اعلان

Collapse
لا يوجد إعلان حتى الآن.

من حكايات زورك نيميسيس .. حكاية الدماء المقدسة

Collapse
X
 
  • تصنيف
  • الوقت
  • عرض
Clear All
إضافات جديدة

  • من حكايات زورك نيميسيس .. حكاية الدماء المقدسة

    ليس مهما أن أرحب بكم .. وليس ضروريا أن تستقبلوني بترحاب .. دعونا نتفق على ما سيحدث .. أنا هنا لأكتب .. وأنتم هنا للقراءة .. ليس من الضروري أن يعجبكم ما سأقول .. وليس من الضروري أن أصدع رأسي بتحملكم .. لذا لنبتعد عن المجاملات .. أنا شيخ مسن من النوع الذي لا يروق لأحد .. وأنتم مجموعة شباب فضوليين من النوع الذي لا يروق لي .. هكذا نكون قد ابتعدنا عن الرسميات البغيضة التي يصر البشر على استخدامها فيما بينهم .. اسمي ليس مهما .. لكني سأدعكم تنادونني باسم زورك .. ولا أود سماع كلمة واحدة عن معنى هذا الاسم .

    أنتم هنا للبحث عن متعة الرعب .. فإني أرى للأسف أنه قد أصبح موضة ممتعة في هذا الزمن .. في زماننا كانت أبداننا تقشعر إذا أتى أحدهم على ذكر السحرة أو السحر الأسود أو الشياطين ونبسمل و نحوقل ، بينما أرى اليوم قوما يخصصون أياما من السنة للاحتفال بالجن و السحرة ويقلدون طقوسهم .. وهم يفعلون هذا في استمتاع يثير الغيظ .. ماذا يعرف هؤلاء عن السحر وعن العوالم الأخرى التي يمتليء بها كوكبنا حتى أصيب بالتخمة ... هل يعرفون كيف بدأ السحر في الدنيا و من هو أول ساحر؟ لو علموا نصف ما علمت في حياتي لتعاملوا مع الموضوع بتهذيب أكثر .. أنا لست هنا لتقديم تلك المتعة الزائفة لكم .. أنا هنا لأخبركم أن القبور تكتظ بأمثالكم من الذين ظنوا أن الرعب متعة جميلة .. ثم ماتوا وفي أعينهم نظرة ملتاعة عندما عرفوا الحقيقة ..


    سأتيح لكم الفرصة لمعرفة أكثر .. لكن ليس مني فأنا مصاب بداء الملل السريع .. ستسمعون كل شيء منهم .. بألسنتهم ... إذا كان لهم ألسنة ....هم يعرفون كل شيء .. لأنهم رأوه رأي العين .. لا تسألوني من أنا .. ولا تسألوني عن علاقتي بهم ولا كيف يحدثونكم .....لن تحتاجون أن تسألوا من هم ... لأنهم سيتحدثون عن أنفسهم بأنفسهم ...تذكروا أنكم هنا لتسمعوا .. لا لتسألوا ... وإن لم يعجبكم ما سمعتموه فاذهبوا وفجروا رؤوسكم .. لن يحدث فارقا عندي .. تماما كما أنه لو انتزعت روحي مني في أحد نوبات الصرع الذي ابتليت به فلن يحدث فارقا لديكم ... هكذا اتفقنا ..

    هذه المرة سيكون لقاؤنا مع شخصية حية .. بل هي حية للغاية .. لقاؤنا اليوم سيكون مع مصاصة دماء تعيش حتى يومنا هذا ... سيكون اللقاء اليوم مع الدكتورة بريانكا شونرا ..




    حكاية الدماء المقدسة


    "يابني أنا والدتك .. لكنك إذا رأيتني وقد طال الشعر على وجهي و تقوس ناباي و أصبحت أكره نور الصباح ، فاقتلني يابني "


    كم أمقت تلك الأيام التي كنت فيها واحدة من أمثالكم .. أفكر مثلكم .. أحلم أحلاما حمقاء و أبحث عن متع زائفة.. أتجمل و أتعطر لأبدو أكثر احتراما أمام أناس يتجملون و يتعطرون لنفس السبب .. أقرأ كتبكم البلهاء لأبدو أكثر ثقافة أمام مجموعة من الجهلاء ... والآن أنظر إلى ما أنتم عليه من التدهور ثم أنظر إلى مرآتي و أبتسم ... لست شخصية أنانية لأستأثر لنفسي بما وصلت إليه ... بل إن هدفي أن يرتقي غيري في السلسة الحيوية كما ارتقيت .. أعود أنظر إلى مرآتي و أبتسم ... و ناباي يبتسمان معي في سخرية .

