اعلان

Collapse
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ماركس، لقد كنت محقاً! (الجزء الثاني والأخير)

Collapse
X
 
  • تصنيف
  • الوقت
  • عرض
Clear All
إضافات جديدة

  • ماركس، لقد كنت محقاً! (الجزء الثاني والأخير)

    ماركس، لقد كنت محقاً! (الجزء الثاني والأخير)

    إن منافسة اليد العاملة الرخيصة الآتية من غير بلدان الغرب والتقدم التكنولوجي ليدمران أوروبا. فها هو مارتن بانغيمان العضو المسؤول عن الاقتصاد في لجنة الاتحاد الأوروبي يعتقد أن الإبقاء على الأجور مرتفعة يجعل الإنتاج الجماهيري في أوروبا الغربية غير ذي مستقبل. "فالصين وفيتنام حيث الإنفاق على الأجر متدن لدرجة أن التفوق عليهما في هذا المجال يكاد يكون غير ممكن قد باتتا جاهزتين كمنافستين". وصحيفة مديري الأعمال "وول ستريت جورنال" ترى أن "المنافسة في الاقتصاد العالمي القاسي المراس توجد سوق عمل عالمية شاملة. فلم يعد ثمة من أماكن عمل مضمونة"...

    ... أما رئيس وزراء مقاطعة سكسونيا الألمانية فعثر هو الآخر على "جبل كامل من المصالح الأنانية" لا بد من "تفجيره". وقد كتب مارتن وشومان يقولان: "هذه المصالح هي الآتية: دفع الأجرة في حال المرض، دفع المعاشات العائلية، الحماية من التسريح غير المبرر، دفع الإعانات في حال البطالة، تقديم الدولة عملا ما، أسبوع العمل من خمسة أيام، الإجازة السنوية من 30 يوماً والكثير غيرها مما يدخل منذ زمن بعيد في المكوِّن الاجتماعي لاقتصاد السوق في ألمانيا... ففي ضوء التنافس العالمي تحولت المكاسب الاجتماعية إلى مصالح أنانية".

    هذه التطورات إياها تحصل أيضا في الولايات المتحدة. فقد بات جليا للعيان كيف أن الأجر الفعلي للطبقة الوسطى يهبط منذ العام 1973، وكيف أن العِمالة المضمونة يحل محلها نظام التعاقد لآماد قصيرة. فيبعث إلى الوجود عمليا نظام عمل المياومين.

    إن من بين الأمراض الخطرة لدى الولايات المتحدة تفكك الأمة وانقسامها إلى فئات، ما ينذر بنهاية ما تعودناه من ديموقراطية أميركية. فمنذ بداية الخمسينات وحتى العام 1973 كان اليانكي ينشئون ويرعرعون طبقتهم المتوسطة ويقلصون على الدوام الفرق بين الدخول التي يتقاضاها هؤلاء وتلك التي يحصل عليها كبار أغنياء البلد. ثم راح هذا الأمر يتحول إلى عكسه شيئا فشيئا.

    وإذا كان أحد ما يعتقد أن افتقار الناس المتعلمين هو سمة من سمات بعض البلدان دون غيرها فإنه يخطئ كل الخطإ. فما يحصل مثلا كاحتقار الأغنياء لكل امرئ شهم شريف وتحولهم إلى "إقطاعيين جدد" إذ هم يسكنون في بلدات خاصة بهم وراء سياج عال وبحراسة قتلة وجلادين مأجورين من مؤسسات "الحماية" وينشئون شرطتهم الخاصة بهم وكذلك مدارس خاصة ورياض أطفال وعيادات خاصة بهم، يحصل مثله تماما في الولايات المتحدة، قائدة الرأسمالية العالمية وأغنى بلدان العالم قاطبة.

    إن افتقار الطبقة الوسطى في الولايات المتحدة تفسره العولمة إياها. فقد برز في مواجهة المهندسين ومديري المزارع والأطباء والعمال المهرة الأميركيين منافسون آتون من بلدان آسيا الاستوائية مدربون لا أسوأ منهم البتة، ولكنهم في الوقت نفسه موافقون على أجر أقل بكثير من أجرهم. وهكذا بدأت الأجور في الولايات المتحدة تهبط بفعل قانون السوق العالمية.

