اعلان

Collapse
لا يوجد إعلان حتى الآن.

هجرة العقول العراقية

Collapse
X
 
  • تصنيف
  • الوقت
  • عرض
Clear All
إضافات جديدة

  • هجرة العقول العراقية

    وجدت هذا البحث في احد المواقع ووجدت ان اطلعكم عليه
    --------------------------------------------
    إهدار الحريات الأكاديمية و هجرة العقول العراقية
    دراسات حول مستقبل كوردستان والعراق لبناء المجتمع المدني

    الدكتور منذر الفضل
    · استاذ مشارك القانون المدني – كلية القانون بجامعة بغداد
    · محاضر على طلبة الماجستير والدكتوراه وطلبة المعهد القضائي
    · مساعد عميد كلية الحقوق – جامعة عمان – الاردن
    · رئيس قسم القانون الخاص – جامعة الزيتونه – الاردن( سابقا )
    Visiting Associate professor of Middle East law-London
    Legal adviser - Stockholm



    مقدمة Introduction
    لعل من أهم القواعد الأساسية لتطور المجتمعات والدول و بناء مقومات دولة المؤسسات الدستورية هو احترام الحريات الأكاديمية وصيانتها وعدم تسيس التعليم أو عسكرته. وهذا الموضوع له صله وطيدة مع احترام حقوق الإنسان وخضوع الدولة والأفراد للقانون. والمقصود بالحرية الأكاديمية هي حرية أعضاء الهيئة الأكاديمية للوصول إلى مختلف علوم المعرفة والتطورات العلمية وتبادل المعلومات والأفكار والدراسات والبحوث والإنتاج والتأليف والمحاضرات وفي استعمال مختلف وسائل التطور الحديثة ودون تقييد أو حواجز وصولا لخير المجتمع والإنسان.

    أي نقصد بذلك رفع القيود عن الباحثين والمفكرين وأساتذة الجامعات والمعاهد في توفير المعلومات والاطلاع عليها وفي إبداء الآراء ومناقشتها ونقدها ورفع قيود التأليف والإبداع الفكري عنهم وصولا إلى التطور العلمي الذي يهدف إلى خدمة الإنسان وهذا الأمر جزء مهم من حقوق البشر في حقهم بالمعرفة الثابت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والدساتير والقوانين. ولذلك اصبح مفهوم الحرية الأكاديمية من الالتزامات الدولية والقانونية على الدول ووجوب مراعاتها واحترامها.و لا نقصد بذلك إشاعة الفوضى و إنما تعزيز مقومات الإبداع الفكري والبحث العلمي ضمن أسس وقواعد النظام العام والآداب العامة وقيم المجتمع المتعارفة ووفقا للقانون.
    وهذه الحريات الأكاديمية يتمتع بها الجميع مهما كانت أعراقهم ومذاهبهم ومعتقداتهم السياسية ولا دخل للون بشرتهم في ذلك و لا يجوز أن تكون دياناتهم أو جنسهم أو أي اعتبار أخر مانع من موانع الوصول إلى المعرفة لأنها حق للجميع. فلكل شخص الحق في حرية التفكير وحرية التعبير والضمير والوصول إلى مصادر المعرفة المختلفة.
    وقد نصت المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ( لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير , ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون تدخل , واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقييد بالحدود الجغرافية).
    غير انه قد ثبت أن الأنظمة الدكتاتورية – ومنها نظام صدام – تضع القيود والموانع المختلفة على مصادر المعرفة و أهدرت و تهدر الحريات الأكاديمية بهدف تطبيق سياستها القمعية وتوطيد دعائم فلسفتها الاستبدادية في محاربة كل قنوات الفكر والحرية العلمية والتفكير الحر وأشكال الإبداع والتأليف والبحث العلمي إلا ما يتناسب ونمط الحكم الدكتاتوري مثل الثقافة الشمولية وفرض العقيدة أو المذهب السياسي وعسكرة الثقافة المقترنة بثقافة الخوف وعبادة الفرد ذلك لآن حرية التفكير والإبداع ورفع القيود عن مصادر المعرفة هي العدو الأول للأنظمة الدكتاتورية وهي مصدر الخطر على وجودها.
    ولان الإنسان ميال بطبعه إلى الحرية والبحث عن الحقيقة والمعرفة والتخلص من القيود الفكرية التي تحجر التفكير الإنساني أو تقمعه , ولان البشر يحبون السلام والأمن والاستقرار ويرفضون القمع والعبودية والاستبداد , وبخاصة أصحاب العقول أو شغيلة الفكر والشباب والأكاديميين , فقد غادر العراق عشرات الآلاف منهم بحثا عن الأمان والحرية و تطلعا إلى ممارسة حقهم الإنساني في العيش بسلام واستقرار وهو من المؤشرات الخطيرة على إهدار الحقوق والحريات الأكاديمية في العراق . ولان هذا الموضوع له صلة وطيدة بالعقول التي هاجرت من العراق فلابد من التركيز في الكلام عليها لأنها ثروة مهمة ليس من السهل تعويضها.
    فقد اضطر مئات الآلاف من العراقيين ركوب البحر والبر والجو وتحمل المخاطر وصولا إلى شاطئ الأمان والحرية ووصولا لمجتمع يسود فيه القانون بعد ضاقوا صنوف العذاب والاضطهاد والاستبداد في العراق , فمات من مات وهلك من هلك ووصل من وصل إلى بلدان العالم المختلفة حتى بلغ عدد اللاجئين العراقيين في ألمانيا و في السويد مثلا من أعلى أرقام طالبي اللجوء في العالم كان بينهم القضاة و الأطباء والأساتذة الجامعيين والوزراء السابقين والضباط ومن مختلف الأعمار والمهن والكفاءات ومن مختلف القوميات والمذاهب والأديان والاتجاهات الفكرية .ولذلك فقد حصلت – بفعل سياسة النظام الدكتاتوري- اكبر هجرة في تاريخ العراق وربما منطقة الشرق الأوسط.

