في مختلف الدراسات الإستراتيجية تحذير دائم من إغفال الأهداف أو الحيدة عنها. وهو أمر مفهوم لأن الإستراتيجيات معنية بالكليات والمقاصد النهائية. الأمر الذي يستدعي سؤالا جوهريا ينبغي أن يطرحه الباحث على نفسه دوما هو:
هل الوسائل والسياسات المتبعة تقرب من الأهداف المنشودة أم تباعد عنها؟
لدينا مستويان في الإجابة عن السؤال.
إذ لابد أن نسجل أن المضي في إجراء الانتخابات التشريعية وإنجاز المرحلتين الأولى والثانية يشكل تقدما مهما باتجاه نقل السلطة إلى المدنيين. وإن ذلك حدث رغم عدم استقرار الوضع الداخلي، ورغم تخويف البعض من إجراء الانتخابات والتحذير من احتمالات الفوضى التي تغرق البلاد في بحر الدماء، وهي التلويحات التي كانت قد رددتها بعض المنابر الإعلامية وحذر منها عدد غير قليل من المثقفين.
من هذه الزاوية فإن واجب الوقت الذي ينبغي أن تؤديه الجماعة الوطنية هو مساندة تلك المسيرة ودفعها لإنجاز المرحلة الثالثة، ومن ثم تشكيل أول نواة منتخبة في مسار تأسيس النظام الديمقراطي الجديد.
المستوى الآخر يتعلق بالحراك الحاصل في المجتمع بالأخص في دوائر المتظاهرين والنخبة والإعلام. وإذ نلاحظ أن الانفعال والغضب من سمات حركة المتظاهرين الذين قد نعذرهم في بعض الحالات، فإننا نجد النخبة مستغرقة في تصفية حساباتها،
أما الإعلام فأغلب ما يصدر عنه يدور في فلك صب البنزين على النار، ومواصلة إشعال الحرائق وتأجيجها. وحصيلة ذلك كله لا تخدم هدف نقل السلطة إلى المدنيين، إذا لم تؤدِ إلى تعويق ذلك الهدف وتأجيله.
إننا في أشد الحاجة إلى الاستعانة بموازنات الأصوليين في التعامل مع تحديات المرحلة القادمة. تلك التي تتحدث عن الموازنة بين المفاسد بما يحبذ القبول مؤقتا بمفسدة صغرى خشية أن يترتب على إصلاحها وقوع مفسدة كبرى،
أو احتمال الضرر الأصغر لتجنب الضرر الأكبر.
أو تلك التي تتحدث عن تقديم درء المفسدة على جلب المصلحة.
إذا أردنا تنزيل هذه الفكرة على أرض الواقع فإنني أزعم أن مسؤولية الحفاظ على الثورة تفرض على الغيورين عليها أن يصوبوا وجهتهم بحيث يصبح إتمام الانتخابات وتسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة هو المصلحة الكبرى قد يتطلب تحقيقها احتمال وتمرير بعض المفاسد الصغرى.
وما لم يحدث ذلك فاللحظة التاريخية مهددة بأن تفلت من أيدينا، بحيث لا تبقى لنا ثورة بل قد لا تبقى لنا دولة.
وهو أمر مقلق ومحزن أن نشكو في البداية من افتقاد الثورة للرأس، ثم بعد مضي عشرة أشهر نخشى على الثورة من ضياع الهدف.
اترك التعليق: