والغريب في القصة أن هذه الأراضي التي تم اغتصابها من الزرباوي بني عليها مفاعل ديمونا النووي في أرض السر، بالإضافة إلى مساحات شاسعة من مزرعة آرئيل شارون الواقعة في النقب بالقرب من مستوطنة 'دوروت' في أرض الخلصة القديمة والتي يقضي بها أوقات فراغه مع عائلته.
تبدأ قصة الزرباوي كما ذكرها لمجلة الأهرام العربي المصرية مع خروج عائلته من مدينة العريش المصرية عام 1918 للعمل في تجارة المواد الغذائية بفلسطين، حيث كانت عائلته من كبار العائلات التجارية ونجحت في تحقيق أرباح طائلة من تجارتها، ونظرا لتوسع نشاطها التجاري في بداية العشرينيات من القرن الماضي قامت بشراء عدد من الأراضي في فلسطين، وكانت البداية في منطقة الخلصة واشترت العائلة 75 فدانا تمت زراعتها جميعها، ثم توالى شراؤهم للأراضي حتى وصلت إلى 1250 فدانا.
استهداف منزل العائلة
ورغم استقرار عدد كبير من أفراد عائلة الزرباوي في الأراضي التي اشتروها بالنقب فإنهم اضطروا للهجرة منها عقب اندلاع حرب 1948، حيث توجهوا مرة أخري إلى العريش، وعند وقوع العدوان الثلاثي علي مصر1956 م واجتياح القوات الإسرائيلية لسيناء، فوجئت العائلة باثنين من أبناء عائلة العزازمة التي تعتبر أحد أهم العائلات في سيناء ويعيش جزء كبير منها الآن في إسرائيل يحضرون إلى بيت العائلة يرافقهم اثنان من كبار العسكريين الإسرائيليين، وطلبوا من جده الحاج سليمان أوراق العائلة مقابل المبلغ الذي يحدده، إلا أن جده رفض ذلك وأنكر ملكيته لهذه الأوراق فقال له العسكري الإسرائيلي بعصبية سيكون لقاءنا قريبا جدا يا حاج ولكن في ظروف غير سارة لك.
ولم تستطع إسرائيل طوال هذه الفترة من عام 1948 حتى 1956 إقامة أي مشاريع ضخمة في هذه الأراضي، حيث كانت الأراضي ملكا لعائلة الزرباوي. وهو ما أدي إلى تحرش القوات الإسرائيلية بالعائلة أكثر من مرة منذ تلك الفترة حتى شهر يناير من عام 1957 من أجل الحصول على هذه الأوراق وهو التاريخ الذي شهد خروج إسرائيل من سيناء بالكامل آنذاك.
وفي حرب 1967 دمرت الطائرات الإسرائيلية منزل عائلة الزرباوي بصورة غريبة، حيث كان المنزل الوحيد الذي أصيب من بين عشرات البيوت حوله، واللافت للانتباه أن منزل العائلة ضرب من الجو والبحر، وهو ما أدى إلى استشهاد اثنين من أشقاء مريد ووالده الذي أصيب بـ33 رصاصة في مختلف أنحاء جسمه على يد عدد من الجنود الإسرائيليين الذين حضروا ليتأكدوا من تدمير المنزل بالكامل.
وبعد ذلك قاموا بتفتيش البيت ولم يعثروا في النهاية على أي أوراق على الإطلاق حيث كان والده قد خبأ الأوراق في مخبأ سري تحت الأرض.
ويوضح مريد أن جديه عيد إسماعيل الزرباوي وسليمان إسماعيل الزرباوي زارا إسرائيل عام 1967 بعد النكسة لمشاهدة أملاكهم، لأن أي بدوي كان يسمح له بالذهاب إلى إسرائيل حيث تعمدت حكومة تل أبيب علي انتهاج هذه السياسة حتى يشعر المواطنون هناك أن أرض فلسطين وسيناء قطعة واحدة لا تتجزأ تحت قيادة إسرائيل.
وعند وصولهم للأرض اكتشفا أن مفاعل ديمونا النووي أقيم عليها ويعمل رسميا منذ عام 1963، بالإضافة إلى عدد من المنشآت لاستيعاب المهاجرين الجدد وجزء من إحدى المزارع الكبرى المملوكة لهيئة الأراضي الإسرائيلية، وهي المزرعة التي اشتراها شارون بعد ذلك من هذه الهيئة نظرا لأن قانونها يقضي بوضع يدها علي أي أرض لا يطالب بها أصحابها بعد 15 عاما من تركهم لها شريطة ألا يكونوا من الإسرائيليين وبالتحديد من العرب.
تجاهل رسمي!!
وظلت العائلة على هذا الوضع مكبلة الأيدي حتى اندلعت حرب أكتوبر عام 1973 وعقب التوقيع على اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979 اعتقد الزرباوي، أن الموضوع في طريقه إلى الحل خاصة وأنه يمتلك توكيلا رسميا من العائلة بالعمل على استرداد هذه الممتلكات مع كمال الزرباوي أحد أفراد العائلة، إلا أن جميع الجهات الرسمية بداية من وزارة الخارجية حتى محافظة سيناء لم تكترث بما يقوله الأمر الذي أصابه بالإحباط، وتوجه للعمل في الخليج لعدة سنوات قبل أن يعود مرة أخري إلى مصر وهو أكثر تصميما على استعادة حقوق عائلته في الأراضي التي تملكها، وقد أرسل الزرباوي إنذارات وخطابات إلى السفير الإسرائيلي والسفارة الإسرائيلية عبر البريد، إلا أن أحدا لم يكترث به على الإطلاق بل حتى الخارجية المصرية لم تهتم ويتهم الزرباوي وزارة الخارجية بالتقاعس في حل مشكلته، خاصة وأنه يمتلك الأوراق الرسمية التي تثبت امتلاكه للأراضي في إسرائيل، كما أن هناك نسخا من هذه الأوراق موجودة لدى الحكومة الأردنية والإنجليزية التي كانت تشرف على فلسطين واسرائيل.
وفي الختام يتساءل الزرباوي عن سر صمت حكومته حول قضيته وذلك في الوقت الذي ملأ فيه يهود الدنيا صياحا عن ممتلكاتهم خاصة في الدول العربية وهي الممتلكات التي أعلنت إسرائيل أكثر من مرة أنها لن تتركها وستظل تطالب بحقها في امتلاكها مهما تكن العواقب.