع قرار أو مبادر لقرار ، ولا أرى أن الموقف السعودي يخرج عن حيثيات ومنطق الموقف السوري مثلا ذلك الموقف ..
ذلك أن الحرب حين تعني أول ما تعني إحتمالات أكيدة للدمار والموت ، فإن الحسابات هنا والتشاور مع المتضررين المحتملين ، وخاصة مع من نسعى للحصول على دعمهم ، يبدو أمرا بديهيا يرقى الى مستوى الشرط الحاسم لإتخاذ القرار من عدمه .
لقد إحترمت الرد الهادئ على هذا الموقف من قبل أكثر الأطراف توغلا في الأحداث الجارية الآن على الساحة اللبنانية ، دون أن ننسى أن من حق السعودية ، ولربما أكثر من غيرها أن تقول رأيا فيما يجري ، ذلك أن السعودية ليست مجرد دولة تقدم الدعم لشقيق أصغر، بل إنها شريك إيجابي للبنان بكل أطيافه وطوائفه .
لقد قيل الكثير عن الموقف السعودي الأخير، واستعملت عبارة توفير غطاء لإسرائيل كي تواصل عملياتها إن في هذا القول ( ظلم صارخ ) ليس للسعودية وموقفها وإنما للمنطق ، فإسرائيل لا تحتاج لغطاء حتى توسع دائرة عدوانها على نحو يخدم برامجها المحفوظة عن ظهر قلب ، غير إننا لا نجافي الحقيقة لو قلنا .. أن هذا العدوان كان بحاجة لـ ( ذريعة ) وأظن أن حزب الله وصف موضوع تخليص الأسيرين بالذريعة .
وإذا ما إنتقلنا من الدائرة اللبنانية لنعود مجددا الى الدائرة الفلسطينية ، فإننا نقرأ الموقف السعودي كما ينبغي أن يُقرأ.. فهو مؤيد للمقاومة ما دام هناك إحتلال وهو ( يدين العدوان ) على فلسطين ولبنان حتى لو قدم ملاحظات على الدوافع والذرائع والتوقيت والحسابات .
وللحق .. فليس من مصلحة اي طرف يواجه الآن هذا العمل العسكري الاسرائيلي الغاشم والمتصاعد، ان يشتري خلافا مع أحد، أو أن يطور هذا الخلاف من ملاحظات نرضى عنها او لا ترضى الى ادانة واتهام.. وكأن التاريخ وليد الليلة، والمواقف والمآثر محيت لمجرد كلمة قيلت ولم تعجبنا!!
لبنان الذي يحترق الآن .. يستحق كلمة حق ، حتى لو لم تكن لدى الكثيرين منا جرأة أن يقولوها .
نبيل عمرو
تعليق