هل رأيت من قبل سياره لاندكروفر تحمل حسناء خلقت بدون عظام !!
هل أخبرك يوماً احدهم .. أن البلابل أحيانا لا تسكن الأشجار ..
ولكنها تقضي يومها في حنجرة إحداهن !!
هل جرب أحدكم يوماً أن يقاوم كل هذا ونجح !!
لا .. لم اقصد تلك المقاومة ..
انتم خبثاء جداً .. دائماً تستبقون الأحداث .. لما لا تقرأوني لتعرفوا ما اقصده ..
اعتقد أنكم ستفهموني بعد قليل ..
تعالوا معي .. هيا اقتربوا مني !!
أنا لست كبيراً جداً لأقوم بدور العجوز الحكيم!!
لكن مع ذلك .. دعنا نحاول ..
أنا مثلكم تماماً قد أكون اكبر بعشر سنوات أو اصغر بعشر سنوات!!
لكن وجودنا معاً يخلق جواً من الألفة ..
دعونا نركب آلة الزمن معاً.. ونعود لاربع سنوات ماضية ..
هناك سنرى الحدث بوضوح أكثر ..
هل انتم مستعدون ؟
حسناً .. هيا بنا .. فالوقت متأخر .. والطريق طويل ..
اليوم هو من شهر سبتمبر 1999 .. انتم الان في الصعيد المصري ..
اعتقد أن بعضكم يعرف المكان ..
انتم ترونني الآن في كامل أناقتي ..
ارتدي جلباباً يقال انه كان ابيض اللون في يوم ما.. وحذاء مهترئ قديم ورثه أبي عن جدي .. والذي قمت أنا باحتلاله في لحظة يأس ..
هل تعرفون أحذية أبناء الجيش الايرلندي المناضل ؟
اعتقد أنكم لا تعرفونها .. !
إنها أحذية طويلة الرقبة حتى تكاد من فرط جمالها أن تعانق خصرك!!
و نحن في الصعيد نستخدمها عندما نقوم بأعمال الحرث والري والحصاد..
لا أطيل عليكم ..
كنت منهمكا كثور أسباني في العمل ..
الجو قائظ كما ترون .. والشمس تتحداك في عنفوان ..
والشباب المتحمس يبدو أنهم لا يشعرون بالعطش أو الجوع .. فقط هم يتمنون أن تنتهي بهم الحياة سريعاً... ليموتوا ويستريحوا من هذا الجحيم !!
النسوة تقف في الطرف الأخر متشحات بالسواد .. وتبدوا على سيمائهن الجدية والترقب ..
أنهن في انتظار سقوط احدنا صريعاً..ليقمن بواجب الصراخ والعويل على الفقيد المحتمل ..
الآن انتم ترون أبي يجلس سعيداً تحت شجرة وافرة الضل .. يحمل في يديه شيشته العتيقة .. ويبتسم لنا بشماته!!
نسيت أن أخبركم .. أن أبي كان يؤكد لي أن الأرض هي صانعة الرجال .. لذلك كان يصر دوماً أن احرث مع أبناء قريتي أرضنا ..
بل كان يصمم رحمه الله على أن أقوم بالجهد الأكبر .. مؤكداً انه هكذا سيشتد عودي.. وتقوى عزيمتي!!
تتساءلون أين المشكلة؟
هذا يعني أنكم ما زلتم معي ..
هذا يعني أن أشعة الشمس لم تصنع من اقفيتكم خبزاً محمصاً بعد ..
حسناً..
الآن انتم ترونني مع الشباب وقد توقفنا عن العمل فجأة ..
انتم ترون أبي يصرخ بنا كجنرال نازي .. لنواصل العمل .. ولكننا لا نسمعه!!
انتم ترون أعيننا شاخصة نحو سيارة لاندكروفر ضخمة قادمة نحونا عبر طريق ترابي..مخلفه حولها سحب رماديه..
انتم ترون الآن السيارة وهي تتوقف .. بجوارنا !!
هل رايتوها!!
أنها حسناء عشرينية تهبط من مكوكها بسلاسة تحسدها عليها الفراشات ..
أنها تنظر نحونا بعينين تحسدها عليها الأقمار السبعة!
أنها تخطو تجاهنا .. بخفة عذارى سبيس جيرل !!
أنها تخلف حولها وحولنا روائح عطرية مخملية تحسدها عليها الأزهار!!
أنها تنحني وتلتفت وكأنها خلقت بدون عظام !!
انتم الآن ترون عشرات العيون المرهقة المنتفخة تنظر نحوها مشدوهة..
الكون من حولنا الآن متوقف ..
عيوننا شاخصة وأفواهنا فاغرة على أقصى اتساع لها ..
حتى أن أي طبيب حنجرة أو أسنان يحترم نفسه سيؤكد إننا نعاني التهابا لوزياً يستوجب الفتك!
النسوة في الطرف الأخر .. تبدو عليهن علامات الجدية والحماس الشديد!!
يبدو إنهن على وشك إعادة أحياء حادثة شجرة الدر !!
النسوة يبحثن الآن عن أي قباقب خشبية تصلح للمهمة ..
و فتياتنا يقمن بالبحث عن أي وسيلة للفتك بالعدو القادم من اللاندكروفر السوداء..
الفتاة العشرينية تقترب بثقة افروديت الطاغية .. وبنرجسية كيوبيد المحبة..
