اعلان

Collapse
لا يوجد إعلان حتى الآن.

من حكايات زورك نيميسيس .. حكاية رأس فاطمة

Collapse
X
 
  • تصنيف
  • الوقت
  • عرض
Clear All
إضافات جديدة

  • من حكايات زورك نيميسيس .. حكاية رأس فاطمة

    ليس مهما أن أرحب بكم .. وليس ضروريا أن تستقبلوني بترحاب .. دعونا نتفق على ما سيحدث .. أنا هنا لأكتب .. وأنتم هنا للقراءة .. ليس من الضروري أن يعجبكم ما سأقول .. وليس علي أن أصدع رأسي بتحملكم .. لذا لنبتعد عن المجاملات .. أنا شيخ مسن من النوع الذي لا يروق لأحد .. وأنتم مجموعة شباب فضوليين من النوع الذي لا يروق لي .. هكذا نكون قد ابتعدنا عن الرسميات البغيضة التي يصر البشر على استخدامها فيما بينهم .. اسمي ليس مهما .. يمكنكم مناداتي باسم زورك .. ولا أود سماع كلمة واحدة عن معنى هذا الاسم .

    أعرف أن الكثير أتى يستمع إلي للبحث عن متعة الرعب .. أنا هنا لأخبرهم أن القبور تكتظ بأمثالهم من الذين ظنوا أن الرعب متعة جميلة .. ثم ماتوا وفي أعينهم نظرة ملتاعة عندما عرفوا الحقيقة ..

    لا رعب في حكاية خيالية ألفها شخص ما أثناء فترة تأمل ... الرعب هو ما تسمعه على لسان صديق ملتاع يحكي لك بعيون متسة ما حدث معه يوما .


    سأتيح لكم الفرصة لمعرفة أكثر .. ليس مني لأنني مصاب بداء الملل السريع .. ستسمعون كل شيء منهم .. بألسنتهم .. هم يعرفون كل شيء .. لأنهم رأوه رأي العين .. لا تسألوني من أنا .. تذكروا أنكم هنا لتسمعوا .. لا لتسألوا ... وإن لم يعجبكم ما سمعتموه فاذهبوا وفجروا رؤوسكم .. لن يحدث فارقا عندي .. تماما كما أنه لو انتزعت روحي مني في أحد نوبات الصرع الذي ابتليت به فلن يحدث فارقا لديكم ... هكذا اتفقنا

    دعونا نخوض مرة أخرى في ذكريات الطفولة .. قلما تجدون شيخا مثلي يحكي عن طفولته بهذا النهم .. لابأس .. سأحكي لكم اليوم حكاية عن فاطمة .. وعن رأسها



    حكاية رأس فاطمة



    " لم يكن أمامها خيار آخر .. كان لابد أن تقطع لنا رأسها "

    عندما تدخل إلى شارع بيتنا في اسطنبول فإن الساحة الرملية الكبيرة هي أول شيء ستقابله عيناك ... عندها ستتساءل عن هؤلاء القوم الذين يتركون ساحة واسعة كهذه دون تحويلها إلى نهر من النقود الجارية .. لكنك لن تجد إجابة ما .. فهذه الأرض ليست ملكا لأحد . ولن تكون ملكا لأحد .. لأن من أرادها لن يجد من يبيعها له .

    أصبحت تلك الأرض ملكا لنا جميعا .. كانت مأوى لنا في أيام الزلزال .. وهذا لسعتها الكبيرة التي سمحت لنا بالجلوس فيها جميعا بانتظار قرار الزلزال أن يخرب بيوتنا .... في الشتاء تتحول إلى ساحة ثلجية واسعة نلعب فيها ونتزلج حتى ينتهي النهار ... كانت تلك الساحة ولازالت لنا نعقد فيها أي مباراة كرة قدم أو أي شجار كبير .. أو حتى حفل شواء ندعو إليه كل من يمر علينا في الشارع .

    عندما تدخل إلى شارع بيتنا في اسطنبول في ساعة المغرب سترى دخانا رمليا يغطي على مجموعة من الأطفال يجرون ويقعون ويصرخون كالشياطين في تلك الساحة الرملية .. لا تعجب ، إننا نلعب مباراة كرة القدم اليومية ... أنا دائما ألعب في مركز حارس المرمى ، وإذا كنت لا تعرف ، فأنا دوما أفضل حارس مرمى في أي حي سكنت فيه في أي دولة .. الأمر بسيط .. أنت في هذا المركز تتفوق على كل من في الملعب بأنه يمكنك استخدام يديك كما يحلو لك ... لا أدري لماذا يفشل بعض الحراس حقا .

