جعل منها زايد لؤلؤة تسحر الألباب
الإمارات التي تحولت من البساطة إلى الحضارة
حينما يقوم أي مسافر تجاه أي دولة ما ولأي غرض كان فإنه لا بد أن تكون عنده أصداء عن هذا البلد الذي سلكه، لا سيما أن هذه الجولة قد تكون لأول مرة أو لفترات متفاوتة أو متباعدة دون الإقامة فيها.
وهناك الكثير من الدول التي تهتم حكوماتها بتحسين مظاهرها والحفاظ على مكتسباتها وإبراز معالمها ومكانتها، والحرص على أن تكون مصدراً سياحياً في مواطن متعددة في هذه الدول لكي تأخذ كل واحدة مقدمتها في الصفوف والدخول في المنافسة مع الجميع من أجل الدخول في الاستثمار لزيادة قوة الاقتصاد لكل بلد والتعريف بالحضارة والتطور والتعرف على هويات هذه الشعوب وكيفية ملامح ثقافتها وغير ذلك عما يبحث المسافر بكل لغاته وجنسيته.
وفي طليعة هذه الدول دولة الإمارات العربية المتحدة التي اتخذت من الإسلام منهجاً ومن العروبة قوة ومن الخليج وحدة.
هذه البلاد العريضة التي كانت يوماً من الأيام صحراء قاحلة لا يوجد بها إلا ندرة من بيوت الشعر وحولها بعض من العيون وعلى جانبها مسطحات بحرية جارفة تتلاطم عليها ذات صباح ومساء وعالم بشري بسيط يكافح في مخاطر البحار ويزرع الحبوب على سفوح الجبال وعلى متانة خصوبة الأرض ترقباً لحصد استواء ونضج ثمره ويقوم بصنع حديد ومعادن وأجلدة وغيرها من أدوات يقوم على صنعها وإنتاجها.
هذا ما كان يعيشه الإنسان الإماراتي في القدم فالحياة هناك كانت متواضعة يمسها الفقر ويواجهها شيء من المرض ويزعجها عدم الاستقرار إلا أن هذه الظروف لم تكن وقفة عثرة بوجه البشر.. فكانوا في نفس الوقت أقوياء شديدي العزيمة ولم يؤثر عليهم تكالب الحياة وتغيرات الطقوس والمناخ وظروف الزمن، فالجميع كانوا يداً واحدة من أجل الظفر بلقمة العيش والاستمرار بملاحقة الحياة والنظر في الأمل المشرق، وكان للحاكم آنذاك دور مع من حوله يشاركهم نفس المصير.
وفي قلب هذه الأرض الشاسعة كان هناك شاب في أول مطلع شبابه وتوهجه وانطلاقة فروسيته في هذه الحياة يعرف ب (زايد بن سلطان آل نهيان) هذا الفتى لم يكن يتوقع أن يكون شيئاً ما في يوم من الأيام والأزمان، إلا أن القدرة كانت لها كلمتها في تحول مسيرة هذا الإنسان التي جعلت منه مطلباً من الأنظار التي حوله.
يكمل مسيرة ما سبقه إلا أن هذا الشيء الذي لم يكن بالحسبان هو أن تظهر مع هذا الفارس معجزات غير متوقعة لم تكن معهودة من قبل.
فأقبل زايد على المعاهدة على نهج من سبقوه وعاهد على من بايعوه وآزروه فتمت المبايعة وأخذ هذا الداهية بزمام الحكم وواصل المسيرة وحدثت اكتشافات هذه المعجزات والمتمثلة في خزائن الله في أرضه فتم التعرف على المياه السوداء في باطن الأرض ليبدأ زايد رحلة أمل مشرقة بسماء موطنه الذي احتضنه وزف البشرى للجميع بأن الخير كل الخير قادم لأهل وبلد الخير.
وكان أهم ما اعتنى به زايد منذ اعتلائه العرش هو توحيد أطراف البلاد ليقوم بتأسيس جميع مناطق الدولة ليكون تحت مسمى الاتحاد ويطلق عليه (دولة الإمارات العربية المتحدة).
هذا واحد مما قام به زايد، وامتد إلى عدة إصلاحات منها العدل والقضاء والعمل في البناء والتشييد ومتابعة البنية التحتية وجذب الاستثمار ومشاريع طرق وأنفاق وغيرها في جميع أنحاء الدولة، والأهم من ذلك تلمس احتياجات الناس والأخذ بمتابعة المرافق الأساسية للحياة كالصحة والتعليم والاقتصاد وغيرها ولم يكتف زايد بذلك بل تعداه بالكثير.
