قمة الدوحة تفتح باب التضامن وتضع إسرائيل في مأزق

Collapse
X
 
  • الوقت
  • عرض
Clear All
new posts
  • ساندروز
    المدير العام

    • Sep 2000
    • 12010

    #1

    قمة الدوحة تفتح باب التضامن وتضع إسرائيل في مأزق

    العدوان الإسرائيلي على قطر قاد إلى قمة عربية-إسلامية عاجلة في الدوحة، بوصفها رد فعل جماعي على ضربة جوية استهدفت قادة من حماس داخل قطر، وأسفرت عن مقتل خمسة أعضاء من الحركة وضابط من الأمن القطري، إضافة إلى أضرار في ممتلكات وتجري محاولات عديدة لإخراج الموقف من خانة الأزمات المحدودة إلى تحرّك دبلوماسي شامل.

    قطر وصفت الضربة بأنها «إرهاب دولة» وانتهاك لسيادتها، وأكدت أن الضربة وقعت في وقت كانت تجري فيه مفاوضات لوقف إطلاق النار، ما يجعلها ليست مجرد حادث عسكري بل رسالة سياسية بامتياز.

    القمة تمثل محاولة لإظهار وحدة الموقف العربي والإسلامي تجاه ما يُعتبر تجاوزًا خطيرًا في المعايير الدبلوماسية، خاصة وأن الضربة جاءت أثناء استضافة قطر لقيادات كانت تشارك في مفاوضات وساطة، بدعم من الولايات المتحدة ومصر.

    من الناحية السياسية، هناك عدة نقاط يمكن ملاحظتها:
    1. الشرعية السيادية والقانون الدولي
      استُخدم استهداف دولة عضو في المنظمات الدولية كقطر لتدشين نقاش عميق حول خرق السيادة الوطنية، وما إذا كان هناك تحذير رسمي أو إخطار مسبق، وما إذا كان التصعيد هذا يشكل سابقة خطيرة في المنطقة. القلق الدولي من أن تُستخدم الاعتبارات الأمنية ذريعة لتجاوز خطوط دولية معترف بها هو أمر بات حاضرًا بقوة في الخطاب الدبلوماسي الحاضر.
    2. مصداقية الوساطة وعملية السلام
      الوساطة القطرية، إلى جانب مصر والولايات المتحدة، تُعرضة لاختبار كبير. فمتى ما اعتُبرت الدولة الوسيط جزءًا من الأهداف العسكرية لإحدى الأطراف، يتأثر مصداقها، وقد تقل الثقة في قدرتها على تأمين الحماية أو تضييق الخناق السياسي على الأطراف المتصارعة نحو التسوية. الضربة التي استهدفت مفاوضين أثناء عملية التفاوض تمثل ضربة مباشرة لهذا الركن.
    3. التوازن الإقليمي والتحالفات
      القمة تجمع عددًا كبيرًا من الدول العربية والإسلامية، وتُشكل فرصة لإعادة رسم موازين القوى الدبلوماسية في المنطقة. شعور بالغضب المشترك من العدوان، وإن اختلفت درجاته، قد يدفع بعض الدول إلى خطوات غير مسبوقة لفرض شروط جديدة على علاقاتها مع إسرائيل، وربما مراجعة طبيعة التنسيق مع القوى الكبرى التي تربطها بها اتفاقيات مع مصالح أمنية وسياسية.
    4. المخاطر والتداعيات
      من جهة، هناك احتمال أن يؤدي هذا العدوان إلى تصعيد أوسع، سواء في الميدان (ضربات مضادة، توترات حدودية) أو على المستوى السياسي والدبلوماسي (عقوبات، مقاطعة، تجميد علاقات، أو حتى أحداث أمنية).
      من جهة أخرى، هذا الموقف الموحد قد يُشكّل ضغطًا سياسيًا على إسرائيل لتبرير أفعالها أمام المجتمع الدولي، وقد يدعو إلى مزيد من التدقيق في عملياتها العسكرية ومسؤولية المدنيين في النزاع.
    5. رد الولايات المتحدة والدور الدولي
      رد فعل واشنطن كان حذرًا ومتوازناً إلى حد كبير: دعوة لوقف التصعيد، لكنها لا تزال ملتزمة بعلاقاتها مع إسرائيل، مما يضعها في موقف دبلوماسي حساس. كيف تتعامل مع ضغط الدول العربية والإسلامية وما إذا كانت ستتبنى مواقف أكثر وضوحًا ضد الانتهاكات، سيُعد مؤشرًا مهمًا لاستشراف ما بعد القمة.
    من تحليل كل ما سبق، يمكن استنتاج أن:
    • هذه القمة قد تشكل نقطة تحول في الموقف العربي والإسلامي الموحد تجاه إسرائيل، خصوصًا إذا تبنى البيان الختامي مواقف قوية تتجاوز مجرد الإدانة.
    • العدوان الإسرائيلي على دولة ذات سيادة أثناء وساطة السلام قد يُفضي إلى تراجع في الثقة بالأساليب التقليدية للوساطة، وربما يدفع إلى مقترحات لآليات ضمان دولية أقوى لحماية الدول الوسطية.
    • هناك فرصة لقطر لتعزيز موقعها باعتبارها لاعبًا أساسيًا في الوساطة، لكنها تواجه أيضًا تحديًا في حماية هذا الموقع إذا ما تكرر الاستهداف أو انخراط الأطراف الدولية في تجاوزات دون مساءلة.
    • أخيرًا، القمة قد ترسل رسالة مهمة إلى إسرائيل والعالم: أن الاعتداءات على سيادة الدول، حتى بذريعة الأمن، إذا لم تُقابَل بتحركات سياسية ودبلوماسية حقيقية، قد تؤدي إلى عزلٍ سياسي وتوترات تتجاوز الحدود المنشودة.