    قف قليلا من فضلك بجانب الملعب وشاهد لعبنا عن كثب ... أكثر من سيشد انتباهك هي فاطمة .. فتاة تلعب في مركز الهجوم في الفريق الذي يلعب ضدي دائما .. نعم فتاة .. في البداية ستشك أنها فتاة ، ليس بسبب قلة جمال ، بالعكس تماما .. بل لأنه سيخيل إليك أنها الوحيدة التي تملك الكرة في الملعب فلا تغادر قدميها أبدا ... ولا تسأل كيف يمكن لفتاة بهذه الرقة والجمال أن تتحرك هكذا كالشيطان .

    إن أكبر غلطة قد يرتكبها أي ولد في الملعب هو أن يدفع فاطمة بحكم أنها فتاة وهو أقوى منها .. عندها تجد الكل قد تجمع حول فاطمة وهي تضرب الولد و تخمشه وتصفعه ثم تغادر الملعب وكأنها عاصفة عاتية ... بعدها يتوقف اللعب .. لأن الكابتن فاطمة قد غادر الملعب .. ولم يعد للعب طعم بدونه على أي حال .

    لكن هذه المباراة التي تعقد اليوم بالذات كانت كبيرة فعلا .. الكل كان يخرج أفضل مالديه من ركلات و شتائم .. كانت نهاية المباراة في أي يوم من أيامنا تلك هي اختفاء النور عن الملعب .. أي غروب الشمس ..و تكون أصعب لحظات اللعب هي اللحظات الأخيرة عندما تختفي الشمس تماما وتصبح الرؤية مستحيلة .... لو دققت النظر الآن سترى العاصفة الرملية التي نحدثها بلعبنا قد انتهت و سترانا نجمع حاجياتنا و نمشي مغادرين الملعب في بطء .. ننظر إلى الأرض ونتحدث عن المباراة ونركل كل حصى صغيرة نصادفها على الأرض .

    إن فريق فاطمة قد هزمنا اليوم كالعادة .. أنا أمشي بجوار مظفر ... وهو صديق لنا ذو اسم غريب نوعا .. لكنه عاطفي جدا .. إنه يبكي .. يتحدث عن الخسارة التي خسرناها في المباراة ويبكي معاتبا كل واحد فينا على تقصيره ... هذا يوم قضاه كل واحد منا في طفولته مرارا .. لكن ما جعلني أذكر هذه الأيام بالذات وهذه الأحداث بالذات ... هي فاطمة ... وما فعلته بنا فاطمة .

    صعد كل واحد منا لبيته ... طقوس الاستحمام إياها .. طقوس والدتك التي تنتظرك على باب البيت خصيصا حتى تتأكد أنك لن تدخل بحذائك القذر متناسيا كل تعليماتها ... ألم أقل أنه يوم عشناه مرارا ؟ .... نزلت إلى الشارع بعد أن عدت نظيفا مهندما مرة أخرى .. إن المساكن في اسطنبول عبارة عن مجمعات سكنية أنيقة متجاورة .... بعض المجمعات فيها حدائق بالداخل أو حمامات سباحة .. وبعض المجمعات ليس فيها أي شيء .. بل إنه ليس لها سور أصلا... وكل مجمع سكني فيه الكثير من الأماكن التي يمكنك الجلوس فيها و الثرثرة .. وعندما نزلت للشارع ، وجدت كل من كان يلعب معنا جالسين على أحد هذه المجالس يتحدثون في أمور كثيرة لا أهمية لها إطلاقا ....