أنها تتجه نحو أبي العجوز ..
أنها الآن تقف أمامه وتنظر له ..
أبي المسكين يبحث عن شيشته بانفعال .. انه يحاول أن يتأكد أنها ليست ضربة شمس !!
اخيراً وبعد بحث طويل وجد أبي شيشته في يده اليسرى !!
أمي تأتي من مكان ما مسرعة .. ممسكة بفأس ضخم ..
يبدو أن أمي قررت أن بعض الأمور تستوجب الحلول بالفؤوس وليس بالقباقب !!
أمي ستحصل بالتأكيد على جائزة نوبل للسلام .. إنها تبتكر حلولاً متواضعة للتخلص من أعداءها كما ترون!!
الفتاة تتحدث إلى أبي بصوت يبدو انه صوت كروان وبلابل تسكن حنجرتها ..
الحسناء الرهيبة تقول : ممكن يا حاج .. أنا تايهه ومش عارفه طريق كفر العرافوه منين؟
أبي بانفعال لم نره من قبل : أنتي عاوزه مين يا بنتي .. أنتي في كفر العرافوه دلوقتي!
الحسناء المدمرة تقول : أنا كنت بدور على بيت الحاج عبد الهادي المنفلوطي .. ممكن تبعت حد معايه يوصلني..
أبي بعد أن فقد انفعاله : ممكن يا بنتي ..
مشهد جانبي : أمي تقف بجوار أبي بحماس نادر وبيدها اليمنى فأس يزن 20 كيلو .. وبيدها اليسرى حجر ضخم يكفي لبناء بئر مائي وهي على أهبه الاستعداد لمقاومة الاحتلال المحتمل !!
أبي بعد لحظات من التأمل العميق وغير المبرر يأمر الجموع بالانتباه إليه ..
وكجنرال نازي لم يعد متحمساً .. طلب أبي أن يذهب احدنا مع الفتاة ليوصلها لبيت الحاج عبد الهادي ..
وبحماس قوات روسية حاصرتها الثلوج لقرنين من الزمان انطلق الأوغاد أبناء قريتي نحو الفتاة طلباً لنجدتها !!
في الوقت الذي انطلقت فيه النساء يسابقن الرياح الاستوائية في محاولة لثني رجالهن عن تحقيق المهمة الانتحارية!!
الرجال يتراجعن برعب شديد بعد رؤية حماس نسائهن الغير مسبوقه في قريتنا ..
متساءلين باندهاش من أين جاءت كل هذه الفؤوس .. مؤكدين أنها لم تتواجد هنا من قبل !!
يقال أن النساء كن يستشعرن الخطر المحتمل .. وان الفؤوس كانت في مخبئ سري ما قريب من الموقعه ..
صحيح أنها خلقت ببراعة شديدة!!
ومؤكد أن الأقمار السبعة تواصل حسدها لأن لها عينين ماسيتين .. وانها خلقت بدون عظام!!
ولكنني غير مهتم !!
خصوصاً وان زوجتي كانت تقف في الجهة الأخرى تحمل فأساً يشبه بشده الفأس الذي بيد أمي ..
والذي استطاعت زوجتي الحصول عليه بطريقه سرية من جهات معاديه للسلام والحرية!!
أبي الآن يصرخ من جديد وقد استرد حماسه .. ونشوته .. آمراً الجيوش الروسية بالعودة إلى مواقعها ..
مواصلا – أبي أيضا- عوده حماسه التتاري المفاجئ وآمراً إياي بتقدم الصفوف ..
طبعاً تقدمت ببراعه المهزوم المهزوز ..
تقدمت احمل حزن وانبهار من فقد حذائه الجديد في ليلة عيد الاضحى..
تقدمت وأنا احمل عشرين سؤال عن سر جاذبيه الحياة في الاوقات التي لا أكون فيها مستعداً !!
ووقفت بين يدي أبي ..
وبجوارنا تلك الحسناء التي ولا بد أنها خلقت من الأبنوس الهندي!!
وبهدوء الطاغيه قال أبي : اذهب معها إلى بيت عمك المنفلوطي .. وتأكد أنها وصلت بالسلامه.
قالها أبي كأي فرعون مصري يحترم نفسه بعد أن بعث من قبره ليجعل حياة الآخرين اشد تعاسه..
وبكل حزن وسعادة المصابين بالعبط المنغولي .. ذهبت معها..
طبعاً لم أنسى أن الاحظ كل نظرات الحقد الدفين في أعين رفاقي..
طبعاً لم أنسى أن الاحظ ايضاً نظرات زوجتي والتي بدت لي وكأنها أشعة X تستكشف مكنوني..
وعندما يأمر الكبار منا الأبناء .. فان الرفض هو المستحيلة الرابعة بعد العنقاء!!
ماذا حدث بعد ذلك ..
ستعرفون ولكن ليس الان ..
يكفي هذا لليوم ..
لكنني سأعود يوماً لاكمل لكم الحكاية ..
لكن لا اعدكم بمزيد من الإثارة ..
فالقادم سيكون مفاجئاً لكم بالتأكيد !!
اعتقد أنكم مشغولون جداً الآن..
لكنني سأعود ..
فدائماً أنا أعود !!
فالحياة بدون أن اصيبكم بالملل ستكون أكثر تعاسة لي !!
تعليق