ولكن إذا نظرنـــا من جهة أخرى الى حالتهم العمومية نجــدهــم في غفلة وجهالــة في جمــود وخمـول في خنــوع ، وتواكـل في هـلع ، وجبن في ذل ، وصغـار في احتقـار ، وامتهـان في فقـر وبوس في تعاسة وشقــاء .
استأثرت الأجانب بخيرات بلادهم وكنوزها ، وأصبح 90% منهم تحت الاحتـلال أو الحمايـة أو الوصاية أو الانتداب وبالمعنى الحقيقي تحت الاستعمار . والباقي منهم محـاط بالأهــوال مهـدد بالأخطار، فما سبب هذه الحالة الغريبة ؟ وما منشأ هذا البون الشاسع يا تــرى ؟؟؟
الجواب على ذلك بسيط جدا وهو أنهم ضيعوا أوامر الإسلام فضيعهم الله لقوله تعالى :
(( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )) . عنـدما كــان السلف الصالح واقفيــن عند حــــدود الإسلام أيدهم الله وأعزهم فنشروا ألوية ، الإسلام شرقا وغربا وهـم لم يتجاوزوا 200 ألف ولكن لما تعدى الخلف حدوده خذلهم الله ولم يجدهم 400 مليون فتيلا ولا نفعتهم خيرات بلادهم الوفيرة نقيرا بل كانت عليهم وبالا مبيدا وشرا مستطيرا وسلاحا فتاكا في نحورهم ، فلقد استثمر الأجانب بلد المسلمين وأحقادهــم القديمــة وأضغانهم المتوارثة فسلطوهــم على أنفسهـم بأسمــاء المذاهــب وعناوين الطرق وألقــاب القبائل والعشائر وأقسام البــــلاد فبنوا بينهم أســوارا وحواجــز وهميــة فأذكوا بينهم نيــران العــداوة والبغضاء فتـواثبوا وتناحروا وتنازعـــوا ففشلــوا وأذهبوا ريحهم . والمسخ إذا جاء لا يقلب بني آدم قردة وخنازير ولكن يمسخ النفوس ويجعلها عدوة لدودة لنفسها.
إن 400 مليون نسمة التى نعـدهــا فــي زمــرة المسلمين إنمــا هــي كذلــك من حيث الجنس والجغرافيا , اما من حيث الوصف الذي يقتضيه جوهر الإسلام فهل نجد من هذا النوع 1 % ؟
فلو تتألف جمعية دينية لاحصاء الممتثلين لأوامر الإسلام والمنتهكين لها فكم تجــد في المائة من المصلين بالوجه الشرعي ؟ وكم تجد من المزكين ؟ وكم تجـد من الصائمين ؟ وكــم تجــد من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ؟ الــخ ....
ثم إنها كم تجــد من المنتهكين منهم ؟؟؟ فلا محالة أنها الأقلية الضئيلة من الأوليــن والأكثرية الساحقة من الآخرين .
أفبعــد هذا نرجوا من الله - ونحن نحاربه - أن ينجــز فينا وعــده بالتمكين في الأرض وأن يتوجنا بتــاج العــرة إن هذا إلا نقيض سنته في كونــه .
إن كل مجد وكل عظمة وكل عز يطلبه المسلم لا من باب الإسلام فمن قبيل إتيان البيوت من ظهورها .وهل هو الا عناء في عناء مغبته الخيبة والخسران .
لم يغلب المسلمون على أمرهــم بقــوة السلاح ولكنهـم غبلوا على أمرهـم حينما غبلوا على دينهم ببث الدعاية ضد الإسلام بأساليب عديــدة في مختلف البــلاد والعصور فـدخلت في العقيدة الإسلام ،الصحيحة الناصعة الشكوك والأوهـــام والخرافات وفسدت الأخـلاق وتنافــرت النفوس وتلاحقت الأضغان وتراكمت الأحقاد فأصبح المرء عدو نفسه وقومه وبلاده بدون أن يشعر وهذا نهاية الانحطاط وأسفل دركات السقوط .
أرسلت أوروبا الى بلاد الإسلام موادها السامة وغازاتها المخنقــة فاختنقت بهـــا روح الإسلام وشوهت مرؤتــه وطمست معالمه ، فخدرت اعصاب المسلمين وتركتهـــم نيامــا وسكــارى غير شاعرين بما حاق بأنفسهم ودينهم وبلاهم .
وهجمت على الإســلام بخيلها ورجلهـــا وحاربته ولا تــزال تحاربه بكـل ما أوتيت من المكـر والخداع والمهارة والسياسية والدسائس وآلات التخريب والتدمير. وأرسلت التبشير ووزعتها في أطراف البـــــلاد طولهـــا وعرضهـــا كالحمام الزاجــل حاملا إليهـــا رسائــل النصرانية ظاهرا والاستعمارية باطنــا. أجرت أنهارا وجــداول من أنواع المسكرات في المدائن والقرى والمـداشر لتجفيف العقول ومسخ النفوس .
وجهزت جيشا جرار من بنات الهوى وفتحت لها أبواب المراقص والفجور على مصارعها في أنحاء البلاد لقصف الأعمار وإفساد النسل واكتساح الجيوب .
استحـوذت على موارد الثــروة العمومية فأفقــرت العبــــاد وأقفــرت البلاد فثقلت وطأة البؤس والشقـــاء على البشرية . فعملت كل ذلــك وغيره ضد الإسلام ولكــن بعنوان التمديـن ومقتضيات الحضارة ومقاومة الوحشية والهمجية فأصابت بهذا مقاتل الإسلام ، لــولا أن تـــداركه الله بلطفــه ورحمته .
فعلت كل ذلك وملوك المسلمين منهمكون في اللذائذ والشهوات والملاهـــي ولو كلفهم ذلك بيـع دينهم وملتهم وبلادهم بأثمان بخسة في أسواق الخــزي والمهانة والصغار . وعلمـاء المسلمين في الصمت والسكوت منزوون في قعر بيوتهم مرتدون برداء الجمود والخمول .
ومشايخ الطرق مع ما لهــم من النفوذ الروحي في نفـوس العامـة باسم الديــن وشـارة الشـرف النبوي مشتغلون بجمع الزيـــارات والنذور بــل هـم أصبحوا لها أداة صالحة لجمع أعنة المسلمين
وأسلاس قيدهم لها ، وقد اتخداتهم لطمس معالم الإسلام باسم الإسلام كأمهر جنودهـــا .
تعليق