عبد الحميد العمري - 07/05/1428هـ
abdulhamid@aleqt.com
يشبه هذا العنوان عناوين كتب "النصب والاحتيال" التي تروّج على سبيل المثال لإمكانية تعلّم اللغة الألمانية أو الفرنسية في أسبوع! وهي كذلك أو أكبر عند الله زوراً وبهتاناً في ثنايا الضلال المبين التي تبثّه الشائعات المجرمة عبر رسائل الجوال، التي تزعم أن بمقدورها تعويض خسائر المتعاملين في السوق في أقل فترة زمنية. متى سنتعلّم من دروس الماضي؟! ذاك سؤالٌ أظنُّ جوابه مسجونٌ خلف قضبان "التطنيش" المتعمد عن سبق إصرار وترصّد. أتذكّر متأسفاً قبل أكثر من سنتين حينما استشرت عصابات تجميع أموال الناس، بهدف استثمارها في سوق الأسهم، توسعت دائرتها فيما بعد لتمتد إلى تجارة التجزئة وعددٍ من السلع والمنتجات كبطاقات سوا ومساهمات الأرز والقمح والموز والشعير والسكر، حتى تحولت أموال الناس إلى وقود تمويلي عملاق لمساهماتٍ غريبة وعجيبة، يظنُّ من يراها أننا على وشك إنشاء أكبر مطبخٍ في العالم! بادرتُ كغيري من المراقبين إلى التحذير من المخاطر الكبيرة لانتشار تلك الظواهر، ولأن الطوفان كان أكبر بكثيرٍ من الوقوف في وجهه الشرس حدث ما حدث من عواقب مؤلمة، واليوم ترى المساهمين - المستغلين بصورةٍ أدق - في كل وادٍ يهيمون بحثاً عن حلٍّ، يتخيلون شخوص من سرقوهم في كل وجهٍ يرونه أو يسمعون صوته، وهيهات ثم هيهات أن تعود الأمور إلى سابق عهدها، إلا من عصم الله! نصحت أحدهم ذات مساءٍ في مجلسٍ ضمَّ أقارب ومعارف بعد أن بدء في "التسويق المجاني" لأحد جامعي الأموال بغير وجه حق، بخاصّةً بعد أن رأيت علامات الذهول والإعجاب ويمكنك القول أيضاً مؤشرات الطمع، أوضحت له ناصحاً ومشفقاً عليه وعلى الأحبة في ذلك المجلس؛ أن ما يتحدث عنه أمرٌ بالغ الخطورة، وأنه عمل خارج مظلة النظام بمعنى ألا منقذ لك غداً حال سُرقت أموالك أمام عينيك! ردَّ قائلاً وأيّده في ذلك نسبةٌ غالبة من الحاضرين: أنني "حاسد" لهم، وأنني "وأمثالي" لا نرجو لهم الخير، خاتماً رفضه المطلق لرأيي أنني لا أفهم "علوم التجارة" ونصحني بعدم التدخل فيما لا يعنيني! لم أُعلق إلا بقولي "اللهم إني بلغت، اللهم فأشهد". وبعد مضي ما يقارب الستة أشهر بلغني سقوط ذلك "المستثمر" مغشياً عليه، ودخوله المستشفى لعدة أسابيع بعد أن "أُعلن" القبض على من "حصد" أمواله، وأن ما تبقّى من الأموال المجمعة تم تجميده من قبل الجهات الرسمية!