    ونظرا لوجود ظاهرة إهدار الحقوق والحريات الأكاديمية في العراق بصورة كبيرة وتزايد أشكال القمع بصورة خطيرة في الوسط العلمي والجامعي وضد المفكرين والأدباء والفنانين والشباب وغيرهم , لابد من اللقاء الضوء على أهم نتيجة من نتائج إهدار الحقوق والحريات الأكاديمية في العراق وهي هجرة العقول من العراق بصورة لم يسبق لها مثيل ومحاولة التعرف على بعض أسبابها وسبل معالجتها للوصول الى طرق احترام الحريات الأكاديمية في عراق المستقبل القائم على احترام حقوق الإنسان والتعددية الدينية والمذهبية والعرقية والسياسية والفكرية في ظل دولة القانون .
    وقبل أن ندخل في الموضوع لابد من القول أن للاستقرار السياسي في كردستان العراق ولترتيب البيت الكردي في ظل الفيدرالية التي اختارها الشعب الكردي ممثلا بالبرلمان عام 1992 كأسلوب للعلاقة مع الحكومة المركزية في بغداد تأثيرها الكبير على توفير هامش كبير من الحرية في التعبير وإبداء الرأي والتأليف والإبداع والوصول إلى مصادر المعرفة وتوفير وسائل الاتصال مثل الانترنيت وأجهزة الكومبيوتر واحترام الحرية الأكاديمية ونأمل أن يتوفر في ظل حكومة الإقليم في كردستان العراق المزيد من السلم والاستقرار والكثير من مقومات حماية الحقوق والحريات الأكاديمية بما يستقطب جميع الكفاءات من الكرد ومن العرب ومن القوميات الأخرى لخدمة الشعب الكردي ولمؤسساته العلمية الفتية لان في خدمتها خدمة للعراق أيضا وهو تجسيد للوحدة الوطنية .
    وإننا نناشد بحرارة القيادة الكردية الموقرة في كردستان العراق إلى القيام بعملية استقطاب العقول العراقية والكفاءات المهاجرة من الأطباء والمهندسين والأساتذة الجامعيين والأدباء والفنانين وكل العقول والشباب وتشجيعها على العودة إلى كردستان لتوظيف خبراتها وكفاءاتها لخدمة الشعب الكردي ولدعم مؤسساته وحكومته والقيام بنهضة علمية وفكرية وثقافية طبقا لقانون وليكن (( قانون عودة الكفاءات العراقية إلى كردستان )).فإذا عادت هذه الكفاءات العراقية إلى كردستان وتوفرت لها مقومات الحرية الأكاديمية والبحث العلمي الحر في ظل السلام والاستقرار والمتطلبات الأخرى للعيش , فان كردستان العراق ستكون واحة من واحات الحرية و تجربة تعززت مقوماتها في الفيدرالية ونموذجا يقتدى به مما ينعكس أثرة على نهضة وازدهار كردستان وهو من الغايات النبيلة المنشودة
    the Last Great Architect
    LGA

  • #2
    تتمة
    وفي ( حزيران ) من عام 1999 اصدر الرئيس العراقي صدام حسين أمرا بالعفو عن جميع المدرسين الجامعيين الذين غادروا العراق بصورة غير مشروعة وإسقاط كافة الإجراءات القانونية المترتبة عليهم بعد عودتهم إلى العراق. وقد نشر هذا العفو في صورة (( مكرمة من الرئيس صدام )) .أعقبه تصريحات عدد من المسؤولين في وزارة الخارجية و التعليم العالي توضح إعلاميا مزايا – المكرمة – والإجراءات السريعة الجديدة لتجديد جوازات السفر العراقية في السفارات …

    وقبل أن نناقش هذا القرار الذي يمس الألوف- أو اكثر - من العقول العراقية غادروا العراق لظروف سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو لانعدام ضمانات الحياة ومنها انتهاكات حقوق الإنسان و إهدار الحقوق والحريات بكل صورها أو لظروف عديدة لا يتسع المجال هنا لذكرها مفصلا حيث أن الكثير منها معروفة للقارئ الكريم , لا بد من القول أن هناك حوالي 3 مليون عراقي أو اكثر غادروا العراق منذ عام 1963( وهي فترة حكم البعث الأولى ) وقبل وبعد الحرب بين إيران والعراق وبخاصة بعد حرب الخليج الثانية وكانت المغادرة قهرا أو طوعا أو تهجيرا خلافا لقواعد القانون الدولي وانتشروا في كل بقاع الأرض بأوصاف متعددة .كما أن البعض منهم غادر ضمن وفود رسمية و فضل البقاء في المنفى و عدم العودة للعراق.

    وإذا كانت هناك ظاهرة معروفة من المثقفين العرب تخص هجرة العقول من البلدان العربية لاسباب كثيرة , لعل أهمها تباين احترام حقوق الإنسان في هذه البلدان , عدا الظروف الاقتصادية و السياسية و إهدار الحقوق والحريات الأكاديمية والعوامل الأخرى , فان الذي يلفت الانتباه هو هجرة العقول العراقية من العراق و محاولة ((مسك الحقيقة من ذيلها )) كما يقال دون الوقوف على الأسباب الجوهرية للمشكلة القائمة و دون تدارك حقيقة الخطر على مستقبل العراق و أجياله في هدر هذه الثروة البشرية المهمة .فقد عانت لبنان من هذه المشكلة بعد الحرب الأهلية التي اشتعل فتيلها في منتصف السبعينات و تركت أثارها على الإنسان و الدولة والمجتمع اللبناني و على رؤوس الأموال أيضا لعدم توفر الاستقرار آنذاك و بسبب ظروف الحرب .وعانت الجزائر أيضا من هذه المشكلة بفعل عوامل عديدة منها العامل السياسي و الاقتصادي و عوامل أخرى .

    ولغرض إلقاء الضوء بحرية على هذه المشكلة الوطنية والقومية , لأنها ثروة ثمينة لابد من الحفاظ عليها ,يلزم منا التعرف أولا على المقصود بالعقول العراقية وثانيا بيان أسباب هجرتها وثالثا إعطاء بعض الحلول و التصورات عسى أن تنفع في حل المشكلة و تسهم في الهجرة المعاكسة إلى العراق وتعود الطيور المهاجرة إلى أعشاشها .

