--------------------------------------------
إهدار الحريات الأكاديمية و هجرة العقول العراقية
دراسات حول مستقبل كوردستان والعراق لبناء المجتمع المدني
الدكتور منذر الفضل
· استاذ مشارك القانون المدني – كلية القانون بجامعة بغداد
· محاضر على طلبة الماجستير والدكتوراه وطلبة المعهد القضائي
· مساعد عميد كلية الحقوق – جامعة عمان – الاردن
· رئيس قسم القانون الخاص – جامعة الزيتونه – الاردن( سابقا )
Visiting Associate professor of Middle East law-London
Legal adviser - Stockholm
مقدمة Introduction
لعل من أهم القواعد الأساسية لتطور المجتمعات والدول و بناء مقومات دولة المؤسسات الدستورية هو احترام الحريات الأكاديمية وصيانتها وعدم تسيس التعليم أو عسكرته. وهذا الموضوع له صله وطيدة مع احترام حقوق الإنسان وخضوع الدولة والأفراد للقانون. والمقصود بالحرية الأكاديمية هي حرية أعضاء الهيئة الأكاديمية للوصول إلى مختلف علوم المعرفة والتطورات العلمية وتبادل المعلومات والأفكار والدراسات والبحوث والإنتاج والتأليف والمحاضرات وفي استعمال مختلف وسائل التطور الحديثة ودون تقييد أو حواجز وصولا لخير المجتمع والإنسان.
أي نقصد بذلك رفع القيود عن الباحثين والمفكرين وأساتذة الجامعات والمعاهد في توفير المعلومات والاطلاع عليها وفي إبداء الآراء ومناقشتها ونقدها ورفع قيود التأليف والإبداع الفكري عنهم وصولا إلى التطور العلمي الذي يهدف إلى خدمة الإنسان وهذا الأمر جزء مهم من حقوق البشر في حقهم بالمعرفة الثابت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والدساتير والقوانين. ولذلك اصبح مفهوم الحرية الأكاديمية من الالتزامات الدولية والقانونية على الدول ووجوب مراعاتها واحترامها.و لا نقصد بذلك إشاعة الفوضى و إنما تعزيز مقومات الإبداع الفكري والبحث العلمي ضمن أسس وقواعد النظام العام والآداب العامة وقيم المجتمع المتعارفة ووفقا للقانون.
وهذه الحريات الأكاديمية يتمتع بها الجميع مهما كانت أعراقهم ومذاهبهم ومعتقداتهم السياسية ولا دخل للون بشرتهم في ذلك و لا يجوز أن تكون دياناتهم أو جنسهم أو أي اعتبار أخر مانع من موانع الوصول إلى المعرفة لأنها حق للجميع. فلكل شخص الحق في حرية التفكير وحرية التعبير والضمير والوصول إلى مصادر المعرفة المختلفة.
وقد نصت المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ( لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير , ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون تدخل , واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقييد بالحدود الجغرافية).
غير انه قد ثبت أن الأنظمة الدكتاتورية – ومنها نظام صدام – تضع القيود والموانع المختلفة على مصادر المعرفة و أهدرت و تهدر الحريات الأكاديمية بهدف تطبيق سياستها القمعية وتوطيد دعائم فلسفتها الاستبدادية في محاربة كل قنوات الفكر والحرية العلمية والتفكير الحر وأشكال الإبداع والتأليف والبحث العلمي إلا ما يتناسب ونمط الحكم الدكتاتوري مثل الثقافة الشمولية وفرض العقيدة أو المذهب السياسي وعسكرة الثقافة المقترنة بثقافة الخوف وعبادة الفرد ذلك لآن حرية التفكير والإبداع ورفع القيود عن مصادر المعرفة هي العدو الأول للأنظمة الدكتاتورية وهي مصدر الخطر على وجودها.
ولان الإنسان ميال بطبعه إلى الحرية والبحث عن الحقيقة والمعرفة والتخلص من القيود الفكرية التي تحجر التفكير الإنساني أو تقمعه , ولان البشر يحبون السلام والأمن والاستقرار ويرفضون القمع والعبودية والاستبداد , وبخاصة أصحاب العقول أو شغيلة الفكر والشباب والأكاديميين , فقد غادر العراق عشرات الآلاف منهم بحثا عن الأمان والحرية و تطلعا إلى ممارسة حقهم الإنساني في العيش بسلام واستقرار وهو من المؤشرات الخطيرة على إهدار الحقوق والحريات الأكاديمية في العراق . ولان هذا الموضوع له صلة وطيدة بالعقول التي هاجرت من العراق فلابد من التركيز في الكلام عليها لأنها ثروة مهمة ليس من السهل تعويضها.