    فاطمة كانت جالسة معهم ... كم تبدو رائعة بهذا الشعر الذهبي الطويل الذي يبدو وكأنه ألف سلسلة ذهبية رقيقة تتناثر حول وجهها .. مثل هذه لن تحتاج لأي عقد ذهبي سخيف إضافي تعلقه حول رقبتها .. تعجبني الفتاة المنطلقة المرحة وليس المنطوية الخجولة كثيرة الشكوى .. أحب الفتيات سريعات العصبية سريعات النسيان لأنهن يتصرفن على فطرتهن .. ليس كاللواتي يكتمن في أنفسهن ويجاملن ثم يجعلن حياتك جحيما بالتدريج ... كانت فاطمة من الطراز الذي يعجبني ويعجبنا كلنا .. لكن ، كان فيها جانبا مرعبا لم نكتشفه من قبل .. إلا فيما أتى من الأيام .شهور مرت تبعتها شهور .. فاطمة لم تعد تلعب معنا إلا قليلا ..الحقيقة أنها أصبحت تجلس كثيرا مع سوزان ونورساي .. وهذه عادة سئية جدا كما لابد أنك تعلم ... ماذا ؟ ... لا تعرف أصلا من هما سوزان و نورساي ؟ .. .إن هاتين فتاتين لا يحبهما أحد .. ولا يحب الجلوس معهما أحد .. تجد كل الأولاد والبنات يلعبون معا و يتحدثون و سوزان ونورساي يجلسان معا على السور القصير الفاصل بين المجمع السكني والساحة الرملية.. دائما صامتتين كقبرين متجاورين ينظران إلينا ونحن نلعب .. الغريب أنني حتى لا ألاحظهما يتحدثان معا إلا نادرا .. ملابسهما غريبة .. تشعر أنهما يكرهان الكل بلا استثناء .. مرة رأيتهما يتشاجران معا بحدة .. في ذلك اليوم جلست كل واحدة منهما بعيدا عن الأخرى .. يومها طبعا كانا هدفا للكثير من التعليقات الساخرة . .. أما الآن فقد انضمت لهما فاطمة .. لكن فاطمة لا تحب الصمت .. إنها ثرثارة .. والغريب أن الفتاتين صارتا ثرثارتين معها هي بالذات .

    ازداد الوقت الذي تجلسه فاطمة مع الفتاتين و قل بالتالي أو انعدم الوقت الذي تجلسه معنا ... مع الوقت انطفأت فاطمة .. لم تعد مرحة كالسابق ... بل إنها لم تعد مرحة على الإطلاق .. تمر عليك وكأنها مرت على جدار مهدم على جانب الطريق .. كل يوم مشاجرة بين فاطمة و أحد الأولاد الذي يعلق على جلوسها مع سوزان ونورساي .. لن أخفي عليك أننا أصبحنا نكره فاطمة جدا .. ربما أكثر من كرهنا للفتاتين .. و تلقائيا أصبح لديها نفس الشعور من ناحيتنا .

    لكن فاطمة تحولت إلى شيء غريب الأطوار جدا لدرجة لا يمكن السكوت عليها .... مثلا عندما أنزل إلى البقالة سريعا بعد منتصف الليل لشراء خبز ناقص للعشاء أو ماشابه ... ووالدتي تنتظرني في الشباك ومعها آلاف التحذيرات من مجرد التفكير في التجول هنا وهناك .. عندها كان من الغريب بل من المرعب أن أجد فاطمة تجلس على سور الساحة الرملية ساهمة في أمر ما .... عندما يأتي علي يوم أعود فيه مع عائلتي في الساعة الرابعة قبل الفجر من زيارة عائلية ما و نمر على تلك العمارة التي في طور البناء بالطوب الأحمر في شارعنا .. عندها يكون من المقبض جدا أن ألمح فاطمة تمشي خارجة من داخل العمارة المظلمة إلى الشارع في هذه الساعة ... عندما تكف فاطمة عن لبس الحذاء الرياضي و نراها حافية القدمين معظم الوقت وهي التي كان قد وصل حبها للحذاء الرياضي أن تلبسه على فساتين السهرة ... عندما يحدث كل هذا لفتاة كانت صديقة لي يوما ما .. فإنني لابد أن أتدخل .

    ذات يوم كنت أقود الدراجة في ملل .. درت حول المكان كثيرا جدا .. مشيت على كل بلاطة .. مررت على فاطمة و رفيقتيها ما يقرب من مئة مرة ... مئة مرة من التردد .. أريد أن أقف لأحدث فاطمة وجها لوجه .. في النهاية أوقفت الدراجة بجوار فاطمة .. وترجلت منها متجها إليها .. كانت المرة الأولى التي سأتحدث فيها مع سوزان ونورسيل المشئومتين .. بدأت الحديث مع الجميع بالكلام في أمور لا أهمية لها .. فاطمة كانت تتكلم بهدوء لكنني لاحظت أنها كثيرا ما تسرح بعيدا و كثيرا ما تهمهم لتوهمك أنها تستمع وتهتم للكلام الفارغ الذي تقوله .. و تتحول إجاباتها على جميع الأسئلة إلى ( نعم .. نعم ) حتى عندما سألتها عن موعد عيد ميلادها أجابت نفس الإجابة ... ( نعم ) لم أعرف أن سوزان و نورساي شخصيتان جيدتان فعلا .. أنت لا تعرف المرء على حقيقته إلا عندما تتحدث معه وجها لوجه .. كانتا تضحكان على النكات العادية التي أحفظها و يحفظها كل الناس .. كانتا فتاتين عاديتين .. لكنهما منطويتين جدا .. لكن أهم ما قيل في تلك المحادثة كان التالي ... -فاطمة ، لا أخفي عليك أنك تغيرت كثيرا جدا عن السابق .

