أنتم هنا للبحث عن متعة الرعب .. فإني أرى للأسف أنه قد أصبح موضة ممتعة في هذا الزمن .. في زماننا كانت أبداننا تقشعر إذا أتى أحدهم على ذكر السحرة أو السحر الأسود أو الشياطين ونبسمل و نحوقل ، بينما أرى اليوم قوما يخصصون أياما من السنة للاحتفال بالجن و السحرة ويقلدون طقوسهم .. وهم يفعلون هذا في استمتاع يثير الغيظ .. ماذا يعرف هؤلاء عن السحر وعن العوالم الأخرى التي يمتليء بها كوكبنا حتى أصيب بالتخمة ... هل يعرفون كيف بدأ السحر في الدنيا و من هو أول ساحر؟ لو علموا نصف ما علمت في حياتي لتعاملوا مع الموضوع بتهذيب أكثر .. أنا لست هنا لتقديم تلك المتعة الزائفة لكم .. أنا هنا لأخبركم أن القبور تكتظ بأمثالكم من الذين ظنوا أن الرعب متعة جميلة .. ثم ماتوا وفي أعينهم نظرة ملتاعة عندما عرفوا الحقيقة ..
سأتيح لكم الفرصة لمعرفة أكثر .. لكن ليس مني فأنا مصاب بداء الملل السريع .. ستسمعون كل شيء منهم .. بألسنتهم ... إذا كان لهم ألسنة ....هم يعرفون كل شيء .. لأنهم رأوه رأي العين .. لا تسألوني من أنا .. ولا تسألوني عن علاقتي بهم ولا كيف يحدثونكم .....لن تحتاجون أن تسألوا من هم ... لأنهم سيتحدثون عن أنفسهم بأنفسهم ...تذكروا أنكم هنا لتسمعوا .. لا لتسألوا ... وإن لم يعجبكم ما سمعتموه فاذهبوا وفجروا رؤوسكم .. لن يحدث فارقا عندي .. تماما كما أنه لو انتزعت روحي مني في أحد نوبات الصرع الذي ابتليت به فلن يحدث فارقا لديكم ... هكذا اتفقنا ..
بالفعل لا أذكر شيئا البتة .. كانت غيبوبة متقطعة فيما يبدو .. كلما أفتح عيني أرى ستارا أخضر غريبا ومجموعة من الأصوات تتحدث بالروسية .. ثم أغيب مرة أخرى عن الوعي ..
- موﭽـتي كَفَريت ميدلنا ﭘـﭽالستا ( من فضلك هلا تحدثت ببطء ؟ )
- يا ني خَتشو أب إتم كَفَريت ( لا أريد التحدث عن هذا )
- تي مني ﭭيريش؟ ( هل تثق بي ؟ )
- كَنيشنا ( نعم )
- ﭘرْدَلـﭽيتي سـﭭَيو رابوتو ﭘـﭽالستا ( إذن تابع عملك من فضلك )
فتحت عيني ببطء .... أرى بعض المهرجين يقفون أمام مرآة كبيرة يبللون منديلا ما بمادة ما في كأس ما ثم يمسحون به المساحيق الملونة على وجوههم ... إن وجوههم كبيرة نوعا ما ... هاهو رئيسهم ذو العباءة الحمراء يتكلم بضع كلمات آمرة لواحد منهم ثم يشرع في إزالة المساحيق عن وجهه بدوره ... ثم بدأ يخلع القرنين القطنيين الذين كان يضعهما على رأسه ... هناك شيء ما لا أفهمه .. أم أنه تأثير الغيبوبة ... هؤلاء المهرجين .. إنهم ..يبدو أنهم ... كان يجب أن أفقد الوعي مرة أخرى .
أفتح عيني فجأة .. ظلام تام .. صوت جهاز التكييف الرتيب ... أصوات شخير مقززة ... أنا راقد على الأرض وهناك ما يقرب من أربع أجساد نائمة على أربع أسرة حولي .. تسللت إلى أنفي رائحة منتنة .. يبدو أنني كنت أحلم أحلاما رهيبة .. أذكر أنني رأيت مجموعة من الرجال حمر البشرة جدا ذوو أسنان صفراء مقززة يتحدثون إلي بلغة غريبة .. ثم أنه كانت لديهم قرون قصيرة حمراء .. هذه الرائحة منتنة بحق .. و ها أنا أفقد وعيي للمرة الثالثة و الأخيرة في تلك الليلة .
