هنالك الكثير من المعوقات التي تمنعني من القراءة لطه حسين الآن ، ولكن هذه المعوقات لم تتضح بالتأكيد خلال قراءتي ل( الأيام ) ..
فبخلاف النهج الفكري الذي استقاه الكاتب المصري من ( ديكارت ) وغيره من الفلاسفة الفرنسيين خاصة .. فإنني أرى الخلاف معه حول كتاب كهذا هو أدبي في أقصى أحواله حقا ..
قرأت هذا الكتاب أيضا وأنا في سن صغيرة لا تتجاوز السن التي قرأت فيها للمنفلوطي .. ولقد انبهرت بطه حسين كما انبهرت بالمنفلوطي ، بل إنني قدرت أنه سيكون مثلا أعلى كذلك ..
إنها في نظري سيرة عظيمة ، أعطتني في تلك الفترة من حياتي شغفا كبيرا بالعلم وحبا بالغا للأدب ، وتوقيرا خاصا جدا للعلم والفكر .. وربما تكون هذه هي أسمى فائدة آخذها أطلبها من كتاب كهذا .. إلى جانب ذلك الأسلوب اللغوي البديع الذي امتاز به هذا الأديب في حقبة اشتهر فيها العمالقة من أمثال ( الرافعي والعقاد ) وغيرهما ، والتي كانت لا تزال تعيش في أغلب أطوارها على إرث ( المنفلوطي وشوقي وحافظ والإمام محمد عبده ) رحمهم الله تعالى جميعا ..
وكما قلت : فإنني لم أقف على خلافات النقاد والمفكرين مع طه حسين في هذا الكتاب لأنها لم تكن واردة إلا في مسائل بسيطة جدا ، وأني لذلك لم أتحرج القراءة له منذ ( الأيام ) ، إذ كان أول ما أقرؤه له من الكتب ..
فعلا .. لقد كنت أمعن التفكير في حال هذا الرجل خلال أطواره الثلاثة صبيا في القرية وفتى في الأزهر وشابا في السوربون بفرنسا ، فأجد الاحترام البالغ لصراعه مع العمى الذي لازمه طوال هذه المراحل حتى انتهى صديقا له إن كنت أستطيع قول ذلك ..
ولقد انتهيت من ( الأيام ) ولست أجد في نفسي إلا الراحة والروعة والاحترام الشديد ل( طه حسين ) يغفر الله تعالى له ويرحمه .. حتى إذا قرأت فيما بعد كتبا أخرى وما تلاها من كلام النقاد والمفسرين (خفت) لما يمكن أن يكون في عقلي من ترسباتها ، وخادعت نفسي كثيرا حتى اقتنعت بأن ليس لي من أرب في قراءة كتبه الفكرية .. وانتهيت إلى فكرة أعتقد أنني أستطيع نصح أي بها ، وهي أنني أستطيع حقا أن أظفر بالجمال اللغوي الرصين والجاذبية المستفزة في كتب طه حسين الأدبية على كثرتها ، والتي لا بد تضمن لي قسطا موفورا من التمتع بالأدب واللغة في كثير جدا من المواضع ..
( الأيام ) ، ( شجرة البؤس ) ، ( الحب الضائع ) ، ( حديث الأربعاء ) ،
( جنة الشوك ) ، ( مع المتنبي ) .. وكثير غيرها ..
تعليق