رأيت فيما يرى النائم اني اجوب واتجول في ثنايا مدينة لم يسبق لي ورأيتها ابدا ولا اعتقد ان عين بشر رأتها من قبل
ولا ادري اي قوة خيال امتلكها عقلي الباطني الساعة ليجعلني اشهد هندسة غريبة عجيبة لهذه المدينة
بطبيعة البشر الفضولية لم اترك في هذه المدينة زاوية الا وطأتها وكنت في كل خطوة اتأمل رؤية احد من البشر يواسيني
يؤنسني او يحدثني عن هذه المدينة العجيبة

ولا زلت على هذا الحال الى ان وجدت امامي باحة كبيرة جدا فارغة تماما من اي شجر او حتى حصى ورمال
او نهر وربما لم الحظ حتى وجود سقف يغطيها او سماء تطل عليها
فقد ابهرني ذلك العدد الهائل من اشباه البشر لكني كلما اقتربت منهم لا اجد انهم بشر
فلا وجوه لهم ولا اطراف لكن ملتحفين برداء بنفس لون ما ساسميه وجها ولكنه ليس بوجه
فكان مطموسا لا توجد له عين او اي ملامح كان وكأنهم يقفون في صفين صف كان لونهم ولون ردائهم اسود حالك كليلة مظلمة دون اي فلك ينير ظلمتها او هالة نور
وصف آخر كأنه النور يسطع منه ومن نصاعة بياض لونهم ولون ردائهم فعجبت لامرهم فاخذت اقترب اكثر واكثر منهم وكلما وضعت يدي على احدهم يتلاشى ولم يعد موجود
ولم اتمكن ابدا من احصاء عدد اي فريق منهم فاوجزت خيفة في نفسي وجلست في مكاني احاول ان اجد مخرج مما انا فيه
او التقي باحد يحدثني عن اهل هذه المدينة الغريبة
وبعد مضي فترة كان هناك صريخ وكأن احدهم يستنجد بصوت هلع يخشى امر ما
فاقتربت من هذا الشيء على امل ان يكون احد من البشر لسماعي صوته ينادي
فوجدت صورة مريعة ومشهد غريب
لوجه جديد يشبه وجوه من في الصفوف حيث انه مطموس المعالم الا انه ليس اسودا وليس ابيضا فقد كان عكرا
تنظر اليه بعمق فتجد ان السواد والبيااض التقوا فيه ويتنازعون وكأنهم لا يطيقون التواجد معا
ورأيت رغم الكدرة التي تلون ذلك الغريب تصرخ وتستنجد غرباء الصف الابيض وتحاول الانفصال عن السواد الذي يلتصق بها
اخذت انادي واحاول تلمس ذلك الغريب الا اني كلما شعرت اني وصلت اليه كان يبتعد اكثر وبينما انا على هذا الحال
تراءت لي صورة جدي رحمه الله
فشعرت بريبة واخذت التساؤلات تتدافع في راسي وظننت للوهلة الاولى اني
مت وها أنا التقي الاموات
فاخذ جدي ينادي علي وهو يرتدي حلته البيضاء مبتسما يدعوني لاحضانه كما كان يفعل بحياته
فقلت لنفسي لا اعتقد اني مت ربما هو شوقي لجدي وحبي له جعلني اتهيأ صورته
فنظرت حولي فراجعت نفسي وقلت لولا اني مت لما وجدت في هذا المكان
لا بد واني ميتة لا محالة
ولبيت نداء جدي وقلت
اشتقت اليك جدي كنت اتوق الى رؤيتك ولطالما شغلت تفكيري
فرد علي جدي : لست باقل مني شوقا وابتسم ابتسامة تفرح القلب وتبهجه
فتناسيت ما انا فيه وهرعت اركض نحوه
لا زلت اعدو واعدو باتجاهه ولا اكاد اصل اليه ابدا
شعرت اني ركضت اميالا حتى نال مني التعب فبت ازحف على ركبتي تارة وامشي تارة اخرى واعدو ان استطعت
ولم اصل اليه رغم اني اراه قريب جدا مني
فاخذت ابكي واقول جدي وانادي عليه
لقد اصابني الارهاق ولا استطيع الوصول اليك
فهل يمكنك ان تاتي الى حيث انا
