اعلان

Collapse
لا يوجد إعلان حتى الآن.

قصة العائدة إلى الله ليست نسجا من الخيال وإنما هي عبرة لأولي الألباب

Collapse
X
 
  • تصنيف
  • الوقت
  • عرض
Clear All
إضافات جديدة

  • قصة العائدة إلى الله ليست نسجا من الخيال وإنما هي عبرة لأولي الألباب

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه
    أما بعد :
    فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    اطلعت على النقاشات التي دارات حول قصة العائدة إلى الله ، وتساؤل الأخت الكريمة مؤمنة عن مصداقية هذه القصة، وقد كنت شرعت في الكتابة ثم وصلتني رسالة منها تطلب توضيحا حول الموضوع نفسه .
    وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على وعي في فكر شبابنا ،وتثبتهم من الحقائق في كل ما يكتبون أو يقرأون ، وأنا معك أخي ناصر يحق لأي شخص أن يسأل وأن يتثبت ، وهذا هو أمر الله لعباده المؤمنين، وعسى أن أكون عند حسن ظنكم بي .
    وسأبدأ بالأخت مؤمنة لأنها هي صاحبة الطلب الأول، وفي حقيقة الأمر فقد سبقها الكثير من الإخوة والأخوات يتساءلون عن ذلك، وحق لهم أن يتساءلوا عن قصة عجيبة كهذه قل أن تحدث في زمن أظلم ليله وأفل نجمه ،و اختلط الحابل فيه بالنابل.
    قول الأخت مؤمنة : بأن هذا لا يحدث هذه الأيام ولكن أيام الرسل والصحابة والتابعين، ليس شرطا لعدم وقوعها ، فإن من عاش في ظلال النبوة حق له أن يرى الكرمات ،ولكن من عاش آخر الزمان يتقلب في فتن عمياء وفي ظلام دامس ، اختلط فيه الحق بالباطل، حق له إن أخلص لله عمله أن يبشر بالكرامة ، لأنه رغم التيارات الجارفة والشهوات الجامحة صان نفسه ووحصن فرجه وغض بصره، وصبر على عبادة ربه فمثله كمثل القابض على الجمر كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وقد جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن رؤيا المؤمن في آخر الزمان تأتي كفلق الصبح أي أنها صادقة لا تكذب، وقد مضى وعد الله لكل من استقام على امر في أي زمان وفي أي مكان أن يبشره الله بالكرامة في حياته قبل مماته، يقول تعالى ( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون ،لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ) فقد قال جماعة من المفسرين: بأن البشرى في الدنيا هي الكرامة يقول الشيخ العلامة أبو إسحاق إبراهيم اطفيش ( والكرامة للولي كالمعجزة للنبي وكل من المعجزة والكرامة أمر خارق للعادة لا يدخل في دائرة التعليل، وكل منهما أمر آتٍ من الله تبارك وتعالى لا دخل للعبد فيه ، وإنكار مثل هذا الأمر عماية عن الحق ،وتدخل في قدرة الله الصالحة لكل ممكن، والدليل على الكرامة قول الله سبحانه... ثم ذكر الآيات السابقة .
    ثم قال : وقد زعم بعض البسطاء أن الكرامات التي تذكر لا يصدقها، فهذا ليس ممن يعتبر قوله لبعده عن هذه المدارك التي تشعر بها النفوس النقية من الشوائب) . اهـ
    وما زالت الكرامات تظهر بين الحين والآخر على الصالحين من عباد الله إلى الآن من أهل هذا البلد الطيب عمان وذلك لطيب أخلاقهم وصفاء نفوسهم وصلاح أعمالهم ،وكتب علمائنا ملئية بها لمن طالعها .