اليوم؛ تتكرر المأساة بمشاهد "كرتونية" أكثر احتيالاً، وكما يبدو ألا درساً تمَّ تعلّمه! ويطغى العنوان الأكثر تشويقاً على أسطح الأدمغة الحائرة "كيف تسترد خسائر أموالك بأسرع طريقة"، إنه اختراقٌ مباشر لنقاط الضعف في الجبهات النفسية المحطمة لأغلب المتعاملين في السوق! الأدهى في القضية؛ أن يتم تمرير توصية مجانية لفترة محدودة من الزمن، والأغرب أن تتحقق تماماً! ما يكشف الستار عن دواهي ومصائب تسرح وتمرح في رحم السوق - كما يبدو ألا رقيب ولا حسيب عليها، وإني لأرجو أن أكون مخطئاً هنا- فماذا يمنع بعدئذ أن ينضم هذا "الخاسر" المغلوب على أمره إلى قافلة السفر إلى المجهول؟! الصورة الراهنة للسوق تكشف بجلاءٍ عن سباق محموم بين هيئة السوق المالية من جهة، ومن جهةٍ أخرى "الأفاعي الجديدة" التي تحاول اصطياد ضحاياها "الجاهزون تماماً". المتسابق الأول يريد إصلاح وتنظيم السوق بأسرع ما يمكن، والمتسابق الآخر يسعى جاهداً لاختراق الأبواب الموصدة، وتحقيق أقصى المكاسب المشروعة وغير المشروعة، وبين هذا وذاك ترى المؤشر يتذبذب صعوداً وهبوطاً كأن به مسٌّ من الجن، تراه مرةً يضحك اخضراراً إلى حدود الإغماء! ومرةً أخرى تراه حزيناً يائساً كأن على رأسه الطير. في ضوء ما تقدّم إن كان له ضوء؛ كن أيها المستثمر بصيراً وذكياً يصعب على "الأفاعي" اصطيادك، ولست أعلم هل بقي من "الجرّة" بقايا حتى أنصحك بالمحافظة على ما تبقّى منها، فإن بقي منها ما تبقى فكن عوناً لمن أراد بالسوق صلاحاً، ولا تكن مع يد التخريب وأصحاب المصالح الضيقة، ولا تنخدع أبداً بمن يعدك بعودة أموالك وفق طرائقه المدلسة، فليس حرصاً عليك أن تراه يُسخّر قدراته "الخارقة" للوصول إليك ومن ثم ضمّك إلى "قافلته"، فما أنت في نظره سوى أداةً يحاول عن طريقها الوصول إلى أهدافه الخاصة فقط! واسأل نفسك هل سيدافع عنك أو عن غيرك من ضحاياه إذا طوقت قافلتكم "عاصفة الصحراء"؟! لا أخالك يوماً تتخيل نفسك وحيداً في الهباء وقد انفض من حولكم من كانوا رفاقك ذات يوم. اصطلح في عالم الاستثمار بالأسواق المالية على تسمية آخر من يلتقط السهم قبل هبوطه وخسارته "بالمغفل الأكبر"، فاحذر واحرص ألا تكون أنت من تطوق رقبته بهذا اللقب المخزي! إنها خدعة كبرى أن تصدق بوجود طرق سريعة في عالم الأسهم، وإن رأيت منها ما هو كذلك فليس إلا جزءاً يسيراً من الطريق الطويل، لا تعلم عواقبه إلا إذا وقعت الفأس في الرأس، ولسنا عن فأس (شباط) فبراير 2006 التي لم تجف جراحها إلى اليوم ببعيد، فهلا اعتبرتم يا أولي الألباب؟!
*****************************
انتقائية الأسهم
د.محمد بن ناصر الجديد - كلية الاقتصاد والإدارة، جامعة أدنبرة - المملكة المتحدة 09/05/1428هـ
mjadeed@hotmail.com
قامت مجموعة من الباحثين في معهد سانتافي في جامعة نيوميكسيكو الأمريكية بإجراء تجربة عملية من خلال تطوير برنامج محاكاة آلي من شأنه تحديد السعر المستقبلي للأسهم. نشرت التجربة في مجلة الأكاديمية الوطنية للعلوم لعدد شباط (فبراير).
هدفت التجربة إلى تفسير التباين في عوائد الأرباح، أو الخسائر بين أنواع المستثمرين. أو بعبارة أدق، لماذا يحقق مستثمر بعينه عائدا ماليا أكبر من ذلك الذي يحققه مستثمر آخر في السوق المالي نفسه؟ وما العلاقة بين استخدام التحاليل المالية، فنية كانت أو أساسية، وزيادة أو تواضع حجم المحفظة الاستثمارية؟
قام الباحثون بتسجيل الرصيدين الافتتاحي، والختامي خلال 11 شهرا لعدد معين من المحافظ الاستثمارية التي تتداول في أسهم الشركات المدرجة في سوق لندن للأوراق المالية. روعي في اختيار المحافظ عامليان أساسيان. العامل الأول، أن تلك المحافظ لم تدعم بسيولة إضافية خلال فترة إجراء التجربة.