فجأة استيقظت على أصوات عالية جدا صمت أذني .. هناك ظلام و أضواء ملونة تتابع على وجهي .. أشعر أنني معلق في السماء بشكل ما ... لا أرى شيئا تقريبا مما هو حولي .. لكني أسمع صوت موسيقى من النوع الذي يميز أفلام الحركة .. بدأت عيني تعتاد البيئة وبدأت أسمع أصوات أناس كثيرة من حولي .. صوت شخص يتحدث عبر المايكروفون .. أصوات هتاف و تصفيق من عدد رهيب من الناس لا أراهم جيدا ... فجأة أضاء المكان كله دفعة واحدة .. ورأيت كل شيء .
أنا معلق على ارتفاع متوسط بحبال محكمة في وسط مسرح السيرك ... حولي عشرين ألف متفرج يهتفون و يصفقون وينتظرون شيئا ما ... نظرت إلى المسرح من تحتي .. أرى أربع مهرجين يدورون حول القاعة بشكل استعراضي ويحثون الجمهور على الهتاف بصوت أعلى .. أمسك كبير المهرجين بالمايكروفون وقال شيئا ما بنبرة استهزاء و أشار إلي .. المفاجأة التي اكتشفتها هي أنني كنت معلقا هكذا مرتديا ملابس المهرجين .. شعرت بالأنف الأحمر الكبير المثبت على أنفي .. لم أستوعب الأمر .. كنت قد أصبحت فجأة مهرجا معلقا وسط سيرك موسكو الكبير .
شيء ما أشعر أنه جامد في ملامحي كلها .. أشعر أن ملامحي كلها ضاحكة بشكل إجباري .. كلما حاولت تحريك عضلات وجهي أفشل ويظل التعبير الضاحك هو الغالب .. كان عقلي أصغر من أن يستوعب شيئا وقتها .. أسمع ضحكات الجمهور على دعابة ما قالها أحد المهرجين ... بدأت الموسيقى الحركية مرة أخرى .. تلك الموسيقى التي تجهزك لأمر جلل سيحدث بعدها .. الجمهور مترقب .. المهرجين وقفوا على شكل دائرة تحتي بحيث تكون وجوههم إلى الجمهور .. ما الأمر .. لا أشعر أنني على مايرام .. وفجأة حدث شيء رهيب .
اشتعلت ملابسي بالنار فجأة ... مع صرخات الدهشة من الجمهور .. عشرون ألف صرخة دهشة سمعتها مع حرارة مفاجأة شعرت بها في أطرافي .. إنني أشتعل .. لا لست أشتعل .. إن أطرافي هي التي تشتعل ... النار شبت فجأة في أكمامي و ساقيً الاثنتين .. ولم تمس باقي الملابس ... لا أفهم شيئا ... ملامحي لازالت ضاحكة .. الحرارة تتزايد ببطء .. النار تأكل الملابس التي اكتشفت أنها ثقيلة حجبت جلدي عن النار لفترة وجيزة .. باقي الملابس على صدري و حوضي لا تصل إليها النار لسبب ما... الجمهور تحولت دهشته إلى تصفيق إعجاب ... مهلا أيها الحمقى .. إن ملابسي تذوب .. شعرت بلسعة النار على أطرافي ... الجمهور يصفق .. صرخت صرخة عالية جدا لم أسمعها أنا نفسي ... موسيقى تصم الآذان ... تصفيق حار .. وأنا أحترق .
أنظر وسط الناس .. وجوه ضاحكة مستمتعة .. أطفال مندهشون .. مهرجين يستعرضون حركات استعراضية على المسرح ... أنا أحترق .. إن أطرافي تحترق أيها السفاحين .. ألا تشعرون ؟ ... أنا أصرخ بألم رهيب .. لكن بلا جدوى ... لازالت ملامحي ضاحكة جدا ... ما هذا الذي أراه وسط الجمهور .. أنا لا أفهم شيئا .. نزلت دموعي الساخنة على وجنتي الملتهبتين .. كانت أطرافي تحترق فعلا .