اقتضت حكمة زايد خلال مدة حكمه التي تزيد عن ثلاثة عقود أن يحول إماراته من صحراء عاتية وأرض سبخة إلى دولة حضارية تسابق معها الزمان في عمر قصير يقاس به تقدم الشعوب فجعل منها لآلئ حساناً وجمالاً فتاناً فهي تأخذ العقل وتسرق النظر وتسحر الانتباه وتغري النفس.
وأثناء زيارتي الأخيرة قبل فترة للإمارات كغيرها من زيارات سابقة كانت زيارة غير عادية على غير العادة التي كنت أزور فيها هذا البلد المعطاء فهناك اختلاف من حيث التطور إلى الأفضل حيث شهدت اختلافاً جذرياً لبعض مرافقها الأساسية، وهناك تغير آخر فقد اختلجني شعور ممزوج بالحزن تأثراً بمؤسس هذا الكيان الحديث.
الرجل الذي له بصمته الكبرى في التغيير الكامل لمسقط رأسه وتحويل أرضها إلى مكانة رفيعة بين هذا العالم.
أبو ظبي، عاصمة هذه البلاد تتباهى بفخامتها مما تتصف به من مزايا قل ان يوجد عند مثيلاتها من العواصم، ودبي الإمارة الثانية في البلاد تقف شامخة في قوامها ليس لها شبيه سوى أنها قريبة من بعض الأماكن الأوروبية، أما العين فهي تصيب العين من هولها وسرها يكمن في داخلها وخارجها، فهي تثير من يطلع عليها أو يقترب منها، فمقوماتها مذهلة، فعلى أعلى جبالها ترتسم عليها مسطحات خضراء وينابيع يتفجرن من حولها، ورمال ذهبية محيطة بها.
والشارقة معان للزخرفة والرقي فهي مدينة سريعة للنمو والنهوض.
وبقية المدن تسير على خطى مثيلاتها.
ويبقى الشعب الإماراتي، فمن يلاحظ المواطن الإماراتي بصورة عامة يجد لديه التعامل الحضاري الراقي والأسلوب الأمثل.
ولدولة الإمارات موقف مشرف في سياساتها الخارجية بقيادة زعيمها الراحل (زايد) على كافة الأصعدة.
ويأتي الحديث عن الأهم في هذا الحديث ألا وهو هذا الرجل الطيب الذي جاء من البداوة لينقل بلاده إلى الرقي والحضارة.
زايد، كان هدفه إرضاء ربه ثم ضميره، وخلال المتابعة لشعبه وعلو شأن دولته.
زايد، لم يكن يبحث عن السلطة والنفوذ والسيطرة على الغير.
فمعروف عن الشيخ زايد بساطته في الحياة والتواضع مع الجميع والدخول مع المجتمع بدون ترتيب موعد أو مناسبة يشارك مع الكل، يدخل مع هذا وذاك كشخص عادي.
ويؤمن زايد بأن الرجال هم ثروة أي بلد وأن المرأة لا غنى عنها في طرق التنمية والمشاركة في تطور البلد إذا لم يكن فيها الضرر.
وهناك بعض من أقواله فيما معناها:
إن الرجال هم الذين يقومون على المصانع وليست المصانع.. الخ.
وأيضاً عن تأسيس الاتحاد ودور المرأة، وغيرها من الأقوال.
إن طموحات الرجل متواصلة فلا يرضى إلا بالأفضل وقناعته تريد المزيد وتواصله لشعبه يتدفق بعطاء ليس له حدود، وحتى الأماكن في وطنه إلا ولها نصيب كبير في نظره، فالطرق ترفرف عليها الأشجار والجبال تحولت إلى شلالات خضراء، والبحار فيها راسية وصافية، وكل شيء يسير بتنظيم وترتيب، جميع المنشآت حتى أصبحت عنواناً لهذا البلد الرائع.
لقد تأثر الإماراتيون بأبي خليفة لمكانته عندهم، فهناك شعارات كتبت عليها الرثاء، والشعور متبادل وكانت لوحات تحمل محبته قبل موته وبعده.
فلجميع الشعب الإماراتي أحر التعازي في فقدان هذا الفقيد، والتهنئة والأمل بابن زايد خليفة ليكون عوضاً وخير خلف لخير سلف.
ورحم الله أبا خليفة وأسكنه فسيح جناته بإذنه تعالى.