فقال جدي هذا امر محال يا ابنتي فانت من عالم وانا من عالم اخر ولا يمكن لنا ان نلتقي ابدا الا كأطياف تتخاطر وتأنس لبعضها البعض ولا يمكن لها اللقاء
رغم اني كنت متشوقة لاحضان جدي الا اني فرحت باني تيقنت اني لم امت بعد
فالتفت خلفي فرأيت تلك الصفوف لا تزال موجودة على حالها
فقلت جدي : هل لي بسؤالك عن هذا المكان ؟ هل سبق وان كنت هنا من قبل ؟
فأومأ جدي رأسه ايجابا
قلت : لكنه مكان مريع يا جدي لم اره من قبل
اخشى على نفسي منه
فابتسم جدي وقال : عليك ان تسعدي يا ابنتي لوجودك هنا فقلة هم المحظوظين
الذين يتنبهون ان هذا المكان موجود وقريب جدا منهم
بدت علي علامات الاستنكار وعيناي لا تبرح تحدق في تلك الصفوف وفي جميع ارجاء المكان
فسألت جدي : هل له اسم يا جدي او علامة يعرف بها ؟
فقال جدي : اجل بالطبع هذا المكان يدعى خبايا النفس واسرارها
ابتسمت وقلت لجدي : اتمازحني يا جدي
واردفت قائلة : ايوجد مكان يدعى بهذا الاسم حتى ؟
قال جدي : بالطبع يا ابنتي انه موجود ولكل شخص مدينة كهذه تسكن جوفه تختلف عن الاخرى
قاطعت جدي قائلة : اتقول يا جدي ان لكل فرد منا مدينة كهذه المدينة المخيفة ؟
قال جدي :اجل يا ابنتي وليست مخيفة على الاطلاق
وقلة هم من يدخرون من اوقاتهم لزيارة هذه المدينة التي هي الاقرب لديهم
شعرت اني استنكر كلمات جدي وقلت : ان كانت هذه المدينة ملك لكل شخص
فمن اين جاءت تلك الصفوف ؟
ومن اعطاها الحق لتقيم هنا ؟
ولم هي تختلف عنا ؟
واي لغة قد نتحدث اليهم بها ؟
....
وكــــ
قاطعني جدي قائلا : رويدا رويدا يا ابنتي
ساجيبك على اسئلتك لكن اعطني الفرصة كي اجيبك عليها واحدا تلو الاخر
فالوقت ليس في صالحنا وساغادر بعد قليل
قلت لجدي :ارجوك يا جدي خذني معك لا تتركني في هذا المكان المريع
ردد جدي كلماته وقال :لم تقولين مريع يا ابنتي
انه اجمل الاماكن في عالمك وهو من صنع يديك
وكما قلت لك يا ابنتي ان اسم هذا المكان هو خبايا النفس واسرارها
لا تجدين هذا المكان في اي مكان لانه يسكن في روحك ولا يمكن لاحد من عالمك زيارته
فقلت لجدي ومن يكون اولئك الذين في الصف الابيض ؟
فاجاب جدي :انها اعمال الخير التي قمت بها في حياتك حتى الان من قول وعمل عظم شأنه او كان صغيرا لم تلتفتي اليه حتى
اتسعت حدقة عيني متأملة كلمات جدي التي بدت لي معقولة و غير منطقية في نفس الوقت
لكني نظرت حولي فقلت لا شيء حولي منطقي فربما ما قاله جدي معقولا بالفعل وقاطعت هذه الوهلة بسؤال اخر
فسألت جدي : ماذا عن اولئك الذين في الصف الاسود ؟
فرد علي جدي : انها وللاسف يا ابنتي الاعمال السيئة والسلوكيات الخاطئة التي ارتكبتها في حياتك حتى الان
افزعني هذا التفسير من جدي وقلت له امعقول يا جدي اني فعلت هذا العدد اللامتناهي من الاعمال الخاطئة ؟
ابتسم جدي وكأنه يريد ان يطمئنني ويخفف من وهلة الامر علي : اجل يا ابنتي لكنك محظوظة لانك لا زلت على قيد الحياة
ويمكنك محو البعض منها او كلها ان استطعت واكثرت من عمل الخير وحرصت عليه
اطمأنت نفسي قليلا لكن وكأني لا زلت في حيرة من تحليلات جدي
