خلق عظيم

( بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف )
ما هي ردة الفعل حين يثني مسؤول كبير على شخص بثناء عريض – لا أحد يتوقع ردة الفعل ولكن هذا الثناء لا بد وأن يدور في راسه فينعكس على تصرفاته سلبا أو ايجابا - ولكن كيف وان يأتي هذا الثناء وتلك الشهادة من رب العالمين ممن بيده مقاليد السماوات والأرض ؟؟ وكيف حين يتلقاها من هو أدرى الخلق بهذا الاله العظيم !!!؟؟؟
هذا الثناء الفريد وصل مباشرة الى محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - من خالقه وهو يعاني ما يعانيه ممن حوله من تكذيب وتشكيك برسالته واتهامات له بالجنون وتشهير واستهزاء واعتداءات على شخصه وعلى أتباعه ومن آمن برسالته جاءت وهم في حالة من الضعف والقلة العددية – جاءت بردا وسلاما على قلبه فلم تفقده اتزانه وثباته ولم تفتر عزيمته ولم يختل توجهه ولم يصبه الغرور – جاءت بقول الحق سبحانه وتعالى في سورة القلم --- ( وانك لعلى خلق عظيم ) صدق الله العظيم ---
جاءت هذه الشهادة لمن القيت عليه مسؤولية تبليغ رسالة الله عز وجل لكافة الناس في جميع الأمكنة والأزمنه – ( وما أرسلناك الا كافة للناس بشيرا ونذيرا ) – جاءت من العليم الحكيم لمن كلف بحمل هذه الرسالة الكونية الخالده ولمن هو الكفؤ القادر على حملها وتحمل تبعاتها – ( والله أعلم حيث يجعل رسالته ) – انها رسالة الكمال والجمال والصدق والعظمة والحق والعدل والشمول – جاءت لمن يعتبر نموذجا لاتباع هذه الديانة الكونية – فهو بشر نبي عظيم ( قل انما أنا بشر مثلكم يوحى الي أنما الهكم اله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ) – انه أمين على تبليغ رسالة ربه – ولا بد أن يتصف بصفات هذه الرسالة فهو نموذج حي يمشي على الأرض بين الناس وحياته كتاب مفتوح للاقتداء به - فكلما تقرب من صفاته الأخلاقية الفرد المؤمن كلما ارتقى للأعلى في سلم التقوى والتقرب من الله ( قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ) - انها رسالة الطهارة والنظافة والأمانة والصدق والعدل والرحمة والبر والحق وحفظ العهد ومطابقة القول بالفعل ومطابقة للنية والضمير انها رسالة الاخلاق الفاضله رسالة الرحمة والتسامح ( وما أرسلناك الا رحمة للعالمين ) -
فهي رسالة مربوطة بالسماء تستمد قيمتها من الخالق عز وجل ( انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق ) --- رسالة الى الانسانية كي تحقق انسانيتها العليا في اعمار الأرض بالحق والعدل وتهيئ المؤمنين والعاملين بها للحياة الخالدة الرفيعه في الآخره – رسالة التوحيد والقضاء على الشرك - التي تجعل للمؤمن بها هما واحدا في هذه الحياة وهو ارضاء الله عز وجل باتباع نهجه والتمسك بحبله الذي لا ينقطع ---
واقترن هذا الثناء عليه صلى الله عليه وسلم بما يدخل الطمأنينة على أتباعه ايضا بنفس السورة وسياقها - ( ان للمتقين عند ربهم جنات النعيم ) وبالوعيد والتهديد لمن يكفر بهذه الرسالة - ( أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون ) --- ( خاشعة أبصارهم ترهقه ذله وقد كانوا يدعون الى السجود وهم سالمون ) ----
على أن هذه الرسالة التي تحمل الرحمة في طياتها انما تحمل أيضا العدل في جانب آخر فهي تفرق بين من وقف في وجه هذه الدعوة عن جهل وتخلف وبين من كاد لهذه الدعوة وحاول القضاء عليها في مهدها وهو يعرف صدقها وبانها رسالة صدق وحق - فان الرسول صلى الله عليه وسلم رجع من الطائف وهو ينزف من الألم النفسي والجسماني ومع هذا قال عن أهلها ( اللهم اغفر لقومي فانهم لا يعلمون ) – كما أنه قال لمن ناصبوه العداء من أهل مكة - حينما دخلها فاتحا منتصرا : - (اذهبوا فأنتم الطلقاء ) –
لكنه في نفس الوقت حين عزم على اقامة دولة متعددة الأعراق والطوائف في المدينه - دولة السلام والأمن والعدل - لم يقف موقف التخاذل أو اللين مع اولئك الطوائف من اليهود الذين تآمروا في القضاء على هذا الدين الجديد - فحاولوا اغتياله عليه الصلاة والسلام وحرضوا وتآمروا على الدولة الفتيه والقضاء على هذا الدين الجديد رغم معرفتهم بصدق الرسول ومشروعية رسالته - ولم يراعوا العهود والمواثيق معه عليه السلام فكان عاقبتهم الترحيل والطرد والاجتثاث – كل طائفة على قدر مساهمتها في الكيد لهذا الدين الجديد والتآمر عليه ومحاولة القضاء عليه ---
لقد بدأت هذه الرسالة بشخص واحد وقد دخلت قلوب الملايين من البشر لأنها رسالة حق وصدق - ولم تمر فترة قصيره الا وقد انتشرت عبر أقطار شكلت أكبر امبراطورية عرفها التاريخ - وأصبح أتباعها سادة العالم – وأقامت حضارة انسانية راقية لم تعرفها البشرية - ولما تهاون أتباعها في السير على نهجها ونبذوها وراء ظهورهم تراجعوا وانحدروا ووقفوا في الصفوف الخلفيه يستجدون الأمم الاخرى رغم امكانياتهم الماديه الكبيره وأعدادهم الغفيره ----