    القسم الأول
    تحديد المقصود بالعقول العراقية المهاجرة

    يراد بالهجرة من الناحية اللغوية هي الخروج من بلد إلى أخر ويسمى الشخص مهاجرا أي هجر من البلد وعنه فيترك الشخص البلد ليكون مهاجرا يعيش في ارض أخرى بفعل ظلم ظالم لا يعرف الرحمة أو المغادرة إلى ارض ثانية طلبا للأمن والسكينة والعدل والعدالة. والهجرة ليست جديده أو حديثة العهد في المنطقة العربية أو العراق أو البلاد الإسلامية , فقد هاجر الرسول محمد ( ص) من مكة إلى المدينة وهاجر العديد من المسلمين إلى اليمن والحبشة هربا من الظلم وطلبا للآمان وهاجر الصحابة وفقهاء العلم بعد أن تعرضوا للاضطهاد من الحكام أو السلاطين .
    ومن الطبيعي القول أن هذه الهجرة – ومنذ القدم – سببها يعود إلى وجود الظلم والاضطهاد ضد الأخر , أي ضد حرية الرأي وضد حرية التعبير والتفكير الحر , وقد بين ابن خلدون في المقدمة (( أن الظلم مؤذن بخراب العمران )).

    وليس المقصود بالعقول المهاجرة حملة شهادة الدكتوراه أو ممن هم يحملون الشهادات الجامعية العليا كالماجستير أو الدبلوم فقط ,و إنما نقصد بذلك كل كفاءه و خبرة في مختلف المجالات الإنسانية و العلمية ,في الطب , الهندسة , الحقوق , الاقتصاد , الصحافة , الإعلام , الصيدلة , اللغات , الفنون وغيرها سواء ممن كان يحمل شهادة أكاديمية أم لا . فالكثير من الخبراء أو العقول يحملون شهادة البكالوريوس مثلا لكنهم من ذوي الخبرات أو المعرفة أو التخصصات التي تركت العراق ويمكن عدها من العقول المهاجرة . ونستطيع القول أن الأشخاص الذين يعملون بعقولهم من شغيلة الفكر ممن اثبتوا كفاءة و كانت أو صارت لهم خبرات علمية أو أكاديمية أو فنية يمكن اعتبارهم من العقول المهاجرة أو التي هاجرت من العراق .

    فالأطباء الجراحين و الأطباء الاختصاص و الأساتذة الجامعيين في الحقوق والكومبيوتر و العلوم و الإدارة والإحصاء و المحاسبة و غيرها في مختلف التخصصات وكذلك الدبلوماسيين و العسكريين و المهندسين و الكتاب والصيادلة و الفنانين ممن عملوا في المؤسسات العراقية أو غيرها هم من العقول التي تشكل ثروة وطنية عراقية .وقد اكتسبت هذه العقول خبرات طويلة في حقول الاختصاص وصارت للبعض منها أراء أو نظريات أو مؤلفات أو تجارب أو بحوث علمية وكم من محكمة فرنسية أو بريطانية مثلا حكمت في قضية بناء على رأي فقيه عراقي في القانون , وكم من طبيب وجراح يحتل مواقع علمية جيدة بكغاءه في دول العالم , وكم من خبير عراقي ترك وطنه وهو الآن يشغل موقعا مهما في الشركات والمؤسسات الدولية بعد أن ضاقت به الدنيا في العراق …وكم من الدبلوماسيين الذين فضلوا البقاء في المنافي و يشغلون مواقع دولية مهمة ..ولهذا ليس من السهل الاستغناء عن هذه الكفاءات والخبرات والعقول.

    وهؤلاء الأشخاص سموا ب العقول المهاجرة لا نهم يعملون بعقولهم من اجل المجتمع و من اجل سعادة الإنسان وقد تميزوا بذلك و هاجروا من العراق بفعل أسباب كثيرة .ونعتقد أن كل عراقي – مهما كانت أصوله أو ديانته أو قوميته أو مذهبة - غادر الوطن ولأي سبب كان هو عقل و هو طاقة أو ثروة و قوة مهمة لا يمكن الاستغناء عنها من الدولة ومن المجتمع .وما قرارات حرمان المواطن من هذه المواطنة إلا مخالفة خطيرة لحقوق الإنسان وللدستور و القوانين النافذة وهي قرارات باطلة .لان معاملة البشر على أساس الدين أو العنصر أو اللغة أو المذهب أو الرأي السياسي أو العشيرة أو المنطقة الجغرافية مخالفة كبيرة للدستور والقانون و لقواعد حقوق الإنسان وللقيم الأخلاقية النبيلة.

    ونعتقد بأنه أيا كان شكل المغادرة من العراق فهي ليست جرما خطيرا , رغم وجود النص القانوني الذي لا مبرر له , بل نعتقد بضرورة تعديل النص الذي يحظر مغادرة العراقي أو غيرة إلا من طرق أو بوابات المغادرة فلم تعد الحدود تعني شيئا في ضوء التطورات العلمية و وسائل الاتصال الحديثة اليوم , بل إن العديد من دول العالم لم تضع قيودا تذكر على حدودها بالصورة التي نراها اليوم في العالم العربي أو في البلدان التي تقييد السفر و تمنعه عن مواطنيها خلافا للقانون انطلاقا من احترام حق الإنسان في التنقل بحرية و في احترام حقوقه الأخرى.ومن حق البلدان أن تراقب حدودها جيدا لمنع الجريمة كالتهريب أو الحفاظ على أمنها الوطني أو حماية اقتصادها ,إلا أن نظرة سريعة على طبيعة العلاقات الجديدة اليوم بين الدول – خاصة أوربا و البلدان الاسكندنافية – تكشف عن عدم أهمية القيود الصارمة على البشر للتنقل أو السفر بحرية .
    ومن الطبيعي أن هناك مؤتمرات عديدة عقدت ضمن نشاطات جامعة الدول العربية أو غيرها عن هذه المشكلة غير أن هناك بعض الحقائق ربما لم يتم التطرق أليها من أحد لاعتبارات عديدة أو تم التطرق أليها إلا انه أرجعت أسبابها , فيما يخص العراق , إلى الحصار الاقتصادي فقط المفروض على الشعب العراقي أو لاسباب أخرى واهية وهي حجج غير دقيقة يتذرع بها النظام.فقد شجع ومارس النظام الهجرة والتهجير منذ عام 1963 و 1971 و 1977 و1980 والأعوام الأخرى .كما مارس النظام ابشع صنوف القمع للحقوق والحريات الأكاديمية في المؤسسات العلمية والجامعية وجعل منها مؤسسات خاوية ومتخلفة وخالية من القيم الجامعية المتعارف عليها .
    القسم الثاني
    أسباب هجرة العقول من العراق

    بدأت ظاهرة هجرة العقول العراقية منذ عام 1963 أي بعد سيطرة البعث على السلطة في شباط من العام المذكور وما تبع ذلك من انتهاكات لحقوق الإنسان وغياب الحرية و انعدام الرأي و الرأي الأخر وما رافق ذلك من تصفيات جسدية و اعتقالات في الوسط الجامعي و للأطباء و المثقفين العراقيين و لشرائح مختلفة و الكل يذكر جرائم ما سمي ب ((الحرس القومي )) ضد الآلاف من الأحرار و المفكرين والمثقفين من أبناء العراق .فلم تسلم الأموال أو الأعراض أو الحقوق أو الحريات من التعدي أو الانتهاك .

