يقال ان لكل انسان من اسمه نصيب ، فكيف لا يكون ابن الجبل جبلا شامخا لا تهزه الرياح ولا تثنيه عن الحق والعدل ، يظل جبلا راسخا حين يقف المواقف التي تقتضي الرجولة والعزة والكرامه ؟؟ انه الصحابي الانصاري الخزرجي " معاذ بن جبل " ، الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه أعلم الأمة بالحلال والحرام .
يرقد بسلام على ضفة نهر الاردن الشرقيه على مسافة قصيرة من مياه النهر المقدس ، وحيث يرقد القائد الفذ " ابو عبيدة الجراح " ، والذي حين اصابه طاعون عمواس واشرف على الوفاة استخلف معاذا على الناس ، فخاطب معاذ الناس قائلا : ( يأتي زمان يظهر فيه الباطل ويصبح الرجل على دين ويمسي على آخر، ويقول الرجل والله لا أدري علام أنا ؟ لا يعيش على بصيرة ولا يموت على بصيرة ، ويعطى الرجل من المال مال الله على أن يتكلم بكلام الزور الذي يسخط الله ، اللهم آت آل معاذ نصيبهم الأوفى من هذه الرحمة ) ، أنه بفراسة المؤمن تنبأ بأحوال الناس في أزمنة الانحطاط !! .
حين تفشى وباء طاعون عمواس في المنطقه ، فاصاب الطاعون ابناه فسألهما : كيف تجدانكما ؟ قالا : يا أبانا : {الحق من ربك فلا تكونن من الممترين} قال : وأنا ستجداني إن شاء الله من الصابرين ، ثم اصيبت امرأتاه فهلكتا , ثم انتقلت العدوى اليه في إبهامه فجعل يمسها بفيه ويقول : اللهم إنها صغيرة فبارك فيها فإنك تبارك في الصغيرة حتى توفاه الله وهو في الثلاثينات من عمره .
كان الرجل عابدا زاهدا كريما ورعا مجتهدا فقيها شجاعا , ما اجتمع المسلون وتكلموا في موضوع الا نظروا اليه نظرة هيبة وتبجيل واحترام ، وطلب المشوره والنصيحه ، لا يتسع المجال لذكر مواقفه ، اذ يكفي القول بأنه كان احد السبعين الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الثانيه , واشترك مع الرسول في كل غزواته ، ولما بعثه رسول الله إلى اليمن خرج معه رسول الله يوصيه ومعاذ راكب ورسول الله يمشي تحت راحلته ، فلما فرغ قال : يا معاذ ، إنك عسى ألا تلقاني بعد عامي هذا ، ولعلك تمر بمسجدي هذا وقبري ، فبكى معاذ خاشعًا لفراق رسول الله ، ثم التفت فأقبل بوجهه نحو المدينة فقال : إن أولى الناس بي المتقون من كانوا وحيث كانوا .
قابله النبي ذات يوم ، وقال له : «يا معاذ، إني لأحبك في الله» قال معاذ : وأنا والله يا رسول الله ، أحبك في الله ، فقال الرسول : «أفلا أعلمك كلمات تقولهن دبر كل صلاة : رب أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» . قال عنه النبي : استقرئوا القرآن من أربعة : من عبد الله بن مسعود ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وأبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل . عن ثور بن يزيد قال : كان معاذ بن جبل إذا تهجد من الليل قال : اللهم قد نامت العيون وغارت النجوم وأنت حي قيوم : اللهم طلبي للجنة بطيء ، وهربي من النار ضعيف ، اللهم اجعل لي عندك هدى ترده إلي يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد .
اشتهر عنه هذا الحديث الذي جمع مبادئ الاسلام وحث على الصمت او القول الحسن ، فهو يقول : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير ، فقلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار، قال : لقد سألتني عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه : تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت ، ثم قال : ألا أدلك على أبواب الخير : الصوم جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئة ، كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل ، قال : ثم تلا : { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا – حتى بلغ – يعملون } ثم قال : ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده وذروة سنامه : قلت : بلى يا رسول الله قال : رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد . ثم قال : ألا أخبرك بملاك ذلك كله ، قلت : بلى يا رسول الله، قال : فأخذ بلسانه ، قال : كف عليك هذا . فقلت : يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال : ثكلتك أمك يا معاذ ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم ، أو على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم .
هؤلاء هم ابطال الأمه الذين فتحوا الأمصار , وطهروها من الشرك , وحرروا البلاد والعباد , الذين رفعوا راية الاسلام ، وأوصلوه لنا نقيا قويا ، فنسال الله ان يلهمنا الحفاظ على هذا الدين القويم ، وان نحرر البلاد من رجس المحتلين الصهاينه .
تعليق