    -همممم

    -فاطمة يا عزيزتي كيف تخرجين وحدك بعد منتصف الليل هكذا ؟ وكيف يسمح لك أهلك ؟

    -نعم .. نعمضحكت سوزان بشدة وقالت : أنت لا تعرف نصف ما نعرفه نحن عن فاطمة .. ولو عرفت لعذرتهاقلت لها : هلا اختصرتما نصف ما تعرفانه عنها في جملة واحدة ؟قالت نورساي : حسنا سأخبرك .. ببساطة إن فاطمة صديقتك ترى الجان .

    تلقائيا نظرت إلى فاطمة باستغراب فوجدتها تحدق بي قي ثبات .. ثم قالت نورساي بهدوء مستفز : ليس هذا فقط .. بل إنها تراهم وتقابلهم كل يوم .بعد لحظات من الصمت والنظر حولي بلا سبب معين قلت : لا يوجد ما يدعى بالجان .. هذه أمور يخيف الكبار بها الصغار لإجبارهم على النوم مبكرا .


    قالت سوزان : يمكنها أن تثبت لك ببساطة كما أثبتت لنا . قلت ببلاغة : ............ قالت نورساي : الليلة بعد منتصف الليل حاول أن تخرج من البيت وتقابلنا هنا في نفس هذا المكان .- وكيف ستثبت لي ياترى ؟ هل ستجعلني أرى الجن بدوري ؟ - لا أظن أنك ستتحمل .. إن فاطمة لديها طرق أخرى أكثر وقعا . - ها قد بدأتم الهروب من الآن .. لا أظن إلا أنكم محتالتين لعبتما بعقلها .- إن فاطمة يمكنها أن تقطع رأسها أمام عينيك .. بل ويمكنها أن تجعل رأسها يتحرك ناحيتك حتى يكون بين يديك .. وكل هذا بينما تتحدث معك وكأن شيئا لم يكن- كلام فارغ جدا بصراحة . - لقد وصلت فاطمة لمرحلة ما بعد التلبس .. إنها الآن تأمر الجان فيطيعون .

    إن اسطنبول تغلق أنوارها بعد الساعة العاشرة ليلا ... لا تسمع همسا في الشوارع إلا نباح الكلاب الضالة وغناء المخمورين .. لو سمعت صوت سيارة ستكون غالبا سيارة الشرطة التي تمر في المكان كل ساعة .. لا يمكن أن ترى طفلا يتمشى في هذه الأجواء وحده إلا أن يكون مجنونا أو مجنونا .... ولو كنت أمام منزلي في هذه الساعة ستسمع صوت باب العمارة يفتح ببطء .. وستجدني أخرج منه بهدوء مرتعش .. أنظر إلى ما حولي في توتر .

    دائما أبحث عن الخوف لأخافه .. وفي كل مرة أخافه أشعر أنني لم أخف كفاية وأنه لابد أن تكون المرة القادمة مخيفة أكثر .. هذه المرة كنت متجها إلى فتاة غامضة تعدني أنها ستريني كيف تقطع رأسها وتسلمها لي بين يدي ... عمري 15 سنة .. نهاية مرحلة الطفولة الجميلة و بشائر الدخول في المرحلة المقززة التي تليها .. لكنني لم أكن وحدي في تلك الليلة .. كان معي اثنين .. هشام ابن خالتي ( 13 سنة ) .. ومصطفى أخي ( 8 سنوات ) ... هل تسألني لماذا آخذ معي طفلا في الثامنة ؟ لأنه أشبه بذبابة الفاكهة يلتصق بي أنا و هشام كظلينا .. و إذا خرجنا وحدنا في هذه الساعة بدونه فأخبارنا ستصل للوالدين الكريمين في اللحظة التي نغلق فيها الباب وراءنا .