    وحين زال الكابوس بعد تسعة اشهر من الفوضى ومن غياب القانون كانت بمثابة فرصة للكثير من العقول العراقية في الهجرة إلى خارج العراق بعد أن تعرض الكثير للقتل أو للظلم و التعذيب بسبب الرأي السياسي أو حرية التفكير أو حرية التعبير .كما أن الكل يذكر ما تعرض له العالم العراقي المعروف الدكتور المرحوم عبد الجبار عبد الله (رئيس جامعة بغداد ).وكثيرون غيره من أبناء العراق الإحياء والأموات المعروفين في عقولهم و شخصياتهم .

    وفي عام 1968 ادعى النظام أن الثورة جاءت بيضاء لصالح الشعب العراقي و لكنها تحولت إلى حمراء منذ البداية وما تزال .وبقدر تعلق الأمر بموضوعنا فلم يحصل أي مناخ طبيعي أو ظروف سياسية و اقتصادية و اجتماعية مناسبة إلا في فترة محدودة وضيقة كانت بمثابة الهدوء الذي يسبق العاصفة فإشاعة الإرهاب و انعدام الحقوق والتصفيات الجسدية وانعدام المساواة والظلم والقيود ظلت هي الأساس في الجامعات العراقية والمؤسسات العلمية و في المجتمع العراقي .
    وأمام استفحال هذه الظاهرة اصدر الرئيس البكر قانون عودة الكفاءات العراقية لعام 1975.وبموجب هذا القانون سمح لمن يرغب من العراقيين العاملين أو الدارسين في خارج العراق فقط بالعودة إلى العراق مع بعض الحوافز. ولهذا فقد عاد البعض إلى العراق و لم يرغب البعض الأخر بالعودة. بل أن الكثير ممن عاد آنذاك شد الرحال وغادر العراق ثانية بعد فترة أو قبيل اشتعال فتيل الحرب ضد إيران عام 1980تاركا وراءه كل أمواله وحقوقه وعقاراته لعدم توفر المناخ الفعلي للعمل بحرية وفق ضمانات قانونية من اجل خدمة وطنه وممارسة حقوقه الدستورية و القانونية ,ومن الخطأ أن يتصور النظام أن الامتيازات المادية كافية لوحدها لعودة العقول إلى العراق أو استمرار بقائها ..

    فالاستقرار السياسي انهار بعد نكث العهود و التنصل من اتفاقية آذار 1970 التي أعطت الأكراد بعضا من حقوقهم المشروعة في العيش الكريم كعراقيين ثم انهارت الجبهة الوطنية مع الشيوعيين و جرت سلسلة من الإجراءات و التصفيات الدموية قبل وبعد استلام الرئيس صدام للسلطة عام 1979جعلت من العراق سجنا كبيرا تنعدم فيه الحرية ويسود فيه شريعة الغاب و ينعدم فيه احترام الدستور و القانون . فكم من العلماء و المفكرين و من الصحاب العقول و من الطلبة اعدم لوجود أسباب تافهة أو لوشاية أو لرأيه السياسي المناهض أو لرفض الحرب , وكم منهم من اختفى ولا يعرف مصيره حتى الآن ومنهم من فصل من عملة أو عوقب دون ذنب أو أحيل على التقاعد في وقت مبكر عقابا له وهناك مئات الأسماء من الأكاديميين والمفكرين ممن تعرضوا لصنوف الظلم والاضطهاد الذي لم يشهد التاريخ له نظيرا في أسوء البلدان ذات الأنظمة الدكتاتورية.
    the Last Great Architect
    LGA

    تعليق


    • #3
      تتمة
      وحين اشتعلت نار الحرب العراقية – الإيرانية عام 1980 تعطلت القوانين و سادت الاستثناءات و القرارات الخاصة وانتشرت قوانين عسكرة الدولة و المجتمع مما ترك أثرة البليغ على هجرة العقول التي لا يمكن أن تعيش في ظل أجواء الحروب و فقدان سلطة القانون . فهذه الطاقات تستطيع أن تبدع وتعمل وتفكر حين تعيش في ظل مجتمع مدني واستقرار و دولة تحترم الإنسان و الحقوق و الاتفاقيات الدولية. وقد تعرض العديد من العلماء و المفكرين للاعتقال من الحرم الجامعي أو من بيته أو للملاحقة و بعضهم اختفى من الوجود ونذكر مثلا الأستاذ الدكتور صفاء الحافظ , وغيرة كثيرون, بينما تمكن البعض الأخر من مغادرة العراق بطرق مختلفة حفاظا على روحه وبحثا عن الأمان والحرية والاستقرار وهم يتذكرون الآن كوابيس القسوة و صنوف العذاب الذي تعرضوا له في العراق من النظام دون احترام للعمر و المكانة العلمية والحقوق الإنسانية.