    فإذا عرفنا ذلك بان لنا بأن وقوع مثل هذه القصة ليس بمستغرب بل هي الكرامة التي ما بعدها كرامة ، فأطمئن الأخت مؤمنة وكل الأخوة الكرام بأن أحداث القصة صحيحة بمشيئة الله ، أخذتها مباشرة من صديقة هذه العائدة ، وصديقة العائدة هذه -التي وصفتها الأخت مؤمنة بأنها ربما تبالغ في أحداث القصة- هذه الصديقة أعرفها معرفة جيدة ويعرفها بعض أهل الصالح من مشائخ العلم بأنها صالحة تقية محافظة متمسكة بدينها ،وأسرتها أهل فضل وصلاح ،كذا نحسبهم والله حسيبهم، ولا تعرف الكذب أو المبالغة في حديثها خاصة بأنه ليس لها مصلحة من وراء ذلك ، وقد نقلتْ القصة بأمانة من صاحبة القصة نفسها ،فقد درستا سويا في مدرسة واحدة بمحافظة مسقط ،وقد حكت لها العائدة إلى الله قصتها من بدايتها عندما كانتا في الصف الأول الثانوي ،ثم افترقتا بعد ذلك في الإجازة الصيفية، ولم تسمع عنها صديقتها شيئا إلا بعد بلوغها خبر وفاتها، ثم التقت راوية القصة بابنة عم العائدة فحكت لها خبر توبتها ورجوعها إلى ربها إلى حين وفاتها ، وكذلك ابنة عم العائدة امرأة معروفة بصلاحها واستقامتها لأنها هي وأخواتها من بيت صالح طاهرمن أهل الحق والاستقامة، وأهل الحق والاستقامة لا يكذبون فهم يعدون الكذب كبيرة من كبائر الذنوب تخلد صاحبها في النار والعياذ بالله .
    هذا هو سند القصة ، ولم نكتفِ بذلك بل حاولنا التأكد من طرق أخرى عن طريق بعض زميلات العائدة ممن يعرفنها معرفة جيدة فأكدن مصداقية ذلك، ثم بحثت مرة أخرى، فأكد لي بعضهم ذلك بما لايدع مجالا للشك .
    أحداث لم تذكر في الشريط :
    القصة وقعت قبل سنتين فقط من الآن، كان بداية هذه العائدة أنها ولدت من أب عماني وأم أوربية ،ولطبيعة عمل الأب خارج عمان كان يقضي معظم أوقاته في الخارج ، فولدت هذه الفتاة هناك وقضت أيام طفولتها ، وتعلمت هناك ولم تتعلم إلا النذر اليسير عند دينها، وكانت أمها الأوربية تحرص أشد الحرص على تلقينها مبادئ الدين النصراني كما ذكرنا في المحاضرة ، ولم تكتفِ الأم بذلك بل كانت تعوِّد أولادها على النظام والانتظام في كل شيء، في موعد طعامهم ومنامهم ومنشاطهم وكل حياتهم، تفعل كل ذلك لا لشيئ إلا لأجل أن تبين لأبنائها عظمة الحياة الأوربية، وأنها هي المدنية والتقدم والتحتضر .
    وعندما يعودون إلى عمان، لا تهتم بهم أبدا، لا في أكلهم ولا في منامهم، وإنما تعودهم على الفوضى، لتبين لهم بأن المجتمع المسلم مجتمع متخلف متأخر لا يعرف النظام ولا التحضر .
    درست هذه العائدة المرحلة الابتدائية في أروبا، وعادت إلى عمان فواصلت الدراسة من الاول الاعدادي، وكانت في المدرسة هي وصديقتها الفاسدة متميزات في التحصيل العلمي ، وكانت هذه العائدة صادقة جدا في حديثها ، عندها روح التفاعل مع زميلاتها، وكانت تقضي جل وقتها في تفهيم البنات ، المشكلة في صديقتها الفاسدة فقد كانت فاسدة تلبس الملابس القصيرة ، هي التي كانت تؤثر عليها تأثيرا كبيرا،ولما أنهت المرحلة الإعدادية درست الأول الثانوي وفي آخر السنة الدراسية بدأت تظهر عليها التغيرات فأحبت العزلة عن زميلاتها ، وكانت تأتي إلى صديقتها الصالحة التي تروي القصة فتقول لها : أريد أن أكلمك ، ولكنها لا تتمالك نفسها من البكاء، بعدها حكت لها كل تفاصيل حياتها التي عاشتها في ضلالة ،واستمرت على حزنها وعزلتها إلى آخر يوم في الدراسة فدرست حصتين، ثم انقطعت أخبراها عن صديقتها.
    بعدها كان ذاك الموقف مع صديقتها الفاسدة عندما رأتها في أحضان ذلك الشباب، فتغيرت حياتها وبدأت رحلة التوبة التي ذكرناها في القصة.