فقد اضطر مئات الآلاف من العراقيين ركوب البحر والبر والجو وتحمل المخاطر وصولا إلى شاطئ الأمان والحرية ووصولا لمجتمع يسود فيه القانون بعد ضاقوا صنوف العذاب والاضطهاد والاستبداد في العراق , فمات من مات وهلك من هلك ووصل من وصل إلى بلدان العالم المختلفة حتى بلغ عدد اللاجئين العراقيين في ألمانيا و في السويد مثلا من أعلى أرقام طالبي اللجوء في العالم كان بينهم القضاة و الأطباء والأساتذة الجامعيين والوزراء السابقين والضباط ومن مختلف الأعمار والمهن والكفاءات ومن مختلف القوميات والمذاهب والأديان والاتجاهات الفكرية .ولذلك فقد حصلت – بفعل سياسة النظام الدكتاتوري- اكبر هجرة في تاريخ العراق وربما منطقة الشرق الأوسط.
ونظرا لوجود ظاهرة إهدار الحقوق والحريات الأكاديمية في العراق بصورة كبيرة وتزايد أشكال القمع بصورة خطيرة في الوسط العلمي والجامعي وضد المفكرين والأدباء والفنانين والشباب وغيرهم , لابد من اللقاء الضوء على أهم نتيجة من نتائج إهدار الحقوق والحريات الأكاديمية في العراق وهي هجرة العقول من العراق بصورة لم يسبق لها مثيل ومحاولة التعرف على بعض أسبابها وسبل معالجتها للوصول الى طرق احترام الحريات الأكاديمية في عراق المستقبل القائم على احترام حقوق الإنسان والتعددية الدينية والمذهبية والعرقية والسياسية والفكرية في ظل دولة القانون .
وقبل أن ندخل في الموضوع لابد من القول أن للاستقرار السياسي في كردستان العراق ولترتيب البيت الكردي في ظل الفيدرالية التي اختارها الشعب الكردي ممثلا بالبرلمان عام 1992 كأسلوب للعلاقة مع الحكومة المركزية في بغداد تأثيرها الكبير على توفير هامش كبير من الحرية في التعبير وإبداء الرأي والتأليف والإبداع والوصول إلى مصادر المعرفة وتوفير وسائل الاتصال مثل الانترنيت وأجهزة الكومبيوتر واحترام الحرية الأكاديمية ونأمل أن يتوفر في ظل حكومة الإقليم في كردستان العراق المزيد من السلم والاستقرار والكثير من مقومات حماية الحقوق والحريات الأكاديمية بما يستقطب جميع الكفاءات من الكرد ومن العرب ومن القوميات الأخرى لخدمة الشعب الكردي ولمؤسساته العلمية الفتية لان في خدمتها خدمة للعراق أيضا وهو تجسيد للوحدة الوطنية .
وإننا نناشد بحرارة القيادة الكردية الموقرة في كردستان العراق إلى القيام بعملية استقطاب العقول العراقية والكفاءات المهاجرة من الأطباء والمهندسين والأساتذة الجامعيين والأدباء والفنانين وكل العقول والشباب وتشجيعها على العودة إلى كردستان لتوظيف خبراتها وكفاءاتها لخدمة الشعب الكردي ولدعم مؤسساته وحكومته والقيام بنهضة علمية وفكرية وثقافية طبقا لقانون وليكن (( قانون عودة الكفاءات العراقية إلى كردستان )).فإذا عادت هذه الكفاءات العراقية إلى كردستان وتوفرت لها مقومات الحرية الأكاديمية والبحث العلمي الحر في ظل السلام والاستقرار والمتطلبات الأخرى للعيش , فان كردستان العراق ستكون واحة من واحات الحرية و تجربة تعززت مقوماتها في الفيدرالية ونموذجا يقتدى به مما ينعكس أثرة على نهضة وازدهار كردستان وهو من الغايات النبيلة المنشودة
تعليق