      وقد سيق العديد من حملة الشهادات العليا و الأطباء و المهندسين و العقول في مختلف التخصصات إلى محرقة الحرب العرقية – الإيرانية تحت اسم الدفاع عن الوطن من الخطر الخارجي .و قدم المجتمع العراقي حوالي مليون إنسان ضحية لحرب لا طعم لها ولا لون أو رائحة .وهذه الحرب – بكل أثارها المدمرة – دفعت بالكثير من العراقيين – وخاصة الشباب - إلى ترك العراق بحثا عن الأمان و الحرية و العيش بسلام في ظل مجتمع مدني ودولة قائمة على المؤسسات الدستورية تحترم تعددية الآراء و تطبق القانون دون تمييز بين البشر .إذ لا يعقل أن يساق مثلا أساتذة الجامعات و المهندسين و الأطباء و الصيادلة وغيرهم من الطاقات إلى التجمعات والمسيرات أو الحراسات أو معسكرات الجيش الشعبي أثناء العطل أو الدوام بحجة الدفاع عن العراق ضد العدو ! حيث قتل العديد من هؤلاء بدون ذنب ودون قضية وهي خسارة بليغة للعراق وللإنسانية.
      ويسعى نظام صدام إلى إيجاد الطرق المختلفة لتدمير مقومات المجتمع وعقوله والمفكرين فيه , ففي مايس من عام 2001 اصدر نظام صدام حكما بعقوبة السجن المؤبد على مجموعة من العراقيين في مدينة الموصل بحجة انهم من الناصريين والقوميين يسعون إلى تأسيس حزب ناصري أو قومي وكان من بين هؤلاء زميلنا الأستاذ الدكتور باسل حميد البياتي ( رئيس قسم القانون في جامعة الموصل ) وهو عالم معروف بقدرته العلمية ونزاهته و أخلاقه الحميدة .

      إلا إن المشكلة التي دفعت بالعراق إلى الهاوية و إلى نفق طويل مظلم بسبب التفرد بالرأي و النظام الشمولي المطلق وعدم الاستفادة من الدروس و العبر مما سبب اكبر هجرة للعقول من العراق هي احتلال دولة الكويت عام 1990و ما تبع ذلك من الآثار ما بعد هذا الاحتلال والذي لم يكن للشعب العراقي رأي فيه.فهناك العديد من الأسباب التي دفعت بهذه الطاقات إلى ترك العراق و تفضيل العيش في المنفى على العيش في الوطن طوعا أو قهرا.فالحريات بوجه عام و الحريات الأكاديمية بوجه خاص لا توجد مطلقا في العراق منذ عام 1968 وحتى ألان وهي خرق واضح للمادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي وافق علية العراق .

      فالحرية الأكاديمية إحدى أهم الحقوق الأساسية للبشر المعتمدة من منظمة اليونسكو و بدونها لا يمكن أن نتصور وجود مجتمع أنساني متطور و فاعل و متفاعل . فالحرية هي الحياة و الحياة هي الحرية وقد خلق الله البشر أحرارا ولهذا فان من اكبر الأخطاء ممارسة فرض العقيدة بالقوة أو بالترغيب و الترهيب على أي إنسان ومن باب أولى على الشباب و المفكرين والمبدعين و العلماء العراقيين أيا كان موقعهم . وهو ما لم يتعظ منة النظام في العراق حتى الآن .فالقوة ربما تصنع الخوف لكنها لا تصنع الاحترام , كما أن الظلم إذا ساد دمر , ونتائج الظلم الخراب .

      ثم أن شيوع أسلوب الترغيب و الترهيب و القوه أو أسلوب التخويف لتطويع البشر و خاصة أصحاب العقول والشباب هو خرق و إهدار خطير لحقوق الإنسان .فالشعوب لا تبني تقدمها الحضاري و الإنساني بهذا الأسلوب الذي اثبت فشلة من خلال تجارب التاريخ في ألمانيا ورومانيا و يوغسلافيا و الاتحاد السوفيتي الذي انهار و غيرها من البلدان ذات النهج الدكتاتوري . ولهذا فقد غادر العراق بعد رفع قيود السفر عن العراقيين عام 1991 مئات الآلاف من أصحاب العقول و لمختلف التخصصات الدقيقة من أساتذة الجامعات و الأطباء و المهندسين و الجراحين و الصيادلة وفنانين وكتاب وأدباء و غيرهم من الطاقات الكبيرة و قد احتل الكثير منهم مواقع وظيفية وعلمية ممتازة ,بفعل قدراتهم العلمية, في المستشفيات و الجامعات والمؤسسات العلمية في أمريكا و أوربا و الدول الاسكندنافية و نيوزلندا و غيرها من بقاع العالم و لا أظن أن هناك إحصائية دقيقة عن عدد هذه الطاقات أو العقول المهاجرة إلا أن من المؤكد أن العراق حقق أعلى رقم في عدد العقول المهاجرة بعد أن كانت لبنان تحتل موقع الصدارة بسبب الحرب الأهلية في منتصف السبعينات.ونعتقد أن إعلان الحكومة العراقية بان العدد المهاجر من هذه العقول هو مجرد 5000 آلاف شخص غير صحيح , وان الرقم الحقيقي اكبر من هذا بكثير .
      وفي دراسة حديثة اعدت من الأستاذ الدكتور عبد الوهاب حومد ( أحد خبراء القانون العرب ) ونشرت في مجلة الحقوق - الكويت - العدد الرابع 1999 جاء فيها ص16 (( ومن أسف أن ظاهرة الهجرة من الوطن تفشت في أقطار عربية عديدة , وعلى سبيل المثال , غادر العراق ما بين عامي 1991 و 1998 اكثر من 7350 عالما , تلقفتهم دول أوربية , وكندا و الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها , ومنهم 67% أساتذة جامعة و 23 % يعملون في مراكز أبحاث علمية ومن هذا العدد الضخم 83% درسوا في جامعات أوربية وأمريكية , أما الباقون فقد درسوا في جامعات عربية أو في أوربا الشرقية ويعمل من هؤلاء في اختصاصهم 85% . )).
      ثم يضيف الدكتور حومد (( وواضح أن تأهيل المهاجرين أو المهجرين عال جدا , وقد أنفقت عليهم دولتهم الملايين من عرق الشعب ثم استثمرتهم الدول الأجنبية وهم في أرقى درجات التأهيل العلمي دون أن تتكلف شيئا .ولا يدخل في نطاق هذا البحث , استقراء أسباب هذه الظاهرة المحزنة , وحسبي أن أقول انه نزيف اليم للأدمغة الراقية , تغادر بلادها التي هي في مسيس الحاجة إليها , إلى بلاد هي في الأصل ليست في حاجة إليها , و لكنها وجدتها رخيصة الثمن فرحبت بها . ومن المؤكد أن للوضع الاقتصادي والنظام السياسي أثرا في غاية الوضوح )) .