    عندما عادت إلى البيت رأته يضج بضحكات الشباب والفتيات من إخوانها الذين يسلكون نفس المسلك عند غياب المراقبة، فالبيت على مصراعيه لهم يفعلون ما يشاءون، المهم تقول بأنها كانت تسمع أذان الصلاة دائما ولا تلقي له بالاً إلى أن كان ذلك اليوم ، فلما استمعت للأذان تقول: كأن المؤذن يؤذن في أذني ورددت وراءه، طوال عمري ما سمعت أبي أو أخي أو صديقاتي يرددون وراء الأذان.
    أثاث غرفتها شاهدته في فلم فاتصلت بأبيها وأحضره لها ، وعندما هداها الله كسرته وحدها رغم أنه ثقيل لا يحمله إلا رجلان ، تقول : شخبطت في الصورة التي في الجدار .
    عندما أرادت الصلاة تقول :أعرف من الصلاة التكبير والفاتحة ،أسجد أقول : ربي اغفر ذنوبي، وتبكي .
    في الصف الثاني الاعدادي أهدتها عمتها جلبية وعباءة ولحافا، فوضعتها في الخزانة في الطابق السفلي، وكانت عمتها تزورها وجلست معهم شهرا، لكنها لم تطق الجلوس معهم لأنها كانت تريد من هذه الفتاة أن تصلي وتقرأ القرآن.
    بعد توبتها وذهابها إلى بيت عمها طلبت مصحفا، ولمدة ثلاثة أيام لم يدخل في جوفها طعام وإنما اكتفت بشرب الماء، تقول : قد أكلنا مختلف لذائذ الطعام ، وآن لي أن اغذي روحي،ولذلك اكتفت بالمصحف ولم تر أحدا لمدة ثلاثة أيام .
    كانت تحفظ أبياتا من جوهر النظام للإمام السالمي ،وذلك قبل أن تنام، وقد حفظت قدرا كبيرا من الجوهر، تقول: عمرنا قصير ،وتحس دائما بالموت.
    كان مدة جلوسها مع عمها شهرين، ولما علم أبوها انتقلت إلى بيت جدها كانت تدرس القرآن للنساء وتعطي الأطفال دروسا في السيرة النبوية.
    بعد وفاتها وصل أبوها بعد ساعة ،وجدوها مستندة على الجدار والمصحف في حضنها قد ضمته.
    فيالها من فتاة ما أعظمها، وما أشد وقع أحداث قصتها على النفوس،هذا بعض ما لم أذكره في المحاضرة ،طلبا للاختصار وعندي مزيد من أحداث قصتها لا أرى داعٍ لذكره، ففيما ذكرنا كفاية للمعتبرين، ويحنا ماذا قدمنا لآخرتنا، اكتساب الذنوب والانغماس في الشهوات، فإلى متى هذه الغفلة التي نحن فيها.
    خطآن يجب التنبيه عليهما:
    وقع في المحاضرة خطآن سهوا مني فوجب التنبيه عليهما رغم أنهما لا يشكلنا في مضمون القصة شيئا، وهما :
    1-عندما دخلت الفتاة غرفة صديقتها ورأتها في أحضان ذلك الشاب، ذكرنا أنها صفعت صديقتها حتى سقطت مغشيا عليها، ( وصفعت ذلك الشاب) والصحيح أنها صفعت صديقتها فقط ولم تصفع الشاب.
    2-عندما اتصلت بسائق جدتها ،فجاء لم يعرفها بسبب لباسها الساتر، فلما رأتها زوجة السائق أجهشت بالبكاء، هذا هو الصحيح وليس كما ذكرنا من أن التي أجهشت بالبكاء هي زوجة عمها .
    فيجب التنبه لذلك ،وأرجو من الإخوة الكرام عند نشر القصة أن ينبهوا على هذين الخطأين أداء للأمانة وتبرئة للذمة.
    حقيقة الستة الرجال الخضر والكفن :
    ولعل هذه النقطة هي أهم ما في الموضوع ، وهي النقطة التي دار حولها النقاش وأدى بالبعض أن يحكم ببطلان القصة، وهي اثبات هذه الكرامة لهذه الفتاة بهذا النحو في هذا الزمان، وقد تقدم في بداية الموضوع الكلام على الكرامة وعلى أن العبد إذا أخلص عبادته لمولاه كان حريا أن يجد البراهين ماثلة بين يدية، ولكن الذ ي يعيش في أتون المادة ولجة الشهوات هو محجوب عن أنوار الحق ،فإذا ذكرت له لا يصدقها، وقد صدق من قال : من ذاق عرف، ومن حُرِم انحرف، فشتان بين حياة المجون وحياة الإيمان .
