
فن الحياة
الزمن يتجدّد: ليل ونهار، وصيف وشتاء، حر وبرد، مطر وصحو.
المكان يتجدّد: جبل وسهل، رابية وهضبة، غابة وصحراء، نهر وغدير.
الألوان تتجدّد: أبيض وأسود، أحمر وأصفر، أخضر وأزرق.
الحياة تتجدّد: فرح وحزن، محنة ومنحة، ولادة وموت، غنى وفقر، سلم وحرب، رخاء وشدة.
كان المأمون ينتقل في بيته وهو يقرأ، وأنشد قول أبي العتاهية:
النفس نفورة، والطبيعة متقلبة، والمزاج يتضجر، فحاول أن تكون مسافراً خرّيتاً، وتاجراً صيرفياً، تأخذ من كل شيء أحسنه، ومن كل فن أجمله.
إنّ كدّ النفس على طريقة واحدة، ونسج واحد، قتل لإشراقها وأشواقها، وإن أخذ الطبيعة بالصرامة المفرطة والجد الصارم انتحار لها.
ولكن ساعة وساعة، إن هناك بدائل من أعمال الخير، وأصول الفضائل، وسنن الهُدى، يمكن للعبد أن ينتقل بين حقولها، ويراوح بين جداولها.
ما أحسن الحديقة يوم تضم أشكال الزهور، وأنواع الفواكه، وسائر الأذواق والطعوم، وكذلك حالات النفس وأطوارها، لابد أن يكون عندها من سعة الأفق، ورحابة المعرفة، ووسائل الحياة، وصنوف الهيئات المباحة ما يسعدها.
وإن كبت النفس في مسارات ضيقة، ورتابة باهتة، ما أنزل الله به من سلطان، يجعل النفس ذاوية منهكة محطمة: (( وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ))[الحديد:27].
والأجدر بالأنسان أن يضرب في كل غنيمة من أعمال الخير والبر بسهم:
لماذا لا نستثمر عيوننا الجميلة وأيدينا القوية وقلوبنا الحية في صنع حياة كريمة؛ إنّ عندنا مواهب ربانية عظيمة لكن الكثير يعطلها ولا يستثمرها فيعيش منكداً محروماً فلله الحمد على ما أنعم به .
فضيلة الشيخ الدكتور عائض القرني
تعليق