    سأتبسط في حديثي نوعا ما .. فأنتم تحتاجون إلى هذا .. أنا الدكتورة بريانكا شونرا ، استشارية أمراض الدم الشهيرة بمستشفى العائلة المقدسة في بومباي بالهند .. توفي زوجي و أنا طالبة في الكلية خلال السنين الأولى من زواجنا .. كنت قد أنجبت منه ابني راج .. بعد وفاة زوجي كرست حياتي كلها من أجل راج .. وراج وحده .. لأجله تخرجت من كليتي بدرجات عالية .. ولأجله وحده سافرت إلى انجلترا و أمريكا لأحصل على الماجيستير و الدكتوراه وهو معي .. ثم عدت إلى الهند .. كان تخصصي في الطب هو أمراض الدم .. ولا أدري لماذا اخترت هذا المجال بالذات .. لكني شعرت أنه الأنسب .

    وصلت إلى كل ما تحلم به أي طبيبة في الهند من ناحية المادة و مستوى المعيشة المتقدم ... سيارة فاخرة .. بيت كبير في بندره بمدينة بومباي .. راتب شهري يزيد جدا عما يجب أن تكون عليه حاملة الدكتوراه من أمريكا ... ربيت راج تربية صارمة جدا .. كنت اختار له كل شيء منذ أن كان طفلا مرورا بمرحلة المراهقة وحتى هذه اللحظة وهو في بداية العشرينات .. ملابسه .. قصة شعره ... وحتى كلية الطب فرضتها عليه فرضا .. فرضت عليه الفتاة التي يجب أن تكون زوجته .. ولكن راج عند هذه النقطة عصاني .. نعم يمكنك أن تفرض على أي شخص أي شيء إلا أن تفرضعليه أن يحب أو يكره .

    هذه مشكلة كل أم في العالم تربي ابنا وحيدا .. هي تفني عمرها كله من أجله فقط لتأتي طفلة من صاحبات الصدور غير المكتملة لتأخذه على طبق من ذهب .. فقط لأنها ضحكت له ذات مرة في بلاهة .. لن أسرد لكم تلك الدراما الاجتماعية المألوفة .. أنتم في غنى عن كل هذا .. بل إن كل هذا سخف بشر .. ولست هنا للحديث عن سخف بشر ... تعرفتم علي بما فيه الكفاية الآن ... ما أنا هنا للحديث عنه هو الطوق الذي سينقلكم من بحر السخف الذي تعيشون فيه إلى بر الرقي .. أنا هنا لأحدثكم عن البورفوريا ... وتذكروا هذه الكلمة جيدا .

    إن الدم مخلوق عظيم .. هو ليس مجرد سائل كما تقول كتبكم ... بل إنه مخلوق .. لأنه حي .. كل شيء فيه حي .. بداية بالبروتينات الجانبية التي تنقل الغذاء وانتهاء بالخلايا البيضاء الدفاعية ... لقد نوهت لك أنني استشارية في أمراض الدم .. تعلمت الدم في أرقى مدارسكم العالمية .. علمتموني أن البورفوريا مرض خبيث يصيب الدم و يجب التخلص منه قبل أن يتفاقم .. و بذلتم جهودا خرافية لعلاجه حتى نجحتم وببراعة .. إن البورفوريا أيها الجهلة هي حالة مقدسة تمر بها دماؤكم البشرية لترتقي .. أنتم تذكرونني بالشخص الذي اكتشف جذوة نار دافئة في صحراء شديدة البرودة فأطفأها ظنا منه أنها ربما ستحرقه .