    فهل نستعظم على فضل الله وواسع رحمته أن يمن بمثل ذلك على فتاة تابت توبة نصوحا من أعماق نفسها ، واحتضنت كتاب ربها وكانت تقوم الليل من الساعة الثانية إلى طلوع الفجر تصلي وتقرأ القرآن وتبكي، والله أشد فرحا بتوبة عبده من فرح الأم بلقاء وليدها كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، إن أحدنا إذا صلى يوما من الأيام صلاة بخشوع يحس براحة وطمأنينة وسكينة ، ويشعر بنور يسري في قلبه ، فكيف إذا استدام ذلك طوال حياته، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: ( لو أنكم تدومون على ما أنتم عليه عندما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة في طرقكم وعلى فرشكم )، فليس ببعيد أن تبلغ هذه الفتاة تلك المنزلة العظيمة ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم، يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم ).
    ومع ذلك فقد تأكدنا من الخبر عدة مرات فأكدوه لنا ، فالخبر صحيح، ولم يبقَ إلا القطع بذلك ، ونحن لا نملك ذلك لأن القطع يحتاج إلى تواتر النقل، وخبر الواحد والاثنين والثلاثة وإن كان صادقا لا يورث علما قطعا ، فالصحة شيء والقطع شيء آخر ، ومن أين لنا القطع ولم يحضر دفنها والصلاة عليها إلا أفراد معدودون وهم : أبوها وإخوتها وأعمامها وجدها فقط لا غير، ودفنت في مزرعة هناك معهم ، ولذلك هم لم ينكروا الرجال الستة الخضر أول الأمر لهول المصيبة، وأنكروهم بعد ذلك لغرابتهم وعدم حضور أناس غيرهم واختفائهم فجأة .
    ورغم صحة الرواية تبقى قصة هؤلاء مع الكفن مثار تساؤل ، وأقول للإخوة كافة : هذا ما وصلنا عنهم وتأكدنا صحته، ولكن القطع لا نملكه، ونرد العلم إلى الله فهو الذي يعلم السر وأخفى مع عدم استبعادنا لوقوع مثل هذه الكرامة لهذه الفتاة الطاهرة .
    وقد رأتها صديقتها الصالحة بعد وفاتها في المنام ثلاث مرات، أخبرتها في المرأة الأولى بما وجدت من نعيم، حتى ذكرت لها ثمار الجنة وأمرتها بأن تخبر الناس بقصتها بدون ذكر الأسماء، وفي المرة الثانية أمرتها بأن تصحح رواية الناس لقصتها لأنهم يحكونها خطأ، فقامت الفتاة بتبليغ قصتها للنساء ، وفي المرة الثالثة : قالت لها بأنها تنتظرها لتلحق بها .
    ولم نذكر هذه المنامات لنحتج بها وإنما لنستأنس بها فقط لا غير .
    وعلى العموم فنحن لا نجبر أحدا على أن يصدق هذه الكرامة ولكن لا يصح له أن يكذبها إلا بدليل صحيح ، والعلم عند الله وحده .
    لماذا خفيت القصة عن أكثر الناس ولم يعرفها إلا القلة :
    يعود ذلك لعدة أسباب :
    1- كونها من أسرة راقية ، ولا يختلط بهم إلا من هو في مستواهم .
    2-انحصار أحداث قصتها على مستوى أسرتها وأسرة عمها وجدها ومن داخلهم ، فهي لم تخرج من بيت أهلها بعد توبتها بدا إلى حين وفاتها .
    3-لم يحضر تغسيلها ولا الصلاة عليها ولا دفنها إلا أهلها فقط لا غير ، ولم يشاركهم في ذلك أحد .
    4- كونها قد قُبِرت في مزرعة هنالك .
    لهذه الأسباب ولغيرها لم ينتشر خبرها عند أكثر الناس، لذلك استغرب من أحداث هذه القصة من استغرب ، وأنكرها من أنكرها .
