ــــــ
هموم الطائفة وهموم الأمة
قد يكون لكل طائفة او شريحة في الامة بعض الهموم الخاصة ، الناتجة من تركيبتها الداخلية، او من واقع علاقتها مع سائر القوى والطوائف لكن هناك هموما وقضايا عامة على مستوى الامة ، وآثارها تنعكس على جميع اجزاء الامة وشرائحها .
وهناك تحديات كبيرة تواجهها الامة على الصعيد العالمي ، في مجال علاقتها مع سائر الامم والحضارات ، وفيما يرتبط بموقعيتها واسهامها في مسيرة التقدم البشري .
ان اخطر وضع تصل اليه الامة، هو انشغال قواها وطوائفها بمشاكلهم الجانبية ، وتجاهل القضايا الكبرى ، حيث تسعى الاطراف المختلفة الى احراز الانتصارات الداخلية على بعضها البعض، بينما تنزلق الامة كلها الى هاوية الهزيمة النكراء في معركتها المصيرية.
وهنا يمتاز الواعون المبدئيون عن ذوي التوجهات الفئوية والطائفية الضيقة ، حيث تتسامى الطليعة الواعية على جراحاتها الخاصة ، لتفكر بعقلية الامة ، وتعمل من اجل المصلحة العامة.
وذلك هو نهج اهل البيت عليهم السلام، والذين كانوا ينطلقون من الحرص على وحدة الامة، واعلاء شأن الدين، وتفويت الفرصة على الاعداء الطامعين، متجاوزين معاناتهم وآلامهم رغم قساوتها وفظاعتها.
يقول الامام علي بن ابي طالب عليه السلام فيما روي عنه، متحدثا عن موقفه من الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الاسلام، يدعون الى محق دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فخشيت ان لم انصر الاسلام وأهله، ان أرى فيه ثلما او هدما، تكون المصيبة به عليّ من فوت ولايتكم التي انما هي متاع ايام قلائل ».
انطلاقا من هذه الرؤية المبدئية الرسالية، وقف الامام علي الى جانب الخلفاء الثلاثة، مشيرا وناصحا وداعما ومؤيدا لكل ما يخدم مصلحة الدين والامة.
وعلى ذات النهج كان قبول الامام الحسن للصلح مع معاوية، وكانت توجيهات الأئمة لشيعتهم واتباعهم بان ينتظموا في جماعة المسلمين، وان يحافظوا على مظاهر وحدة الامة.
ونجد في عصرنا الحاضر نماذج مشرقة لاتباع اهل البيت عليهم السلام، في الالتزام بهذا النهج الواعي، الذي يتجاوز الهم الخاص الى الهم العام، ويقدم مصالح الامة على مصلحة الطائفة.
ان مؤرخي الصحوة الاسلامية المعاصرة يعتبرون السيد جمال الدين الافغاني (1838 ـ 1897م) هو رائدها الاول مطلع هذا العصر، وهو باعث النهضة الاسلامية، وقد تركت حركته التوعوية السياسية اثرها الكبير في عواصم العالم الاسلامي كالقاهرة وطهران واسطنبول، ثم واصل دعوته من باريس، عبر مجلة «العروة الوثقى»، وكان خطابه اسلاميا عاما، واطروحاته تعالج مشاكل الامة وقضاياها الرئيسية، دون اي لون مذهبي او صبغة طائفية.
وحينما غزا الانكليز العراق، اواخر عهد العثمانيين، وكان الشيعة وهم اكثرية الشعب العراقي، يعانون من سوء السياسات الطائفية العثمانية، الا انهم رفضوا التجاوب مع الاحتلال الاجنبي، ووقفوا مع الدولة العثمانية، وقاوموا الاحتلال الاجنبي حتى اخرجوه من العراق.
كما سجلت المقاومة الاسلامية في لبنان اروع المواقف الوطنية، في مقاومة الاحتلال الصهيوني وطرده من جنوب لبنان، وفي دعم نضال الشعب الفلسطيني، والوقوف الى جانب انتفاضته الجهادية، متجاهلة كل الاغراءات التي تعرض عليها من كل جهة اذا تخلت عن مساندة الشعب الفلسطيني، ومتحملة كل الضغوط الهائلة بسبب هذا الموقف الاسلامي العظيم.
هذا هو المطلوب والمأمول من شيعة اهل البيت في كل اوطانهم، ان يتمثلوا نهج أئمتهم الهداة في حمل هموم الامة، وخدمة المصلحة العامة.
تعليق