      كما أن من الأسباب التي دفعت إلى الهجرة هي القيود الصارمة على السفر و هي مخالفة لحقوق الإنسان و للدستور العراقي النافذ وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان مما دفع الكثير من هؤلاء إلى الهرب أما عن طريق كردستان – حيث تنعدم السلطة المركزية – أو عن طريق تعديل المهنة أو تغيرها أو عن طريق الرشوة التي شاعت – مع الأسف – في العراق أو عن طريق الهرب إلى الأردن أو باسم آخر أومن خلال معاونة بعض المسؤولين المتعاطفين مع هؤلاء و غير ذلك من الطرق للخلاص من الوضع السياسي و الاقتصادي و عموم المناخ الموجود في العراق في ظل النظام الحالي الذي دفع الإنسان من كارثة إلى أخرى.وبسبب استفحال هذه الظاهرة اصدر الرئيس صدام قرار العفو عن هؤلاء للعودة إلى العراق لقاء عدم معاقبتهم عن تصرفهم في مغادرة العراق. إذ أن من حق البشر العيش بسلام و التنقل بحرية و تعديل الاسم أو تغييره أو في التعبير عن الآراء بصورة سلمية أو في تغيير مسكنة أو في اختيار طريقة العيش أو غير ذلك مما هو ثابت في الاتفاقيات الدولية و القوانين الوطنية .وبالتالي لا تعد هذه الأفعال جريمة إلا في الدول التي لا تحترم قوانينها أو الاتفاقيات الدولية .إذ لو كانت حقوق الإنسان مصونة ومنها حقه في التنقل , لما اقدم الشخص – أي شخص – على استخدام طرقا أخرى لمغادرة العراق أو عدم العودة للوطن.

      ولعل من اخطر المظاهر في الجامعات العراقية مثلا شيوع سياسة التمييز الطائفي حسب العنصر أو العشيرة أو المذهب أو العرق أو الدين و التمييز في البعثات و الايفادات و الدورات وفي حضور المؤتمرات و الوظائف خلافا للدستور و للاتفاقيات الدولية و لحقوق المواطنة .بل أن انعدام المساواة في الدخل الشهري بين أصحاب ذات القدرة أو الكفاءة مخالفة خطيرة للدستور و للقوانين و الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتسبب الشعور بالظلم و التمرد . ويعود هذا الاختلاف إلى الانتماء للحزب أو للدور الأمني الذي يؤديه الأستاذ الجامعي أو عميد الكلية أو رئيس القسم الذي يغرد مع السرب الشمولي.فالأستاذ البعثي يتميز براتب أعلى وامتيازات كبيرة وخاصة تختلف عن غير البعثي وهي مخالفة خطيرة للدستور والقانون..

      ومن أسباب الهجرة كذلك إجبار الإنسان العراقي وخاصة أصحاب العقول منهم على المشاركة في المسيرات و التظاهرات و المعسكرات و حضور التجمعات السياسية و هي أعمال منافية للعمل الأكاديمي . إذ يجب أن يكون هناك فصل كبير بين العمل الأكاديمي و حرية البحث و بين العمل السياسي وتسييس كل مؤسسات الدولة وعسكرتها . ويحضرني قول أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة عام 1990 حيث قال مخاطبا أساتذة الجامعات (( نحن لا نرغب بمن يفكر في عقلة وانما نريد من يفكر في قلبه معنا )).بل أن القيم الأكاديمية التي عرفت بها الجامعات العراقية انهارت تماما في العراق بعد عام 1990. مما دفع بالعديد من الأكاديميين إلى ترك العراق أو عدم العودة وظل الباقي يصارع من اجل البقاء.
      the Last Great Architect
      LGA

      تعليق


      • #4
        تتمة
        أما الجامعات و المؤسسات العلمية فقد تحولت إلى مراكز أمنية ينتشر فيها المخبرون في كل زاوية بحجة حماية الأمن الوطني من الأعداء ففي جامعة الموصل مثلا يوجد سجن خاص و غرف للتحقيق مع الطلبة و الأساتذة المشكوك في ولائهم أو ممن وردت عليهم تقارير حزبية أو وشايات وهناك مكاتب دائمة لضباط الأمن داخل الحرم الجامعي والمؤسسات العلمية .هذا عدا حجب جميع وسائل الاتصال مع العالم الخارجي مثل الانترنيت و الكومبيوتر و الفاكس و الاشتراك في المجلات و الصحف العربية و الأجنبية و فرض الرقابة على المراسلات و الكتب الواردة أو الصادرة و تحريم الاتصال مع الأساتذة الأجانب أو العرب.بينما نعتقد أن من الحكمة التعلم من تجارب الشعوب و خبرات الدول في طرق التعامل مع علمائها و مفكريها وشبابها وفي كيفية بناء مجتمعاتها بما يتلاءم مع العادات والتقاليد .

        ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه , فقد اعدم سقراط بتهمة إفساد عقول الشباب حينما ناقش طرقا غير مألوفة في تحديد مفهوم الديمقراطية .ولهذا ضاقت الدنيا في نفس أفلاطون بعد إعدام سقراط فهجر أثينا إلى كثير من البلدان هربا من الطغيان و الظلم الذي لم يسلم منة.فقد عرف جيدا كيف يعيش الطغاة في بذخ و ظلم وعدوان وحرس وظلام ووشاة ومنافقين واكتشف أن الطغاة لا يحترمون القوانين لأنها تقييد سلطاتهم المطلقة .وقد اكتشف أفلاطون كراهية الطاغية للعلماء و المفكرين و حبة للدجالين و المنافقين .
        ولم يسلم الأمام ( أبو حنيفة ) من ظلم الظالمين ولا من جهل الجاهلين حيث تعرض إلى التعذيب و الاضطهاد من المنصور في بغداد الذي حبسة و قام بجلده ثم دس السم له في النهاية لأنة رفض ولاية القضاء , وفي عهد هارون الرشيد تعرض الأمام مالك إلى الظلم والضرب لمواقفه الصلبه في الحياة وحين طلبه هارون الرشيد لتدريس الأمين والمأمون قال قولة المعروف ((..العلم يؤتى ولا يأتي ..))ثم تعرض للجلد وهو عاري الجسد من المنصور أيضا لانه ذكر حديثا عن الرسول –ص- لم يعجبه .كما تعرض الأمام احمد بن حنبل للضرب و التعذيب و السجن من المأمون و المعتصم للتأثير عليه كي يغير عقيدته .ولا ندري هل أن التاريخ يعيد نفسه في العراق ثانيه – بلاد النهرين ومهد الحضارات البشرية - بعد آلاف السنين …ويدور ويظهر الطغيان فيه بين حين أخر ..