    موقف الناس من هذه القصة :
    انقسم الناس إزاء هذه القصة إلى ثلاثة أقسام :
    1-منهم من صدق بها وخشع قلبه ، وهم غالبية الناس ، وقد بلغني عن بعض الشباب والفتيات بأنه أقلع عن غيه وتاب من ذنبه ورجع إلى ربه، والحمد على ذلك ، فذلك فضل الله .
    2-ومنهم من صدق ولكنه أراد أن يتثبت ،وهؤلاء طائفة من الناس .
    3-ومنهم من لم يصدق وسخر واستهزأ، وهؤلاء قلة ، وسبب ذلك أنهم يعيشون في ظل المحسوس ، ولا يدركون مقدار الأمور الإيمانية ، ولو صدقوا بما جاء في القصة لكان مناقضاً لتصرفاتهم وحياتهم التي هي حياة الانحراف والبعد عن الله ،فهم لا يصدقون لأنهم لا يريدون أن يخرجوا من حياة اللهو التي يحيونها ،ولذلك يبررون أفعالهم بهذا الانكار .
    وقد قيل الكثير عن هذه القصة : بأننا تلقفناها من أفواه الناس بدون تأكد، أو وثقنا بمن ليسوا أهلا للثقة -معاذ الله- أو أننا لفقنا القصة من أنفسنا لأغراض دنيوية ، وهؤلاء قد ضربتُ صفحا عن الرد عليهم ، ويكفي ما تقدم نقضا لما قالوا ، والله عند لسان كل قائل فليقل بما شاء فالله حسيبه .


    معرفة الأسماء لا تهم مع حصول العبرة :
    أما معرفة اسم صاحبة القصة ،واسم أهلها ، والراوية عنهم، فذلك لا يفيد شيئا، وإن كان المعرفة أحيانا تطمئن النفس، وبما أنهم استتروا بستر الله ،فلا يصح أن نكشف نحن ذلك الستر، استجابة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من ستر مسلما في الدنيا ستره الله يوم القيامة ) ولقوله عليه الصلاة والسلام ( من أصاب منكم شيئا من هذه القاذورات- يعني الذنوب- فستره الله فليستتر بستر الله ) ، وقد كان صلى الله عليه وسلم إذا ذكر قوما لينبه على خطئهم لم يذكرهم بأسمائهم وإنما كان يقول : ( ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ) ( ما بال رجال يفعلون كذا وكذا ) ( مبالنا نبعث العامل فيقول هذا لكم وهذا أهدي إلي ) هكذا كان هديه عليه الصلاة والسلام .
    ويكفي أن نعلم بأن القصة وقعت في محافظة مسقط قبل سنتين في الإجازة الصيفية ، فتوبتها كانت في خلال الإجازة الصيفية ،أي في ثلاثة شهور ،وفي هذه الفترة حفظت القرآن الكريم ، وذلك ليس بمستغرب ، أولاً : لكونها جيدة الحفظ متفوقة في دراستها، ثانياً : توفيق الله لها، ثالثاً : توبتها النصوح وعبادتها المستمرة، رابعاً : شدة مثابرتها على الحفظ ليل نهار فهي قد عشقت القرآن فصار غذاءها وأنيسها وجليسها، أما حفظها في الأسبوع 4 أجزاء من القرآن فذلك أيضاً ليس بغريب فإنا نعرف شبابا يحفظون جزءا كاملا من القرآن في نصف ساعة ، فكم سيحفظون في اسبوع ؟! ذلك فضل الله والله ذو الفضل العظيم .
    ثم توفيت الفتاة بعد ذلك ، وعمرها يتراوح ما بين 15 إلى 18 تقريبا ، فهي توفيت بعد الأول الثانوي من دراستها، وبما أنها قد أفضت إلى ربها فأمرها إلى الله .
    وما يقال عنها وعن أهلها ،يقال عن الناقلين للقصة ، وهم معروفون وإن خفوا عن الناس ، فالناس دائما تحب أن تبحث عن عثرات الآخرين،ومنهم من يحقق في الأمور فضولا وتطفلا ،كأنه محقق،وأكثر أولئك يريدون التفكه بعيوب الناس،والطعن في أعراضهم، ونسوا مساوئهم وعيوبهم ،وغفل البعض منا عن قوله عليه الصلاة والسلام ( إن الله كره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال ) ، ونسينا العبرة الحقة من هذه القصة ، نسينا أننا في غفلة ، فمتى نستيقض منها، ونسينا الاتعاظ بغيرنا ، فرحم الله امرأ اتعظ بغيره، ولم يكن هو عظة لغيره، لتحكم هذه الغفلة من نفوسنا أصبح حمل الجنازات، ودفن الأموات، لا يذكرنا بالله، كأنما هو أمر عادي تعودنا عليه، فيالها من غفلة ما أشدها ، عندما نصل إلى هذا الأحد ، ألم نسمع قول الله ( ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة ) ويقول : ( ألم يأنِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون ) عندما نزلت هذه الآية بكى سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقال : بلى آن أن تخشع قلوبنا .