    فلنر ماذا تقول كتبكم ؟ تقول أن الدم ببساطة يتركب من مادة معقدة نوعا ما تدعى هيموجلوبين .. و أن الجسم يصنع هذه المادة ذات الاسم المعقد من مادة أبسط تدعى هيم ...هذا ما تتشدقون به ليل نهار ... لكن عندما يحدث تحور غير مفهوم – كما تقولون - في مادة الهيم البسيطة ، فإنها لا تصنع هيموجلوبين في النهاية بل تؤدي لصنع مواد أخرى غريبة – كما تقولون – أحدها يدعى البورفرين ... وهذا الأخير عندما يتراكم في الدم يوصله لحالة مرضية – كما تقولون – تدعى البورفوريا .

    علمتمونا كيف نعرف مريض البورفوريا عندما نراه أمامنا ؟ ألم رهيب في البطن .... قيء متكرر .. ثم نلاحظ أن المريض زادت نسبة الشعر في وجهه .... و أصبح حساسا جدا لأي ضوء .. ثم وفي النهاية يلتوي ناباه و يزيدان في الطول ... بعدها تبدأ حاجته إلى الدماء تزيد شيئا فشيئا ... هل يذكركم هذا بشيء ؟ بالطبع أنتم تأخذون هذا المريض إلى عياداتكم و تعطونه كل الدماء التي يحتاج إليها بأسلوب طبي ثم تعزلوه عن الناس حتى لا تعدي حالته أحدا ... و تعالجونه حتى يعود إلى طبيعته .

    ما لا تقوله كتبكم ولن تصل إليه عقول علماؤكم هو أن من تأتيه البورفوريا يبدأ دمه في التحور من الدم البشري ليصبح ذا طبيعة أخرى أكثر رقيا ... طبيعة الفامباير .. أو كما تسمونه في مصطلحاتكم الناقصة بمصاص الدماء .. أنتم أطلقتم هذا الاسم لأول مرة على الامبراطور فلاد الثالث ، امبراطور مقاطعة والاشيا برومانيا والذي أسميتموه ( دراكيولا ) أو الشيطان .. رغم أنه لا علاقة تربطه بالشياطين .. إن السيد فلاد ليس أسطورة خيالية ... لقد ارتقى السيد فلاد وتحور من الطبيعة البشرية إلى طبيعة الفامباير المقدسة .. بل و أصبح أشهر فامباير بالنسبة إليكم .. ليس هو كبير عشيرة الفامباير كما هداكم خيالكم المريض .. هو فقط أكثرهم شهرة .... بالطبع استلهمتم من شخصيته الكاسحة أفلاما و روايات لا عدد لها .. وجنيتم من وراءه أموالا لا حصر لها كعادتكم البشرية المعروفة .

    كثير من البؤساء المشهورين أتاهم ذلك النداء – البورفوريا – لكنكم حطمتموه قبل اكتماله ... و أشهرهم الملك جورج الثالث و جدته ماري ستيوارت ... أنتم تظنون أن الفامباير هي أجناس مرعبة و مؤذية كالجن و الشياطين .. هذه حماقة .. إن هدف مصاص الدماء .. أي مصاص دماء هو ترقية البشرية و إعطائهم شرف الوصول إلى الحالة التي وصل هو إليها ... فيما سيأتي سأحكي تجربتي الشخصية مع البورفوريا .. أنا ارتقيت من استشارية بشرية شهيرة حمقاء إلى أكبر مصاصة دماء في الهند بأكملها .

    بدأ كل شيء بالصدفة ... في السنين الأولى من عملي بمستشفى العائلة المقدسة .. بالمناسبة هذا مجرد اسم وضعوه للمستشفى لكنها لا تتعلق بأي عائلات مقدسة ..بدأت الحكاية عندما دخلت على عيادتي الشهيرة فتاة متوسطة الجمال في مرحلة المراهقة .. فاتحة اللون عكس معظم فتيات الهند و ذات عيون بنية يائسة .. تملك شعرا أصفر جميلا تجعله كبنات المدارس الصغيرات حيث ترى خصلتين يخرجان من الشعر كقرون الاستشعار .... كانت تبدو مريضة جدا .. اللون الأصفر الشاحب ينطق من وجهها المراهق ويعطي تأثيرا دراميا مع لون شعرها .. أنا استشارية أمراض دم .. ومجيء هذه الفتاة عندي يعني أنه تم اكتشاف أن لديها غالبا فقر دم ككل الفتيات اللواتي يأتين إلي كل يوم ويتبين أن لديهم نوع من أنواع فقر الدم الخمسة .. لكن ومنذ نطقت الفتاة كلماتها الأولى اتضح لي أنها حالة من الحالات التي يعرف الطبيب أنها ستستهلك الكثير من وقته بالفعل .