        فالجامعات و المؤسسات العلمية العراقية تحولت من مراكز للبحوث وتطوير الدولة والمجتمع إلى ذيل تابع للمؤسسة العسكرية للدولة وللنظام الشمولي ولهذا يجري تعين عميد الكلية و رئيس القسم و رئيس الجامعة دون انتخاب و يبقى في منصبة قد يطول إلى اكثر من عشرين سنة !! ويصبح رضى الرئيس عن المرؤوس غاية المنى .كما لا يمكن لأي أستاذ أو عالم أو مفكر أن يشغل منصبا ما أو يعمل أو ينشر كتابا أو بحثا قبل فحص فكرة وولائه ومدى سلامته الفكرية.ونشير هنا إلى انه ليس من الغريب أن يحتل أحد مجرمي النظام الدكتاتوري منصبا دوليا رفيعا للدفاع عن حقوق الإنسان مثلا , بعد أن تتعمد أياديه بدم الأبرياء من أبناء العراق الأحرار مكافئة له .

        ثم أن النشاط العلمي من تأليف الكتب و البحوث وحتى المحاضرات العلمية تخضع لرقابة شديدة وقيود عديدة يحرم فيها الإنسان من حقه في الكتابة والكلام و الإبداع .وفيما يخص سياسة القبول في الجامعات فان المقدرة ليست هي الأساس و إنما الولاء و العلامات التي تمنح للطالب عن المشاركة في الاتحاد الوطني أو المشاركة في المعسكرات أو الحروب أو لابناء أصدقاء الرئيس وغير ذلك .ويتمتع أبناء المسؤولين أو المسؤولين من الطلبة بامتيازات كبيرة وهم يمارسون سياسة الترغيب و الترهيب في ممارسة الضغط على أساتذة الجامعات للحصول على النجاح دون حق .
        القسم الثالث
        حلول هجرة العقول وضمان عودتها للعراق

        أن الشعوب التي تحترم علمائها و مفكريها و خبراتها الوطنية وتوفر لهم كل الظروف المناسبة للإبداع و العمل الحر هي شعوب حية و متطورة تخلق في نفوس أبنائها الثقة و الإخلاص و التفاني من اجل سعادة الإنسان , و الامه التي تكرم عقولها تكون قوية بهم , ولهذا فان احترام الإنسان أولا و توفير المناخ الملائم , من احترام للقانون و تطبيقه بصورة عادلة و توفير ضمانات للتقاضي و استقرار سياسي و مورد مالي دائم و مناسب لكل إنسان وتعددية سياسية و ديمقراطية ,هي الكفيلة وحدها بعودة هذه العقول إلى أعشاشها لتخدم أوطانها وليست أساليب القمع أو الترهيب و الترغيب أو قرارات العفو أو السماح ببعض الامتيازات المالية التي هي أساسية لكل إنسان في الحياة العصرية.

        لقد أصبحت لدى العديد من الدول تقاليد راسخة لتكريم علمائها سنويا بكل صنوف التقدير و الاحترام التي ترسخ روح المواطنة و الانتماء حتى لمن لا يحمل جنسية هذه الدول أو ممن جاء مهاجرا لها , ولا يمكن البحث عن عنصر الإنسان أو عن دينة أو معتقدة أو لونه أو مذهبة أو أراءه …فالبشر سواسية في القيمة الإنسانية والعالم اصبح قرية صغيرة بفعل عوامل متعددة و الاختلاف في المذاهب و اللون و الرأي و الجنس و العادات ضرورة في الحياة و قضية طبيعية .

        ولهذا نعتقد أن هذه العقول المهاجرة التي تركت العراق بفعل سياسة نظام صدام لا يمكن لها أن تعود مهما كانت المغريات أو الامتيازات المالية أو قرارات الإعفاء عن ما يسمى بالأخطاء التي ارتكبوها في مغادرتهم للعراق بصورة غير مشروعة ستؤدي إلى نتائج إيجابية و تشجعها على العودة مادامت طبيعة النظام السياسي القائم في العراق لم تتغير في منهج الحياة ومنها إدارة الحكم أو النظام و أسلوب إدارة الدولة والمجتمع .
        ونعتقد أن من الممكن لحكومة إقليم كردستان أن تستقطب العقول العراقية كافة والعمل على تشجيع عودتها إلى كردستان طبقا لقانون عودة الكفاءات مثلا ولابد من تأسيس مجمع علمي أو مؤسسة علمية لتكريم العقول والعلماء من حكومة الإقليم والاستفادة من تجارب الشعوب كالشعب السويدي الذي يكرم العلماء سنويا في يوم العالم الشهير ( Nobel ) وهو العاشر من ديسمبر من كل عام .

        وقد كشفت تجارب التاريخ – وقوانين الحياة – أن العراق ليس ملكا لشخص أو عائلة أو عشيرة أو جماعة , و إنما هو ملك لكل العراقيين في حاضر هم و مستقبلهم و أن التاريخ يخلد كل من يخدم وطنه في بناء السلام و التآخي و المحبة و العدل و العدالة وفي تطور المجتمع و دفعة إلى إمام بما يتناسب و القيمة العظيمة للإنسان …وبما يحقق إسعاد الإنسان .و أضحت الدول التي تحترم القانون تسعى إلى توفير افضل وسائل العيش للبشر .فالأنظمة زائلة والشعوب باقية .

        فالعامل الاقتصادي وان كان مهما في دفع العديد من هذه العقول للمغادرة من العراق – بعد انهيار الدخول و التضخم الاقتصادي البليغ – إلا انه ليس هو السبب الرئيسي ,لان للعامل السياسي و لاحترام حقوق الإنسان و احترام القوانين و لضمانات التقاضي و قواعد العدالة و لعوامل أخرى غيرها دورها الكبير في دفع هذه الإعداد الغفيرة إلى البحث عن ملاذ أخر للعيش بحرية وأمان واستقرار لممارسة الدور الإنساني و الفكري و العلمي في الحياة .