    ستجدنا نحن الثلاثة قد خرجنا في هذه الساعة نتمشى في الشارع متجهين إلى عمارة بالطوب الأحمر لازالت في طور البناء ... ولا تتعجب عندما تجد ثلاث فتيات كالورد ينتظرننا أمام العمارة النصف مبنية وندخل كلنا معا إلى الداخل المظلم في تؤدة .. لا تتساءل لماذا لا تقرب الكلاب هذا المكان أبدا .. و إنما تنبح وتنام في كل الأماكن ما عداه .. لا تتساءل لماذا يدخل مجموعة أطفال لمكان كهذا في ساعة كهذه .. لأنك لن تجد إجابات على تساؤلاتك المملة . دعوا أخي مصطفى يتحدث قليلا الآن ليصف الواقعة من وجهة نظر طفل في الثامنة .

    هناك بقالتين في شارعنا .. واحدة قريبة جدا .. والأخرى بعيدة في آخر الشارع ... بصراحة أكره القريبة ودائما أتسلل إلى البعيدة دون أن يلاحظني أحد .. إن فيها أنواع من الحلوى لا تظهر حتى في الإعلانات .. أحيانا لا يكفي مصروفي اليومي ، لكن بقليل من الدموع ، فإن هذا المصروف يتضاعف كثيرا .. الغريب أنني أنزل الآن مع أحمد وهشام في الوقت الذي لا تفتح فيه أي بقالة في هذا العالم .. لكنهما وعداني بكل ما أحلم به .. أقسم أن أحول حياتهما جحيما لو اتضح لي عكس ذلك .

    أحمد وهشام يتجهان بي إلى مكان غريب .. هل ستكون هذه بقالة ثالثة لا أعرفها ؟ لم أعرف أن هناك بقالات يضعونها في مخابيء سرية من قبل .. لكنها فكرة مدهشة فعلا .. وقفنا قليلا أمام عمارة متهدمة حمراء أرضيتها ترابية .. كم أعشق التراب .. المكان مظلم جدا بالداخل .. هناك ثلاثة فتيات لا أذكر أسماءهن يقفن في وسط الظلام ... يبدو أنهن بانتظارنا .. سأخبر أمي أن أحمد وهشام يقابلون فتيات بعد منتصف الليل ... هذا سيزيد من رصيدي عندها كثيرا .. أصبجنا نمشيء وراء الفتيات .. واحدة منهن تنظر لي نظرات غل لا مثيل لها .. نزلنا سلما صغيرا يوصل لبدروم ما .. رائحة الأسمنت المقرفة .. يبدو أنه يجب علي أبكي الآن .. هذا طقس أحب أن أفعله أولا ثم أفهم الموضوع بعد ذلك .

    لكن أحمد لا يسمح لي حتى بالبكاء .. صوته يرتفع عادة أسرع من الجميع عند سماع بشائر أنني سأبكي .. هناك شيء ما يوتره .. أراه يتحدث بعصبية مع الثلاث فتيات ..

    - هل تأتي عادة بأخيك الصغير لحمايتك ؟ - هذا حدث صدفة ، ثم إنه من حقي أن آتي بمن أريد - فاطمة لن تكون مسؤولة لو أصيب هذا الفتى بالصرع - أنا المسؤول عنه هنا .. ثم إنني متأكد أن ما تقولونه خرافات أطفال .. ومن حقه مشاهدتها .

    ويبدو أن أحمد قال شيئا ما مضحكا لدرجة أن الفتيات الثلاث انفجرن في ضحك غريب ..لكن ما هذا ؟ أقسم أن أسنانهن حمراء اللون كلها ... ثم إنها ليست ضحكات قتيات ... إنهن يشبهن الشياطين ... قبض أحمد على يدي بقوة ربما أطمئن نوعا .. - هل أنت مستعد يا هشام ؟ - نعم مستعد أيتها التافهة .. وسأخرج لك كل نقودي لو فعلتها فاطمة . - لا تذكر النقود في هذا المكان .. إنها قاذورات لا يلتفت لها سوى الطبقة السفلى من الناس .

    لا أدري لماذا تكهرب كل الجو هكذا .. لكن تلك التي تدعى فاطمة أخرجت سكينا أشبه بسكاكين مورتال كومبات ووضعته على عنقها في وضع خطر جدا ... لكن كل شيء توقف فجأة بلا مقدمات .