    بورفوريا .. هذا مؤكد .. رأيت حالات بورفوريا نادرة فيما سبق من حياتي كان معظمها أثناء إنهائي لرسالة الماجيستير في لندن .. مريض يشكو من الآم في البطن و يحكي عن هلاوس يراها ويسمعها طيلة الوقت لدرجة أن معظمهم يتم تحويلهم للعيادة النفسية لتشارك في العلاج ... كانت الفتاة تدعى ريا .. وهذا كل ما تهمك معرفته حاليا .
    كانت ريا هي أول حالة بورفوريا أراها في الهند .. وقد تصرفت كما تتصرف أي طبيبة استشارية تستحق مركزها وبدأت في طقوس العلاج بالترتيب الذي تعلمته و أعلمه لتلامذتي .. لكن ريا كانت تتصرف بحدة .. وترفض العلاج بقسوة إلى حد أننا كنا نكبلها على سرير المستشفى لنسقيها أو نحقنها العلاج بالقوة .. لا أفهم لماذا أتت إلينا لو كانت ترفض العلاج بهذه الطريقة .... كل ما قالته لنا هو أنها فتاة في السنة الأولى من الجامعة .. و أنها تريد أن ترتاح من آلامها .. و أن اسمها ريا .. و أنها هاربة من بيت أهلها مؤقتا .

    - مقدسة أنفاسنا .. مقدسة دماؤنا .. من الظلام المقدس أتينا .. و في الظلام المقدس نعيش .. وإلى الظلام المقدس نعود ...
    - ماذا تقولين يا ريا ؟
    - خلقنا منذ خلقت الدماء على الأرض .. محرم علينا النور .. محرم علينا الهرم ..
    - إلى متى ستعيشين وسط هذه الأوهام يا فتاتي ؟
    - دماؤكم غذاء أرواحنا .. منها نرتوي ... و ...
    - أفيقي يا ريا .. أفيقي ... فلترحمنا السماء
    - نهاركم ليل لنا .. و ليلكم نهار لنا ..
    - ريا ؟
    - نداؤنا شرف لكم .. فمنكم من يرضى الشرف .. ومنكم من يرضى العار ..

    لقد كانت ريا مصاصة دماء .. لم أكن أفهم شيئا وقتها .. كانت دماؤها تمر بالحالة الانتقالية المؤلمة التي يجب أن يمر بها أي فامباير.. لسبب ما كنت أقدم لها العلاج بشكل غير كامل .. ربما شفقة عليها و استجابة لرغباتها .. وربما فضول لأرى هذه الحالة الغريبة عن قرب .. رأيت كيف نمت لها شعيرات خفيفة ملحوظة على وجنتيها .. وكيف بدأت أنيابها تطول وتلتوي حتى أصبحت مخيفة فعلا .. وكيف كنت أكبلها على السرير فتجد قوة هائلة لفك القيد والانقضاض عليً ... أذكر كيف كانت شراستها حين خمشتني بأظفارها وفي وجهها ذلك التعبير الشبيه بالنمور ... وكيف حاول رجال الأمن إيقافها فاندهشوا من قوة جسدها الضعيف ثم أذكر كيف راوغتهم و هربت .. أذكر أيضا كيف تغيرت حياتي بعد تلك الليلة .. وكيف فهمت كل شيء على حقيقته .

