هذا ما قاله الشيخ الحكيم
عن فتاة في كامل زينتها خطفت أنظار وانتباه تلامذته.
حدث هذا على ربوة بالقرب من بيت القرآن
(الكتاب او الخلوة كما يسمى في بعض البلدان)
في مدينة هادئة تحوطها جبال شامخة
خالية من المصانع لكنها غنية بالمزارع.
لتعانق تلكالجبال ثم لا تلبث أن تتنزل مرة أخرى بفعل
الصدى لتنشر السكينة على أهل تلك المدينة فتبدد وحشية الصمت.
ينعكس شعاعها في الرمال الفضية التي تمتص بدورها ما فاض
من الماء فتبدوا كالأسنان الناصعة يحلوا لأهلها أن يتغنون به كما
يتغنون بمحاسن فتياتها الشاربات لمائها العذب, هكذا يتغنى البعض
منهم بكلمات عفيفة لا تجرح أذن السامع الحيي.
قالها مسؤول زائر من ارض الحجاز لسكان تلك المدينة التي
تحفها بساتين مزينة بألوان من الثمار تشتهيها الأنفس,
ويتوسطها وادي يزوره الماء العذب في كل حين.
يعرفها أيضا وبلا حرج! فالخيال أوسع من الواقع وان كان
الواقع أحيانا اغرب منه.
فشتان بين الأمس واليوم في ما يتعلق بمناظرها وحالها
الذي قد يكذب وصف من عرف تلك المدينة الصغيرة.
القسوة ومع ذلك كانت الحكمة تأبى إلا تظهر منه في بعض
المواقف التي تتطلب ذلك.
كان يشرف على عدة صفوف منظمة المراحل والدرجات
من تلامذة حفظ القرآن. وكان يوكل لكل صف مراقب ونائب
لا يسمحون أن تزيغ أعين التلامذة عن ما كتب في اللوح, المحفوظ غالبا.
أغرت تلك الفتاة الأعناق أن تشرئب لها عندما ظهرت تتبختر بملابسها
القصيرة, وتتمايل فتمشي الهوينة, في الشارع المجاور, المكشوف
لدار القرآن. وكأن كل هذا لم يكفها فكانت تضرب بكعبيها الأرض وكأنها
تقول لمن فاته الانتباه: نحن هنا!
كل أنظار التلامذة تحولت تجاهها ترمقها, وتركوا ما كانوا يقرأون!
الحزم لا ينفع في هذا الموقف, فلا بد من حكمة تخرجه منه,
فقال بصوت مرتفع: كما لو أنها لا تحمل في بطنها العذرة!
وألسنتهم, فتوارت الفتاة عن الأنظار مسرعة والخجل يطاردها ولم
تتجرأ بعد ذلك أن تظهر في شوارع تلك المدينة عيانا فضلا عن أن تكرر
فعلتها تلك مرة أخرى.
فجنت على نفسها براقش, كما يقال.
سردت القصة بعد أن حكى لي أخ ثقة كان تلميذا للشيخ علي.
رحم الله الشيخ فقد عرف عنه انه كان حكيما بقدر ما كان حازما.
............
للأمير يزيد بن المهلب الذي كان من الأمراء المشهورين وكان ذي
عجب وكبر, فرآه الإمام رحمه الله يسحب حلته فقال له :
إن هذه المشية يبغضها الله , فقال يزيد: أو ما عرفتني؟
قال بلى أعرفك: أولك نطفة مذرة , وآخرك جيفة قذرة,
وأنت بين ذلك تحمل العذرة.
راجي
تعليق