        كما لا نعتقد أن للتظاهرات الإعلامية الاستخبارية مثل دعوات المغتربين إلى العراق سيكون له دورة في تشجيع العقول و الطاقات للعودة إلى الوطن بفعل عوامل كثيرة قد لا يتسع المجال لذكرها ولهذا فهناك من يفضل العودة إلى بلد أخر أو إلى بعض البلدان العربية الأخرى و الاستقرار فيها حيث ينعم المواطن بالحرية والامان واحترام القانون وضمانات التقاضي والمؤسسات العلمية المتطورة اكثر من التفكير للعودة إلى العراق في ظل هذه الظروف الحالية التي لم تتغير .كما لا يمكن إغفال حقيقة أن الحصار الاقتصادي ضد الشعب العراقي جريمة ضد الإنسان وهو عقوبة قاسية ضد الأبرياء .وقد تركت أثارها على عموم الشعب العراقي ومنهم الشباب و العقول و الخبرات ولهذا فان استمراره هو عمل غير أخلاقي .وفي هذا الصدد نشير إلى أن النظام استغل معاناة الشعب العراقي من العقوبات الاقتصادية للأغراض الدعائية .وقد اعتبر أن هذه المعاناة للإنسان في العراق سببها العقوبات الدولية متجاهلا أن السبب الحقيقي هو سياسة النظام الخاطئة داخليا و عربيا و دوليا .ويمكن إحلال عقوبات على النظام الذي ارتكب الجرائم الدولية وليس على الشعب الذي هي ضحية للنظام .

        فالعراق - طبقا لتقرير الهيئة المشكلة من مجلس الأمن الدولي لتقييم الوضع الإنساني في كانون الثاني 1997 – بات ألان من أعلى البلدان التي تحصل فيها معدل الوفيات للأطفال في العالم وان نسبة السكان الذين يستطيعون بصورة منتظمة الحصول على مياه نقية لا تزيد على 41 % وان اعتماد السكان على الإمدادات الإنسانية قد زاد من سيطرة الحكومة على مقدراتهم . وهذا يعود إلى أثار الحرب و لعقوبات مجلس الأمن .وهذه كلها من العوامل التي دفعت إلى الهجرة من العراق أو عدم العودة إلية .

        وذهبت منظمة العفو الدولية في تقريرها المرقم 99-144الصادر في 29 تموز 1999 إلى تأييد توصيات هيئة الشؤون الإنسانية التابعة لمجلس الأمن الدولي بضرورة الاهتمام العاجل للوضع الإنساني في العراق (( رقمها 8-1997-12.c E . )). وهذا الانهيار للوضع الإنساني من العوامل التي دفعت إلى مغادرة العقول العراقية للعراق أو تفضيلها البقاء في المنفى . لاسيما وان سياسة النظام في عسكرة الدولة والمجتمع ما تزال مستمرة و قد امتدت لتطال حتى الأطفال ممن تتراوح أعمارهم بين 12 – 17 عاما في إجبارهم على الدخول في معسكرات والخضوع للتدريب القاسي حتى تحت حرارة الصيف إلى تصل أحيانا إلى 50م في العراق وهو ما يخالف اتفاقية حقوق الطفل و الدستور العراقي .

        ومن سلسله الإجراءات ذات الغطاء الصحي ظاهرا بينما هي من الأساليب الخاطئة المخالفة لحقوق الإنسان و التي ابتدعها النظام الدكتاتوري ((قضيه الوزن للإنسان )) واقصد بذلك الأسلوب غير القانوني وغير الحضاري في إذلال الاساتذه الجامعيين و غيرهم ممن صنفهم النظام في عداد الخاضعين لوزن الأجسام سنويا..
        بل تتعمد السلطات أحيانا في وزن الأستاذ الجامعي اكثر من مرة في السنة وإلا فقد الشخص وظيفته في الجامعة أو الدولة وهو إجراء يخضع له الشخص حتى لو كان مريضا في الهرمونات أو مصابا بداء السمنة الطبيعية ..كما انه إجراء غايته الإذلال والتطويع و الخضوع للفكر الشمولي الفردي القائم على عبادة الصنم والعسكرة بحيث أن ما يأمر به هذا الصنم هو شيء مقدس لا يمكن مناقشته .
        كما تحولت الكليات في الجامعات العراقية – بفعل سياسة النظام الفاشلة – إلى مراكز لبيع الحليب و البيض و مشتقات الألبان و المواد الغذائية , فصار الأستاذ الجامعي – مثلا – يلهث وراء توفير لقمة العيش للأولاد تحت البرد و الحر في الكلية أو مكان العمل بدلا من الاهتمام بالعلم و البحث العلمي . وكم من منظر أو مشهد مؤلم لم تتمكن الصحافة من تصويره في تدافع الاساتذه الجامعيين مع الطلبه في الحصول على المواد الغذائية أو الأرزاق في المعسكرات وهو ما يهدم كل القيم الإنسانية والأعراف و القيم الأكاديمية وهي الغاية المطلوبة من نظام دكتاتوري اغرق العراق في بحر من المشاكل ووهم من انتصارات زائفة لا يمكن معالجتها إلا بعد قرون من التضحيات .
        ومن جهة أخرى لابد من التذكير أن مما يهدر الحرية الأكاديمية في العراق هو إجبار النظام على اعتماد سياسة الكتاب المنهجي في الجامعات والمعاهد قاتلا بذلك روح المنافسة والإبداع والتأليف وهي سياسة خاطئة تتناقض والحرية الفكرية وحرية الرأي والمناقشة والرأي الأخر .

        أن عودة العقول إلى العراق ستكون طواعية بعد زوال النظام وبناء دولة القانون والمؤسسات الدستورية واحترام حقوق الإنسان ومنها ضمان الحقوق والحريات الأكاديمية وحرية التفكير وحرية التعبير والتأليف والكتابة والإبداع والنشر والسفر والاتصال مع العالم .
        (انتهى)
        the Last Great Architect
        LGA

        تعليق


        • #5
          شكرا لك LGA

          على الموضوع المفيد والمعلومات المهمه التي اطلعنا عليها من خلال الموضوع


          ومن المحزن فعلا ان لايجد الإنسان المميز الفرصه الجيده بدولته وتضطره


          الظروف للهجره لبلاد بعيده ولكن الإنسان المسلم يمكن ان يكون داعيه وصوره


          مشرقه عن الإسلام ثم عن وطنه بأي مكان

          مع تحياتي للجميع
          عندما تسقط موجه الحزن
          فجأه من السماء كسحابه باكيه
          تسقي الزهور التي تحني رأسها
          وتلف التل الأخضر بضباب إبريل
          أغرقي حزنك عند ورده الصباح

          تعليق

          تشغيل...
          X