    قرأت كل شيء كتب عن الفامباير و جنسهم .. وكان كل ما قرأته كلاما فارغا جدا ... يتحدثون عن قتلهم بالثوم و أن إبراز الصليب يؤذيهم .. أنا فامباير تحترم نفسها ... وهؤلاء لا يعرفون أنني الآن أمارس حياتي اليومية كأي إنسانة و أطبخ يوميا باستخدام الثوم ... ثم أنني أعلق صليبا ذهبيا صغيرا على رقبتي ... فرغم أنني هندية إلا أنني لا أؤمن بالهندوسية و دجلها .. فأنا من الطائفة المسيحية في الهند .. قرأت أيضا أن الفامباير لا يموتون ويعمرون أبد الدهر ... هراء .. نحن نموت كما تموتون تماما و حالتنا المقدسة لم تعط لنا أي ميزة فيما يتعلق بالعمر ... نحن فقط لا نهرم ولا نشيخ ... لكننا نموت بنفس الطرق التي تموتون بها ... قراءتي لكل هذه التفاهات زادني حيرة على حيرتي في تلك الأيام ... وزادتني تصميما على دراسة الأمر بنفسي عن قرب .

    طلبت من المستشفى أن أكون مسؤولة عن جميع حالات البورفوريا التي تأتي إلى المستشفى رغم وجود عدد من أطباء الدم الآخرين المتخصصين.. لكنني طلبت أن أكون مسؤولة عن هذه الحالات دون سواها .. كان المريض يأتي إليً بآلام في بطنه وهو لا يدري أن لديه بورفوريا .. وعندما أكتشفها باستمتاع ، أتركها تنمو بداخله ... بل لإنني كنت أحفزها وأزيد من سرعة تقدمها .. بمرور الوقت زادت خبرتي في التعامل مع هؤلاء المرضى .. مثلا تعلمت أن أكبل المريض إلى سريره بأغلال حديدية بينما أتابع حالته ... هل يبدو هذا شاذا ؟ دعني أخبرك بأمر لم أخبرك به سابقا .. أنا رئيسة قسم أمراض الدم في المستشفى .. وكل ما أريده ينفذ حرفيا .. خاصة عندما أطلب أن أختلي بالمريض في غرفة الكشف .. أو أن أمنع أي شخص من زيارته سواء من عائلته و أصدقاءه أو حتى الممرضات .. بدعوى الحرص على عدم العدوى التي أدعي أنها سريعة الانتقال بشكل مرعب .

    انتقلت من مرحلة دراسة الحالات إلى مرحلة الفهم الكامل ... هؤلاء المرضى يتحولون لمصاصي دماء .. بالطبع خلال تجاربي أراهم يصبحون شديدي العصبية عندما يتم تكبيلهم هكذا كالسجناء .. لكن هذه لم تكن أبدا مشكلة.. كنت دائما أحقنهم بأقوى أنواع المهدئات ... وعندما أعرف أنهم وصلوا للمرحلة النهائية من مرضهم و أصبحوا بعيدين نوعا ما عن كلمة بشر ، عندها وعندها فقط أطلقهم ..

    الغريب أنني لاحظت أنهم يتصرفون دائما كبشر عاديين يتحدثون ويتعاملون بشكل عادي .. والمفاجأة التي أظهرتها متابعتي الطبية الدقيقة لهم .. هي أن هناك أعصابا زائدة تنمو في أسنانهم .. وتحديدا حول منطقة الأنياب.. وهي تختلف عن كل أعصاب الأسنان في أنها أعصاب من النوع الإرادي .. تسمح لهم بتحكم إلى درجة ما في أنيابهم .. فهي تبرز إذا توحشوا أو تمت إثارتهم عصبيا أو جنسيا أو حتى تم حقنهم بمادة منشطة .. و تضمر عندما يكونون في حالتهم الطبيعية ..

    دائما هم يحتاجون إلى دماء .. ودائما أحقنهم بما يحتاجونه منها ... لكنني إذا حرمتهم منها يزداد توحشهم جدا ...أجدهم يحاولون إخفاء عصبيتهم في البداية كما يحاول أن يخفي أي إنسان عصبيته ... لكنهم في النهاية يتحولون لوحوش كاسرة تحتاج إلى التكبيل بمقابض من حديد .. وهم لا يقبلون بأي دماء .. بل الطازجة منها فقط .

    نعم كنت أدرسهم دراسة احترافية .. ربما أدت هذه الدراسة إلى قتل بعض منهم .. و إيذاء البعض الآخر إيذاء فادحا ... لكنني كنت قد فهمت كل التطورات العضوية التي تطرأ عليهم .. ما كنت أجهله هو بم يشعرون .. لأنني كنت أستغرب جدا أنهم يتعاملون بشكل عادي بريء جدا .. كأن في الأمر سر ما ..