      تحمل قمة الدوحة بعدًا استثنائيًا يتجاوز حدود اللحظة السياسية، فهي ليست مجرد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب والمسلمين، وإنما اختبار حقيقي لقدرة هذه الكتلة الكبيرة على تحويل الغضب إلى فعل، والإدانة إلى موقف ملموس. وإذا ما نجحت القمة، فإن الإيجابيات ستكون عميقة وواسعة المدى.

      أول ما يمكن رصده هو إعادة الاعتبار إلى فكرة التضامن العربي والإسلامي. فإن خروج القمة بقرارات عملية سيؤكد أن الاعتداء على أي دولة عضو هو اعتداء على الجميع، وأن السيادة الوطنية ليست مجالًا للمساومة أو التغاضي. هذا سيعزز قوة الردع السياسية في المنطقة.

      نجاح القمة سيعزز كذلك من مكانة قطر الدولية. فقد وُضعت الدوحة في مرمى العدوان وهي تؤدي دور الوسيط في المفاوضات، ولو تُركت وحدها لكان ذلك إضعافًا لدورها، وربما تقويضًا لقدرتها على الاستمرار في لعب هذا الدور. أما إذا لاقت دعمًا عربيًا وإسلاميًا واسعًا، فإنها ستخرج أقوى، وسيترسخ موقعها كقناة موثوقة للحوار وحل النزاعات، بما في ذلك الملف الفلسطيني الذي يبقى قلب الصراع.

      إسرائيل بدورها ستجد نفسها أمام ضغط غير مسبوق. فالعدوان على دولة ذات سيادة خلال وساطة معترف بها دوليًا يُعتبر سابقة خطيرة، وإذا رافقته جبهة سياسية موحّدة، فإن تكلفة أي عملية مشابهة مستقبلًا سترتفع بشكل كبير. نجاح القمة سيجبر إسرائيل على إعادة النظر في حساباتها، وعلى إدراك أن التوسع العسكري لم يعد خيارًا بلا ثمن.

      على الصعيد الدولي، ستبعث القمة برسالة واضحة للقوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وأوروبا، أن المنطقة قادرة على الدفاع عن سيادتها واتخاذ قرارات جماعية دون انتظار الضوء الأخضر من الخارج. هذه الرسالة ستمنح العرب والمسلمين ورقة تفاوض أقوى في أي حوار لاحق مع هذه القوى، سواء تعلق الأمر بالأمن أو الاقتصاد أو حتى التحالفات الاستراتيجية.

      أخيرًا، نجاح القمة يمكن أن يكون بداية لمسار جديد نحو مأسسة المواقف المشتركة. فبدلًا من أن تكون القمم الطارئة مناسبات لخطابات عاطفية، يمكن أن تتحول إلى خطوات تراكمية تبني آليات ضغط اقتصادي وإعلامي ودبلوماسي، وتفعل دور المنظمات الإقليمية بما يعيد لها حيويتها.

      في الخلاصة، قمة الدوحة ليست مجرد رد فعل على عدوان، بل فرصة لإعادة رسم معادلة التوازن في المنطقة. وإذا ما نجحت في توحيد الصف واتخاذ خطوات عملية، فإنها ستفتح الباب أمام مرحلة جديدة عنوانها التضامن والسيادة، وتغلق صفحة طويلة من العجز والتردد.


    هاتف:
    0055-203 (715) 001
    0800-888 (715) 001

مواضيع مرتبطة

Collapse

جاري العمل...