تلك النظرة التي حانت مني إلى الجمهور رأيت فيها أمرا لا يصدق ... رأيت العائلة التي أعمل خادما لديهم يضحكون و يأكلون الفيشار و يستمتعون بالعرض جدا ... إنهم يصفقون مع الناس ... لكن من هذا الذي يجلس بجانبهم هناك .. ياللهول ... لقد رأيت نفسي جالسا مع العائلة .. إنه أنا .. ملامحي المتحمسة والمندهشة من تلك العروض الروسية التي لطالما حلمت برؤيتها ... كنت أستمتع وأضحك جدا .. يالهول ما أرى .
أنا أموت ببطء .. أموت من الألم و الحرقة .. قدماي و يداي تذوبان بالنيران ... ألم لا يصفه ألف حرف ... المهرجين لازالوا يقولون دعابات تضحك الجمهور .. أرى نفسي بينهم أصفق .. و العائلة تصفق بجانبي ... شعرت بنفسي وقد نزل بي الحبل فجأة على الأرضية التي تحولت لحوض ماء كبير جدا .. نزلت في المياه الباردة ثم أخرجني الحبل مرة أخرى عدة مرات و أنا أسمع ضحكات الجمهور ... ثم أخرجني الحبل و علقني مرة أخرى أمام الكل ....لم أكن أشعر بأي شيء ... ببساطة لأن روحي كانت قد فارقت جسدي صاعدة إلى السماء .
إن ما تعرفونه أيها البشر عن المهرجين لايكاد يذكر .. هل منكم من أحد له صديق أو قريب يعمل مهرجا في سيرك ؟ هل سمعتم من أحد أصدقائكم أن له قريب أو صديق يعمل مهرجا في السيرك .. أعرف أن الإجابة بالنفي القاطع .. أنتم تنظرون إلى المهرج في السيرك و تظنون بتفكيركم البشري الطبيعي أنه شخص عادي له عائلة و يعيش حياة طبيعية خارج السيرك كأي شخص... لكن دعوني أخبركم أمرا .
هذه الكائنات ليست من البشر في شيء .. إنها من الشياطين .... شياطين خلقت من نار كبقية الشياطين وتنزلت مع بقية الشياطين لتعمل عمل بقية الشياطين... الفارق أنهم شياطين ذوو كيان مرئي ... يؤدون عملهم على أتم وجه .. يمتعون البشر بحركات و أقوال سخيفة تافهة .. البشر يعلمون بسخافتها لكنهم يستمتعون بها .. ويضحكون عليها ضحكات سريعة لا تدري مدى صدقها ..
لقد أحرقوا روحي البريئة التي لم تفقه شيئا بعد قربانا لإضحاك بعض البشر الذين رأيت نفسي أضحك بينهم . ..هكذا هو المبدأ أيها الإنسان .. نحن نضحكك ونمتعك .. لكنك تضحك على أمر نفسك التي تتعذب في الجهة الأخرى حتى البكاء ..
نعم هم في كل مكان .. بل إن منهم من يجري منكم مجرى الدم و لا تشعرون بهم .. يحدثونكم وتحدثونهم .. يناقشونكم و تجادلونهم .. هم مهرجين من الطراز الأول ... يصورون لكم أفعالكم كأنها غاية في الإمتاع .. بينما هي غاية في السخافة ... نعم هم شياطين .. منهم من يتنزلون كل ليلة إلى قاعات السيرك .. يؤدون دورهم اليومي ثم لن تدري عنهم شيئا حتى الليلة التالية .. هؤلاء هم شياطين السيرك .
- تي مني ﭭيريش؟ ( هل تثق بي ؟ )
- كَنيشنا ( نعم )
- ﭘرْدَلـﭽيتي سـﭭَيو رابوتو ﭘـﭽالستا ( إذن تابع عملك من فضلك )
تمت
تعليق