    الحق أنني كنت قد بدأت أهابهم و أخافهم شيئا فشيئا .. وبدأت أحلامي تتحول لكوابيس يومية مليئة بالدماء السوداء .. كل ليلة أقوم من فراشي فزعة ... بعض الكوابيس تصفني كجثة لا حيلة لها وبدلا من أن تنهشها الغربان كما هي العادة أراني تنهشني مجموعة من مصاصي الدماء .. و أحيانا أخرى أراني وكأني أسمع نداء غريبا مسموعا مثل نداء الكنيسة .. ثم أراني أتجه إلى النداء في الشارع ويتبعني مجموعة من الناس بعضهم أعرفهم .. عشت ليال كثيرة أندم فيها على ما فعلت و أقسم أن أعود استشارية عادية كما كنت .. ثم إنني ظللت أسبح في بحر أفكاري هذا حتى استيقظت يوما شاعرة بألم رهيب في معدتي .

    تحول فزعي هذا فورا إلى هيستيريا .. ذهبت إلى المستشفى كالمجنونة لأخضع نفسي للتحاليل التي أطلب من مرضاي أن يجرونها عادة ... النتائج كلها سالبة ... لكن هذا لا يعني شيئا .. النتائج لا تكون موجبة في بداية ظهور المرض .. ربما في مرحلته الثانية .. وعلى الجانب الآخر قد يكون هذا ألم معدة عاديا .. خاصة أنني فقدت شهيتي تماما في الآونة الأخيرة .

    استمر ألم البطن .. و صاحبه قيء متكرر بشكل أشعرني بالضعف الشديد ... رقدت في سريري في تلك الأيام غير قادرة على الحراك إلا بصعوبة .. راج ابني كان قلقا جدا علي ... حتى أنه أعطى لنفسه إجازة من كليته ليبقى بجانبي .. كان يوصلني إلى المستشفى لأخضع للتحاليل يوميا .. النتائج سالبة ... دائما سالبة ..

    في الأيام التالية شعرت أنني أصبحت أكثر وعيا .. أقصد أنني صرت أكثر حساسية لكل شيء يدور حولي .. حساسيتي للأصوات زادت بشكل مزعج حتى أنني أصبحت أسمع صوت وقوف راج على عتبة باب المنزل قبل أن يفتح الباب و أنا راقدة على سريري في غرفتي وراء صوت المكيف ....حساسيتي للروائح أشعر أنها زادت كثيرا .. لكن الأهم هو حساسيتي للأضواء .. في البداية كنت أشعر بصداع عندما يكون نور الغرفة مضاء ... وفي النهار عموما ... ثم تحول الصداع إلى صداع رهيب ثم إلى ألم شديد في البشرة يشبه لسعة الاحتراق .. في ذلك اليوم أيضا كانت نتائج التحاليل كلها سلبية .. لا أصدق .. أنا في بورفوريا لا شك فيها ... أنا أكثر من يعرف البورفوريا عند رؤيتها .. هناك شيء ما مريب .... ثم أنني أهلوس كثيرا جدا ولولا أن رباطة جأشي عالية و عقلي متفتح لكنت جننت منذ زمن .

    لابد أن أموت .. لا أريد أن أكمل هذا السيناريو .. كل هذا السخف يجب نهاؤه .. . رأيت ابني راج دخل عليً مهموما .. طلبت منه بهيستيريا أن يقتلني ليريحني من كل هذا الألم .. لن يفهم أنني أتحول إلى مصاصة دماء و أنه هذا الغافل – غالبا - سيكون أول ضحية لي.. مستحيل .. هذا راج .. وهو أغلى عندي من ذاتي... بدا راج منفعلا مع كلامي ثم أخذ في تهدئتي بحنان لم آلفه فيه .. قال لي أنني سأكون بخير و أن نتائج تحاليل سالبة ولا تشير لوجود أي مرض قاتل أو غير قاتل ...لكنني كنت أصرخ في هستيريا .. وفي النهاية أضطر أن يعطيني حقنة مهدئة رغما عني حتى رحت في النوم .