    إلى أين آلت إذاً زيادة الدخل القومي، أين صار نمو الاقتصاد؟ لقد ذهبا إلى جيوب الـ10 بالمائة "الأكابر" من السكان. فالأغنياء صاروا أغنى والفقراء أفقر. العولمة التي أفضت إلى إغلاق الكثير من المصانع في الولايات المتحدة (صناعة المكائن والسفن والسيارات والفولاذ) نقلت إلى صفوف العاطلين عن العمل أو العاملين في أماكن أدنى أجراً في مجال الخدمات ملايين العمال الفقراء من ذوي المهارات المتوسطة الذين كانوا مرفهين في الخمسينات والستينات من القرن العشرين. فبدأت الولايات المتحدة تتحول الآن إلى بلد فقراء. وقد اعتبر طورو أن من أبرز الأمثلة على هذا ظهور أشخاص لا مسكن لهم تنامى جيشهم منذ نهاية السبعينات ليبلغ 600 ألف شخص في الولايات المتحدة و600-800 ألف شخص في فرنسا مثلا. وثمة نوع آخر من المنحدرين إلى أسفل السلم الاجتماعي في الولايات المتحدة (5 ملايين و800 ألف نسمة) هم رجال قادرون على العمل ولكنهم سبق أن فقدوا أماكن عملهم ولا يتعلمون ولا حق لهم في المعاش التقاعدي على سبيل ضمان الشيخوخة ويعيشون من دون أي مصدر للرزق ظاهر. هم لا يدلون بأصواتهم في الانتخابات ولا يتوجهون إلى رجال الشرطة للشكوى ولا يرسلون دائما أطفالهم إلى المدارس. وليس عندهم حتى هاتف عادة. هؤلاء الناس يسمون بـ"العالم الثالث" في داخل الولايات المتحدة، تشبيها لهم بالحفاة في بلدان إفريقيا التعيسة. وليس بعيدا الوقت الذي سيضم هذا "العالم الثالث الداخلي" إليه عشرات ملايين الأميركيين.

    وقد بدأت تتطور أيضا "ثقافة الأكواخ" مع بروز جمهور غفير من شباب المدن غير المتعلمين الذين لم يتقنوا أية مهنة. هذا القطيع من البشر الناقصين ذوي الرجلين الذين يتربون على التلفزيون وأفلام القتل، العدائيين الميالين إلى العنف، يغذي عالم الإجرام بكثافة ويتعاطى المخرات ويريد أن يعيش عيشة مريحة هانئة دون أن يستطيع تقاضي شيء من المال.

    وفي الوقت نفسه تتكون فئة معزولة من الأثرياء. هؤلاء "الأثرياء سوف يدفعون من دخولهم المتزايدة للحرس الخاص الذي يتولى حمايتهم ويسهر على أمنهم الشخصي، بينما سيكون على الطبقة الوسطى أن تسير في الشوارع الخطرة وأن ترسل أولادها إلى المدارس الرديئة وأن تركب وسائل النقل المتسخة المتردية أحوالها أكثر فأكثر... فقد عادت إلى النمو مجددا في أيامنا جماعات الأغنياء الذين يعيشون خلف جدران عالية وبوابات مقفلة تسهر على أمنهم شرطة خاصة. وإذا إخذنا في الحسبان البنايات المؤلفة من عدة شقق ذات الحماية الخاصة لرأينا أن 28 مليوناً من الأميركيين يعيشون ضمن أمثال هذه المجموعات، وعدد هؤلاء كما يتوقع إلى تضاعف في العقد القادم من السنين". هذا ما كتبه طورو مقارناً ما يحصل بزمن انهيار وتفكك الإمبراطورية الرومانية حيث كانت السلطة "مخصخصة" فيما المدن كانت تؤول إلى الانحطاط.

    إن الولايات المتحدة التي يتأكلها العنف ودمار الشبكة الاجتماعية والهوة المتنامية بين الأغنياء والصعاليك "غير المحسوبين على البشر" قد تنجر إلى دوامة الانحطاط بسرعة مذهلة. ولقد أظهر القرن العشرون أن بوسع الأوروبيين أن يصمدوا في وجه هذه الرياح. ففي ميدان البيوتكنولوجيا مثلا كانت الشركات الأميركية تعتقد أنه سيتسنى لها أن تفرض على العالم بزورها المعدلة جينياً من دون أي جدال. غير أن الأوروبيين أجبروها على التراجع. وحتى في دورة منظمة التجارة العالمية في سياتل في تشرين الثاني عام 1999 كانت هناك تظاهرات احتجاج ضخمة حين راحت الولايات المتحدة تحاول أن تفرض اقتصادا شاملا على العالم كله.

    إذا نظرنا طبعاً إلى ما يعرضه التلفزيون الآن في بلدان كثيرة في العالم فإننا لن نرى مما يجري في العالم أن شيئا يحصل سوى أعراس نجوم هوليود أو عروض الموضة أو الفضائح الجنسية!

    وإن توحد أوروبا وسعي الغرب اللجوج إلى توسيع رقعة منظمة التجارة العالمية لن يفعلا سوى تسريع انهيار عالم الرفاه والديموقراطية و"حقوق الإنسان" السابق.

    أما الشيخ الوقور ماركس فلعله وهو ينظر إلى ما يجري من عالم الآخرة يبتسم من خلف لحيته الكثيفة. فهو العالم الذي توفي في العام 1883 تنبأ بكل دقة بالمستقبل. فقط ظهور الدولة السوفياتية الذي أجبر الغرب الرأسمالي على أن يبدي بعض "العطف" على العاملين خوفا من انتقال عدوى الشيوعية إليهم، هو الذي أخر قرناً كاملا من الزمن تجسد نظريته.

    ( قلم الرفاق )

    تحيات رفيق ...

    CHE GUEVARA
تشغيل...
X