فسألته فما بال ذلك الذي يقف بينهما عكرا صارخا مستنجدا الصف الابيض ؟
فقال جدي وبدت عليه ملامح الجدية قليلا :هذا هو انت ؟
قلت : انا ؟
واردفت قائلة :هل انا في نظرك بهذه الصورة يا جدي ومعالمي مطموسة هكذا وعكرة الوجه ياجدي ؟
تناسيت ما قاله جدي من تحليل وتفسير واخذت افكر بالصورة العكرة التي يحملها جدي لي ويصفني بها
وادرت ظهري لجدي وقلت له : هذه ليست انا يا جدي لا بد وانك تمزح وتداعبني كما تفعل دائما
ضحك جدي وقال لي :لا امازحك ابدا يا ابنتي هذه هي نفسك من الداخل بما تحمل من خطايا ومحاسن
انها مختلطة معا وهذا ما يجعلها عكرة لا تميل الى سواد او بياض
فسألته ؟ لكن لم تصرخ نفسي هكذا بطريقة مفزعة جدا ؟
فقال لي انها تعرف وتدرك اكثر منك ما ينتظرها بعد الموت ولا يروقها ذلك السواد الملتصق بها وتحاول الاستصراخ باعمال الخير
لدفعك اليها حتى تطيب نفسك لها وتحرصي على الالتصاق بها
حتى لا تعظم الخطايا ويسيطر السواد على البياض وتهلك ويكون مصيرها الهلاك
اخذت العبرات تتسابق من عيني وتندفع شيئا فشيئا حتى اصبحت كالبحر التي تعصف به الرياح ولا يهدأ ابدا
ابكي على تلك النفس التي تسكنني وانا اراها في هذا العذاب بسبب اهمالي وطيشي وعثراتي
فالتفت لجدي بعد ان هدأت واريد ان اسأله سؤال اخر
الا انه اختفى وتلاشى فلبثت مكاني انظر الى الصف الابيض فتطيب الرؤى وانظر الى الصف الاسود واتمنى لو انه لم يكن ابدا
لكن هذه هي النفس في حالة الغفلة ترتكب الكثير من المعاصي ولا تحسب لها حساب وتمضي في طريقها
ولا زلت على هذا الحال الى ان قرع صوت المنبه فايقظني من نومي
نهضت من فراشي فزعة جدا التمس اطرافي
عدوت الى مرآتي لاتفقد صورة وجهي
فتحت نافذتي واذ ما حولي كما كان فيه الشجر والنهر واشخاص بملامح اعرفهم بها واجساد يمكنني لمسها
ويمكنني التخاطب اليه
حمدت الله كثيرا لان ما سبق كان حلما ولم اعتبره كابوسا ابدا
بل هي وقفة كنت بحاجة لها
فانطلقت بعد هذه الوقفة بكل همة ونشاط وابتسامة تملا القلب
ابحث واسأل عن اي شيء قد يملا مدينتي العجيبة بالصفوف البيضاء
..........
كثيرا من الاحلام التي قد تراودنا في المنام تكون بلا تفسير لكن في احيان اخرى تكون لنا وقفة ولحظة تحول
تحذرنا من شيء ما قد يحصل او حصل
فكم جميل ان ندخل تلك المدينة التي حلمت بها ونواجه انفسنا في كل مساء
ونحاول احصاء ما فعلنا قدر استطاعتنا
لنعطي انفسنا فرصة لمحو بعض الخطايا التي ارتكباناها قبل ان تحين لحظة الحساب
التي لا يمكن لنا حينها التراجع او التقدم
ولا يمكن لنا حينها اللذوذ الى اي مكان نفر اليه
فلنبدا الان بزيارة هذه المدينة ومراجعة حساباتنا قدر المستطاع
دعونا لا نعش في غلفة ونمضي العمر هدرا لهوا ولعبا
هناك الكثير من نحتاج اليهم ويحتاجون الينا
واعمال الخير واقوالها كثيرة جدا
ومن فضل الله تعالى علينا انه يضاعف لنا الحسنات وفي كل شأن نقوم به لوجه الله نكسب صدقة
اسأل الله لي ولكم ان تكون الصفحات بيضاء يوم الحساب
اختكم برومـِـس




[/center]