    " خلقنا منذ خلقت الدماء على الأرض .. محرم علينا النور .. محرم علينا الهرم"

    استيقظت من النوم .. أنظر بنصف عين إلى الغرفة من حولي ... أرى راج نائما على أحد الكراسي القريبة.. هذا الفتى عاطفي بالفعل ... جل ما أفكر فيه الآن هو الانتحار .. هذه ستكون نهاية عادلة أكفر بها عن كل حماقاتي ... أخرجت شريط دواء مهديء و شرعت أخرج كل الحبوب منه .. أخرجت تنهيدة مريضة لم يسمعها سواي .. فجأة استيقظ راج ... نظر إلى بهدوء .. ثم تحولت ملامحه إلى الحدة والغضب عندما عرف ما أنتويه ... أخذ مني الحبوب بغلظة ورماها جانبا .. نظرت إليه باستغراب برهة .. ثم تحول هذا الاستغراب لغضب عارم .

    " مقدسة أنفاسنا .. مقدسة دماؤنا "

    صحت فيه بغلظة كما كنت أصيح فيه منذ صغره وأمرته أن يتركني أفعل ما أريد ... لكنه بدأ يتعلم العند معي هذا الفتى .. أمرته بغلظة أن يوصلني للمستشفى لأخضع للتحاليل مرة أخرى .. لكن راج زاد عناده .. وأنا زادت هيستيريتي .. و إذا به يقبل علي ليحتضنني و يهديء من روعتي فأخمشه بأظفاري و أضربه و أقاومه .. وهو يكبلني بحنان و يتحمل ما أفعله بصبر .. أصبحت شرسة لدرجة أنني جرحته عدة جروح في وجهه .. أمسك ابني راج بمحقن قريب بسرعة .. لكنني ضربت يده في غل ليطير المحقن بعيدا .. ثم صرخت فيه و خمشته مرة أخرى في وجهه ... لكن ما هذا ؟

    " نداؤنا شرف لكم .. فمنكم من يرضى الشرف .. ومنكم من يرضى العار "

    إن ابني راج فد توحش عليً فجأة ... و بدت ملامحه الوسيمة كملامح نمر حبيس ... ثم احتضنني بقوة شديدة لم أعهدها فيه ... نظرت له بدهشة ..فقط لو أن عيناي المرهقتين تخدعانني ... إن ابني راج له أنياب ... أنياب مقوسة تعتزم عنقي .... إن ابني الحبيب راج له عينان مخيفتان .. وعيناه هاتان تحمل رعبا و شراسة لا حد لهما .. انقض ابني راج على ً... أنستني الدهشة أنه يجب أن أقاوم لأبقى .. هذا ابني ... إن قواي تخور مني ... شيء ما تذكرته الآن بسرعة .. دائما راج هو الذي كان يخبرني بنتائج التحاليل جميعها .. ولم أكن أرى ضرورة للنظر فيها بعد كلماته الواثقة .. استسلمت له تماما ... لا أشعر بالألم .. بل بالخدر اللذيذ يسري في عروقي كلها .. أود أن أشعر بهذا الشعور طيلة حياتي ... ثم إنني أغلقت عيني بهدوء واستسلام تامين .. ثم إن راج حملني ووضعني على سريري ببطء .. وطبع على جبيني قبلة حب ورضا .


    تمت




    سأرتاح من الكتابة في شهر رمضان

  • #2
    الرد: من حكايات زورك نيميسيس .. حكاية الدماء المقدسة

    شكرا لك اخي الفاضل
    حمدا لله على سلامتك
    لي عوده
    دمت بخير

    تعليق


    • #3
      الرد: من حكايات زورك نيميسيس .. حكاية الدماء المقدسة

      مازلت أتابع حرفك أسير خلفه أحيانا وغالبا أسكن دأخله قد تحول حبى فيه عاده

      أعاهدك أننى ساكون هنا د

      دأئما

      طالما أتنفس بقوه



      تحياتى

      تعليق


      • #4
        الرد: من حكايات زورك نيميسيس .. حكاية الدماء المقدسة

        أشكرك عزيزي الشاعري ... على كل شيء في الواقع ... أتمنى أن أكون دائما عند حسن ظنك


        سأرتاح من الكتابة في شهر رمضان

        تعليق

        تشغيل...
        X