    فعلينا بالعودة الصادقة إلى المنهل الصافي منهل محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام، وأن نجعل حديث مجالسنا ذكر الله ثم بذكر الصالحين لا بالغيبة والنميمة، فقد كان سيدنا عمر بن عبد العزيز رحمه الله يجلس مع أصحابه من بعد صلاة العشاء إلى قرب طلوع الفجر لا شغل لهم إلا ذكر الآخرة ثم يبكون بكاء شديدا حتى تنهمل الدموع من أعينهم ، فأين مجالسنا اليوم من مجالسهم ؟!
    شكر وتقدير :
    ثم إني أتقد م بالشكر الجزيل لجميع الإخوة الذين ناقشوا هذا الموضوع ،وإنما غايتنا جميعا أن نصل إلى الحق، ولكنهم ألبسوني حُلة لست أهلا لِلَبوسها، ولقد نبهتُ قبل إلقاء تلكم المحاضرة بأني لستُ أهلا لإلقائها، لأن الحديث عن التائبين يحتاج له إلى قلب طاهر سليم ، قد عمر بطاعة الله ، ولسان رطب بذكر الله ، وعمل صالح يقرب إلى الله ، فذلك أدعى أن يجسد الموقف في أسمى معانيه، وما خرج من القلب يصل إلى القلب ، وأنى لي بذلك وقد غمرتني الذنوب مع ضعف في العلم والفهم، وقلة في العمل، وتقصير في الطاعة، وتفريط في جنب الله، وعسى أن لا أكون فيمن عناهم الشاعر بقوله :
    تُذكِّر بالمعاد وأنت ناسي
    وإنما حالي يصوره قول شيخنا العلامة المالكي :
    لا تغترر بالثياب البيض إن لُبست كم تحتهن من السوءات والقذرِ
    وقول الآخر :
    يظن الناس بي خيرا وإني لشر الناس إن لم تعفُ عني
    أُجنُّ بزهرة الدنيا جنونا وأُفني العمر فيها بالتمني
    وبين يدي محتبس طويل كأني قد دُعيتُ له كأني
    ولو أني صدقتُ الزهد فيها قلبتُ لأهلها ظهر المجنِّ
    وقول الآخر :
    والله لو علموا قبيح سريرتي لأبى السلام علي من يلقاني
    ولكن أقول كما روي عن سيدنا أبي بكر رضي الله عنه:
    اللهم اجعلني خيرا مما يظنون، ولا تؤاخذني بما يقولون، واغفر لي ما لا يعلمون .
    ولا أنسى أن تقدم بالشكر الجزيل إلى هذه السبلة العامرة التي تفيض بمختلف ثمارها اليانعة ، وللقائمين عليها عاطر الثناء ،أما عن مشاركتي فإن للقلم أربابه، ولستُ من أربابه، فإن الكلمة أمانة من لم يضعها في موضعها كانت وبالا عليه، وقد ورد في الأثر : كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا ذكر الله أو قراءة القرآن أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر، أما شيخنا الظافر فقد وجد ما يقول فقال، ووجد ما يكتب فكتب، فنسأل الله السداد والرشاد .
    وفي الختام فإني أعتذر على هذه الإطالة ، ولكنه أمر اقتضاءه المقام، فعسى أن تكون بعض الحقائق قد وضحت، وزال اللبس والغموض، ومن لم يكفه قليل الحكمة ضره كثيرها، وإني منشرح الصدر لسماع كل ملاحظاتكم وتنبيهتكم، فالمسلم مرآة أخيه، فرحم الله امرأ أهدى إلي عيوبي .
    وإلى لقاء قريب على مائدة الإسلام الحنيف ،وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

    مع تحيات :اليوم
تشغيل...
X