    نظرت فاطمة إلى مصطفى بغل ثم قالت : لا يمكن أن نكمل .. يجب أن يخرج هذا الفتى الصغير من هنا فورا .قال أحمد بانتصار : وما السبب يا ترى أيتها المحتالة ؟ - هذا الفتى يرتدي قميصا عليه صورة إنسان قال هشام : كنت أعرف أن هذا الهراء سيحدث .

    قالت فاطمة بسرعة : الجن سيحلون في هذا المكان بعد قليل .. وأي إنسان يلبس قميصا عليه صورة إنسان فهو لا محالة ملبوس .. هي فرصة للجن لأن يلبسوه لا مثيل لها .

    قال أحمد : ألم تجدي حجة أكثر إقناعا من هذه ؟ كنت أظنك أذكى من هذا . - الأمر راجع لك تماما ... اتركه معنا .. لكنك لو قرأت حرفا واحدا عن الجن في حياتك ستعرف أنني على حق ... أنت المسؤول تماما عما سيحدث لأخيك الصغير .

    أعود إليكم مرة أخرى ... إن لهجة فاطمة كانت لهجة من يعرف ماذا يقول تماما .. لا يمكنني المخاطرة بمصطفى أخي ... وقد سألتني الفتيات عدة مرات إذا كنت سآخذ هذه المخاطرة أم لا .. و ألحوا علي في السؤال كالبراغيث ... بصراحة لو كنت أنا من يلبس هذا القميص لأخذت المخاطرة فورا .. أعرف نفسي .. لكن عندما يتعلق الأمر بأخي الصغير .. فمخاطرة 1 % ليست مقبولة أبدا .

    لم أحظ بفرصة تكرار الفرصة للأسف .. أمور كثيرة شغلتنا كلنا ... لكن وحتى الآن ، لا أسمع عن فاطمة إلا كل شر .. رسوب متكرر في المدرسة ... مشاجرات يومية لدرجة أن ذراعيها وساقيها أصبحا مليئان بالجروح .

    حاليا في هذه الأيام كل ما أسمعه عن فاطمة أنها قد أصبحت فتاة ليل ... فقد سألت عنها أحد الأصدقاء ذات يوم بعد أن كبرنا و تعدينا مرحلة المراهقة المقززة وبدأنا في المرحلة المتعبة التي تليها ... أتذكر كلامي معه بالحرف حقا .

    - ترى ما أخبار فاطمة الآن ؟ هل ترونها ؟ - هل تمزح ؟ ألا تعرف ؟ - لا .. كيف أعرف .. أنت تعلم أنني غائب عن تركيا منذ أكثر من خمس سنوات - لو أردت أن أحضر لك الفتاة غدا في شقتك ليلا فسأفعل - ماذا ؟ - كما سمعت ... لقد انتهت فاطمة تماما يا صديقي .

    لا أدري .. جزء من نفسي شعر بالحزن الشديد ... وجزء آخر من نفسي شعر بالمسؤولية عما حدث .. وجزء ثالث شعر أنه لا دخل لي بالأمر و أنه قدرها .... لكن الفتاة كانت صديقتنا يوما .. نضحك ونلعب معا .. ووصولها لهذا الحد يحزنني .


    سأرتاح من الكتابة في شهر رمضان

  • #2
    الرد: من حكايات زورك نيميسيس .. حكاية رأس فاطمة

    شكرا اخي الفاضل
    لقد اضحت مشاركاتك علامة مميزة لساندروز
    دمت بخير

    تعليق


    • #3
      الرد: من حكايات زورك نيميسيس .. حكاية رأس فاطمة

      العفو يا سيدي .. بل العكس هو الصحيح


      سأرتاح من الكتابة في شهر رمضان

      تعليق


      • #4
        الرد: من حكايات زورك نيميسيس .. حكاية رأس فاطمة

        ... زورك إلى أين ستصل بنا حكياتك الجهنمية .. ولكن ,, مبددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددع ,, ومييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييز ,,, وتستحق الشكر ,, على جنون قلمك ,, الذي تسكنة الأشباح !!

        وتسيل منه حبر برائحة الدم .. أعجبتني حكايتك .. راااااائع انت عزيزي .. إستمر بإبداعك .. دمت بخير ,,

        تعليق


        • #5
          الرد: من حكايات زورك نيميسيس .. حكاية رأس فاطمة

          أعجبني موضوع القلم الذي تسكنه الأشباح ... أشكرك جدا


          سأرتاح من الكتابة في شهر رمضان

          تعليق

          تشغيل...
          X