والعامل الثاني، تباين آلية تداول أصحاب تلك المحافظ من مستثمرين انتقائيين، وعشوائيين، عطفا على إفادة أصحابها. المستثمر الانتقائي من يعتمد على التحاليل المالية لانتقاء أسهم الشركات المتاجر بها، والمستثمر العشوائي من يعتمد على الأحاسيس النفسية في اختيار أسهم الشركات المتاجر بها.
نفذت هذه المحافظ ما مجموعه نحو ستة ملايين صفقة على أسهم 11 شركة مدرجة خلال الفترة من 1 آب أغسطس 998 إلى 30 نيسان (أبريل)2000.
قام الباحثون بإدخال هذه البيانات في برنامج محاكاة صمم خصيصا لإجراء هذه التجربة. روعي في تصميم البرنامج عامليان مهمان. العامل الأول، أن قرارات الاستثمار تنتهج العشوائية، دون الانتقائية، في المفاضلة بين أسهم الشركات الـ 11. العامل الثاني، أن آلية التداول تتم بناء على خاصيتي التباين السعري، ومعدل التذبذب. التباين السعري هو الاختلاف بين أفضل عرض، وطلب على سعر السهم. ومعدل التذبذب هو آلية قياس درجة المخاطرة في تذبذبات سعر السهم.
الهدف الأساسي من برنامج المحاكاة هو إجراء محاكاة افتراضية لتداول تلك المحافظ في أسهم الشركات الـ 11 بحيث يتوقف البرنامج عن التداول عندما يبلغ عدد الصفقات المنفذة لكل محفظة العدد نفسه الحاصل في أرض الواقع.
تتم بعد ذلك المقارنة بين الأرصدة الختامية للمحافظ الافتراضية بتلك الموجودة في المحافظ الواقعية. قام الباحثون بعد ذلك بتشغيل برنامج المحاكاة هذا، وباستخدام البيانات الحقيقية نفسها، والخاصة بالرصيد الافتتاحي، والختامي، وإجمالي عدد الصفقات.
ساهمت عدة عوامل في اختيار سوق لندن للأوراق المالية، عوضا عن أسواق المال الأخرى، لإجراء التجربة. منها توافر البيانات، وآلية عمل السوق، والتي تنقسم إلى نوعين. النوع الأول سوق طلبي، شبيه بسوق المال السعودي، ويقوم على توافر عدد من طلبات بيع، وشراء لأسهم شركة مدرجة. يشكل هذا النوع نحو 40 - 50 في المائة من إجمالي حجم السوق. والنوع الثاني سوق حصصي، شبيه بسوق ناسداك، يقوم على توافر عدد معين من حصص الأسهم المطروحة للبيع من قبل المستثمر. يشكل هذا النوع نحو 50-60 في المائة من إجمالي حجم السوق.
أهم نتيجة توصلت إليها التجربة هي أن الرصيد الختامي للمحافظ الافتراضية يشابه إلى درجة التساوي الرصيد الختامي للمحافظ الواقعية. خلص الباحثون من هذه النتيجة إلى أن منهجية الاستثمار في سوق الأسهم تنتهج الأسلوب العشوائي، عوضا عن الانتقائي.
بمعنى آخر، أن الاستثمار في أسهم الشركات لا يخضع إلى آراء التحاليل المالية، فنية كانت، أو أساسية. وإنما يخضع إلى آلية عمل السوق نفسه. تناقض هذه الخلاصة أدبيات الدراسات المالية، والتي تدعم نظرية الانتقائية في الاستثمار في الأسهم، عن طريق التركيز على آلية عمل السوق نفسه، عوضا عن المنهجية الانتقائية عند الاستثمار في الأسهم.. ونصل أيضا إلى أن وضوح الرؤية، وعملية الأهداف، وثبات المنهجية تشكل في مجملها أرضية منطقية نحو استثمار سليم طويل الأجل. توفيق الله، ثم القناعة، والثبات، تأتي قبل هذا كله.
تعليق